أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة في تونس عن تواصل تزويد السوق بمختلف المواد البترولية في رسالة طمأنة إلى المواطنين والمؤسسات على حد سواء بسبب الاضطراب الذي سُجل منذ 3 أيام، إثر تذبذب في تغطية الطلب على المحروقات. وقالت الوزارة إن كل أنواع المحروقات متوفرة في جميع محطات الوقود على الأراضي التونسية وإن التزود متواصل بنسَقه العادي، مشيرةً إلى أن الاضطرابات التي سُجلت لمدة يوم واحد نتجت من ارتفاع الاستهلاك وتزايد الطلب على المحروقات. ووصفت ما جرى بالاضطراب الجزئي، مضيفةً أن أجهزتها حريصة على تأمين عمليات التزويد وتغطية الطلب المتزايد.
وكانت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية، نائلة نويرة القنجي، قد لمحت إلى إمكانية الزيادة في أسعار المحروقات بسبب ما تتسبب به ظروف الطاقة في البلاد من عجز متواصل، علماً أن تونس توقفت عن تنفيذ آلية التعديل الآلي الشهري لأسعار المحروقات منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعدما تم اعتماد هذه السياسة التعديلية منذ سنوات للاقتراب من السعر الحقيقي للمواد البترولية نظراً إلى أسعار النفط في الأسواق العالمية. ولم تقدم الوزارة تفسيراً للفجوة الحاصلة في التعديل، إلا أن باحثين اعتبروا أنها الآلية الكفيلة بتخفيف الضغط على المالية العمومية، في حين بين متخصصون أن تطبيق التعديل من عدمه يخضع للمعدلات الشهرية لارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.
التخلي عن الآلية
ووضعت تونس ترتيبات آلية للتعديل الأوتوماتيكي للأسعار في عام 2016، تجرى من طرف اللجنة المكلفة ضبط ومتابعة أسعار بيع المنتجات النفطية الجاهزة المستوردة والمكررة محلياً المنصوص عليها في الفصل 17 من القانون رقم 45 لعام 1991 المتعلق بمنتوجات النفط، التي حُدثت تركيبتها وسير أعمالها بمقتضى القرار الصادر بتاريخ 15 يوليو (تموز) 2016. وتسعى آلية التعديل الأوتوماتيكي إلى إضفاء مزيد من النجاعة على عمل اللجنة والاقتراب من حقيقة الأسعار للمواد البترولية. وأُدخلت تعديلات على آلية عام 2016 وذلك باعتماد تعديل في الأسعار بسقف لا يتعدى أقصاه ثلاثة في المئة انطلاقاً من عام 2022.
واعتمدت تونس على آلية التعديل الآلي الشهري لأسعار المحروقات (البنزين والغازوال) لدى المستهلك وفق تطور أسعار برنت في الأسواق العالمية للتخفيف من الضغط على المالية العمومية وتخفيض الدعم، وتهدف إلى السير تدريجاً نحو الأسعار الحقيقية ثم تحرير الاستيراد. وعمدت إلى خفض الأسعار بنسبة 1.5 في المئة انطلاقاً من أبريل 2020 وحتى سبتمبر (أيلول) من العام ذاته. ثم رفعها بنسبة اثنين في المئة خلال شهري يناير (كانون الثاني) و فبراير (شباط) من عام 2021، ثم خمسة في المئة في شهر مايو (أيار) ثم تجميد الزيادات حتى نهاية 2021، واستئنافها خلال السنة الحالية بزيادة قدرها ثلاثة في المئة في شهري فبراير ومارس (آذار) الماضيين، ثم 5 في المئة في شهر أبريل.
وعلى الرغم من تواصل ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية وانعكاساته السلبية على الموازنة لم تلجأ الحكومة التونسية منذ أبريل الماضي إلى أي تعديل في الأسعار. وتعود آخر زيادة إلى شهر أبريل الماضي، فقد عرف سعر البنزين الخالي من الرصاص زيادةً قدرها 110 مليم ليصل سعر اللتر إلى 2.33 دينار (0.730 دولار) ودينارين (0.626 دولار) للغزوال الخالي من الكبريت بزيادة قدرها 95 مليماً.
وقال محمود الماي الباحث في مجال المواد البترولية إن "الظرف الحالي في تونس يحتم أن تكون أسعار المحروقات أعلى مما هي عليه بناءً على رفع الأسعار بالآليات الموجودة المعتمدة في تونس المتمثلة بزيادة أوتوماتيكية لا تتجاوز ثلاثة في المئة كل مرة". وأوضح أن "رفع الأسعار يؤدي بصفة بديهية إلى تراجع نسق الاستهلاك وترشيده، وكان من الأجدى أن يُطبق التعديل الآلي لأسعار المحروقات شهرياً ودون تدخلات سياسية، ووصف الماي القرار المتبع منذ أربعة أشهر بعدم تعديل أسعار المحروقات بـ "الشعبوي"، نظراً إلى أن بعض الدول تطبق تعديلاً آلياً أسبوعياً لأسعار المواد البترولية. وأضاف أن "تطبيق مبدأ التعديل الآلي للأسعار يقتضي اتباعه كل شهر سواء بالزيادة أو النقصان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى أن "تونس ستواجه إشكالية توفير الاعتمادات المالية لاقتناء مشترياتها من البترول في السنة المقبلة، بعدما تسببت الحرب بين روسيا وأوكرانيا باشتعال أسعار النفط، كما أدت إلى اضطرابات على مستوى التوزيع وارتفاع تكاليف الشحن".
