الصيف الساخن هذا، قضيت جزأه الأكبر في مدينتي بنغازي بعد غياب طويل. جزء من الوقت كالعادة أقضيه أمام شاشة التلفزيون، فنشرات الأخبار مندلعة فيها نيران العالم، نيران رشقات مدفعية في شوارع طرابلس الغرب عاصمة بلادي، ونيران غابات أوروبا ملحقة بنيران حروبها، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير معتاد في آسيا والعراق والكويت، ملحقة سخونة عالية في الجسد الآسيوي، عقب زيارة بيلوسي رئيسة برلمان الولايات المتحدة لجزيرة تايوان، فالمناورات العسكرية الصينية غير المسبوقة، ما دعا الجزيرة لأن تقوم بمناورات تحاكي عملية صد لهجوم مرتقب.
هذا الصيف الشديد السخونة ينسج النشرات المرتفعة الحرارة، ومنها أن غوتيريش أمين عام الأمم المتحدة يحذر في هلع من أن العالم على شفا هاوية، فالحرب النووية قد تندلع بضغطة زر من يد وجلة وعقل هلع، وأجواء الدنيا الحالية توفر ذلك، ليس غوتيريش من أصاب عقله الهلع فحسب، فهناك من يحذر من خطر مجاعة عالمية لأن القارة المركز (أوروبا) تكتب سيناريو حرب عالمية ثالثة، والمخرج بوتين يضع لمسات فيلم هيتشكوكي لا يعرف أحد نهايته حتى المخرج نفسه بعد أن خطت بيلوسي، خطوة في الفراغ المأهول (بحر الصين).
هذا الصيف الساخن كما ليس قبل، يجعل الدماغ يموج بسيناريوهات حرب ضروس، وليس ما يحدث في أوكرانيا إلا بروفة أولية لفيلم رعب بشري حتى النخاع، وفي هذه المفاعيل الجهنمية لا يبدو ثمة طريقة خلاص، خصوصاً أن الروس والأوكران يتبادلون التهم حول ضرب المحطة النووية الأوكرانية، ما يوحي أن انفلات الزمام حادث يحدث كل لحظة، كما نبه غوتيريش.
لقد وجدت عقلي هلعاً في هذا الصيف كما لم يكن، قلت بيني ونفسي إذا كانت الحرب ممكنة عند البشر بهكذا سهولة، فهل السلام ليس كذلك؟ وأخذت أجول عبر وسائل البحث في الذاكرة البشرية (الإنترنت)، "محاطاً بزملائه في الفريق وأمام الكاميرا الموجهة نحو الشعب الإيفواري (ساحل العاج)، الذي يشهد فرحة منتخب بلاده بالتأهل لكأس العالم، يجثو ديدييه دروغبا على ركبتيه وبقية لاعبي الفريق في خطاب ود وسلام، ودعوة للمصالحة بين الفرقاء المتطاحنين في ما بينهم. فكانت الكلمات النابعة من القلب إلى القلب في لحظة صفاء ووئام رجال ونساء ساحل العاج من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، لقد أكدنا اليوم أن الإيفواريين قادرون على التعايش في ما بينهم للعب سوياً من أجل هدف مشترك، التأهل إلى كأس العالم. لقد وعدتمونا أن الاحتفالات ستوحد الشعب، واليوم نحن نطلب منكم ونتضرع إليكم جاثين على ركبنا، لنتسامح علينا ألا نخضع للحرب بهذه الطريقة، نرجوكم ضعوا أسلحتكم جانباً ونظموا الانتخابات، وكل شيء سيمضي على ما يرام، نرجوكم نريد أن نستمتع، نرجوكم كفوا عن إطلاق النار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطاب "ديدييه دروغبا" بعد التأهل لكأس العالم 2006، مطالباً الشعب الإيفواري بوقف الحرب، لم تكن مجرد لحظة فرح وتمضي وتعود معها الحرب الأهلية، لقد واصل دروغبا مشوار الإصلاح لإحقاق السلام عبر اللغة التي يجيدها، كرة القدم. فبعد سنتين من فرحة الوصول لكأس العالم، والبلد لا يزال يشهد ما بين الفينة والأخرى صولات من مخلفات الحرب، يعود المهاجم الإيفواري لاستئصال شأفة الفتنة عبر المطالبة بإقامة اللقاء الحاسم للتصفيات المؤهلة لكأس أمم أفريقيا 2008، في مدينة "بوياكي" شمال البلاد، التي تعد معقلاً لثوار ساحل العاج من حملوا السلاح في وجه الحكومة.
ما وجدته كان برداً وسلاماً على النفس، النفس الوجلة من هذا الصيف الحار جداً. إذاً كما تندلع الحرب من شرر ضئيل وحتى غير مرئي، تهب رياح السلام الباردة في عز الصيف، ومن لاعب كرة قدم مثل ديدييه دروغبا، من لم يكن أول داعية سلام ولا آخره، ولا أول فاتح فاعل ولن يكون الأخير. فالعمل بالمستطاع إليه سبيلاً ما أنشأ السلام وأسهم في بناء العالم قبل وبعد، لكن كيف ذلك؟ الشاعر الألماني فردريش هولدرلين وضع قاعدة كنا أشرنا إليها في مقال سابق، لكن حيث يكون الخطر تنمو قدرةُ الإنقاذ أيضاً. ومن هذه القاعدة أن زيادة الخطر والتصعيد الحربي ملمح من ملامح السلام. فمثلاً تحدثت الأخبار أيضاً في هذا الصيف الساخن عن سفن تحمل القمح غادرت أوديسيا الميناء الأوكراني، وهناك بوادر انخفاض في أسعار الطاقة وهذه وغيرها مؤشرات من القدرة على الإنقاذ.