ضغوطات واستعادة التعديل
من جهتها أشارت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي هذا الأسبوع إلى ضرورة مواصلة برنامج تعديل أسعار الطاقة في ظل تضاعف حاجيات الدعم للمحروقات ثلاث مرات، في إشارة إلى نية العودة إلى اعتماد آلية التعديل، وأن تونس تواجه عجزاً هيكلياً في ميزان الطاقة مثل بقية البلدان بعدما وضعت ميزانية عام 2022 على أساس فرضية أن أسعار النفط لا تتجاوز الـ 75 دولاراً للبرميل، بينما بلغ معدل الأسعار 108 دولارات، ما تسبب في ارتفاع حاجيات التمويل من 5.2 مليار دينار (1.6 مليار دولار) إلى 10 مليارات دينار (3.13 مليار دولار)، وأوضحت أن "التعديل المبرمج في أسعار المحروقات سيوفر حوالى 16 في المئة فقط من حاجيات التمويل، بينما كان يُفترض أن يوفر حسب قانون المالية 32 في المئة منها".
وكشفت الوزيرة التونسية لـ "اندبندنت عربية" أن "حاجيات الدعم الموجه للمحروقات تضاعفت بدورها ثلاث مرات وانتقلت من 2.6 مليار دينار (815 مليون دولار) إلى ثمانية مليارات دينار (2.5 مليار دولار) في الوقت الراهن وهي مرشحة للزيادة".
وهي نتيجة حتمية لتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية على الأسعار العالمية للطاقة وصعوبة التزود بمختلف منتجات الطاقة التي لا تنحصر بغلاء الأسعار بل تتجاوزه إلى ندرتها في السوق في بعض الأحيان. ودعت القنجي إلى "تكثيف جهود الاقتصاد في الطاقة في كل القطاعات ومختلف الأوساط العائلية والمؤسساتية للضغط على الطلب المتزايد".
يُشار إلى أن العجز التجاري لقطاع الطاقة بلغ 4.2 مليار دينار (1.31 مليار دولار) بما يمثل 36 في المئة من إجمالي العجز التجاري لتونس في النصف الأول من عام 2022، مقابل 2.2 مليار دينار (689 مليون دولار) في الفترة ذاتها من السنة الماضية.
وتكلف الزيادة بدولار واحد في أسعار النفط 137 مليون دينار تونسي (42.9 مليون دولار) في نفقات الدعم سنوياً وفق وزارة المالية. كما تؤدي الزيادة بـعشرة في المئة في سعر صرف الدولار إلى زيادة بـ 40 مليون دينار(12.5 مليون دولار) في نفقات الدعم سنوياً.
ويظل مستوى دعم المحروقات في تونس من الأرفع على مستوى المنطقة مقارنةً مع بلدان أخرى، حيث يبلغ سعر لتر البنزين 0.768 دولار مقارنةً بـ 1.56 دولار في المغرب و1.26 دولار في السودان و 1.66 دولار في الأردن و1.25 دولار في لبنان.
السقف والتوازنات
ذكر عفيف المبروكي، مدير تكرير ونقل وتوزيع المحروقات في وزارة الصناعة والطاقة والمناجم التونسية، أنه "بحكم اعتماد البلاد على التوريد ثم انخفاض قيمة العملة المحلية، ارتفعت حاجات تمويل دعم المحروقات، وتم تفعيل آلية تعديل الأسعار في أوائل السنة الحالية وهي في المقابل لا تغطي كل الحاجات للدعم، حيث يحكمها سقف ثلاثة في المئة. كما تقررت زيادة في أسعار الكهرباء والغاز لكنها لم تشمل مَن لا يتجاوز استهلاكه 200 كيلووات في الساعة، وهؤلاء يمثلون 85 في المئة من التونسيين. وتهدف آلية التعديل وإجراءات زيادة الأسعار إلى تخفيف الأعباء المالية على الشركات الحكومية التي تعاني من صعوبات مالية وهي الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لصناعة التكرير".
وأشار المستشار في مجال الطاقة لدى البنك الدولي، عز الدين خلف الله، إلى أن "اللجوء إلى آلية التعديل من عدمه يخضع إلى معدلات أسعار النفط الشهرية التي يحتكم لها التعديل، حيث تخضع الآلية للمعدل الشهري لأسعار البترول في السوق العالمية وهي أسعار متقلبة نزولاً وصعوداً، ويتم الاحتكام إلى معدل شهري عام ومقارنته بالمعدل المسجل في الشهر المنقضي، وفي حال عدم تسجيل ارتفاع في المعدل العام لا يتم اللجوء إلى الزيادة، كما لا تؤدي آلية التعديل حتماً إلى إحداث التوازنات المالية اللازمة نظراً إلى أسعار النفط المرتفعة بحكم أنه حُدد سقف للترفيع عند التعديل وهو لا يتجاوز ثلاثة في المئة، ويتم السعي حالياً لزيادة هذه النسبة لتصبح خمسة في المئة. فالألية المتبعة لا تضمن الضغط على الانفلات الحاصل في الأسعار الذي يؤدي إلى رفع مستوى الدعم"، ويتفاوت مستوى دعم المواد البترولية، ويبلغ 37 في المئة للغاز المضغوط و38 في المئة للغازوال و12 في المئة للبنزين.