شهدت العاصمة العراقية بغداد، الجمعة الـ12 من أغسطس (آب) الحالي، ثلاث تظاهرات مختلفة التوجه والأفكار والغايات السياسية، حيث تظاهر أنصار زعيم التيار الصدري المعتصمون منذ مطلع الشهر الحالي أمام مجلس النواب العراقي وفي محافظات عديدة، مطالبين بحل البرلمان، بينما تظاهر أنصار الإطار التنسيقي الذي يسعى إلى تشكيل الحكومة الجديدة أمام جسر المعلق القريب من المنطقة الخضراء، مقر الحكومة العراقية والبعثات الدبلوماسية، والمكان الذي يوجد فيه متظاهرو الصدر، في حين خرجت تظاهرة أخرى لقوى التغيير في التيار المدني الديمقراطي في ساحة الفردوس وسط بغداد.
اعتصام مفتوح
وفي أحدث التطورات السياسية أعلن الإطار التنسيقي، الجمعة، الاعتصام المفتوح على أسوار المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد.
وقالت اللجنة التنظيمية لتظاهرات "الشعب يحمي الدولة"، في بيان، "اجتمعت حشود الجماهير الغفيرة في هذه التظاهرة الوطنية، التي نعلن ختامها بإعلان الاعتصام المفتوح من أجل تحقيق مطالبنا العادلة، وهي الإسراع بتشكيل حكومة خدمية وطنية كاملة الصلاحيات وفق السياقات الدستورية، لإعادة هيبة الدولة ومعالجة مشكلات المواطن العراقي".
ودعت اللجنة، "القوى السياسية، وخصوصا الكردية منها، إلى التعجيل في حسم مرشح رئاسة الجمهورية، وتكليف مرشح الكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء، وإنهاء كل ما يعوق الإسراع بحسم الموضوع"، معلنة الدعم "للقضاء العراقي ومؤسساته ورفض أي تجاوز عليه، أو إساءة له".
وطالبت اللجنة رئيس مجلس النواب "بإنهاء تعليق العمل والتحرك الفاعل من أجل إخلاء المجلس وتفعيل عمله التشريعي والرقابي، فهو منتخب من الشعب، والشعب له حقوق معطَّلة، وينتظر من ممثليه أداء واجباتهم بصورة كاملة"، داعية القوات الأمنية إلى "حماية مؤسسات الدولة والحفاظ على هيبتها، وتمكينها من أداء عملها من دون أي معرقلات، لأنها وُجِدَتْ لخدمة المواطن، ولا يمكن السماح لأحد بمنعها وغلقها لأي سبب كان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد البيان، "نطالب القوى السياسية بالالتفات إلى الشعب، وندعو إلى الالتزام بالقانون والدستور لمواجهة تحديات الغلاء المعيشي وفساد البطاقة التموينية، وشح المياه، كما نطالب بإنهاء مأساة الكهرباء في هذا الحر اللاهب، وغيرها من الخدمات الأساسية التي يجب على الدولة تقديمها للمواطنين".
ونوه البيان إلى أن "البلد من دون حكومة كاملة الصلاحيات قد وصل إلى مرحلة صعبة، وتعاني الجماهير هذا الوضع المأساوي أشد المعاناة، فاتركوا مصالحكم الشخصية والحزبية والفئوية، واحتكموا إلى الدستور والقانون".
وتابع، "من خلال تظاهراتنا هذه واعتصامنا الذي أعلنا عنه الآن، فإننا نعلن التزامنا التام وطاعتنا لكل ما يصدر من المرجعية الدينية العليا".
وكانت تظاهرات أنصار الإطار التنسيقي قد انطلقت عصر الجمعة أمام المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، حيث اعتبر رئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، أنها بعثت برسالة الى كل المكونات السياسية.
وقال المالكي، في بيان له، إن "التظاهرة الحاشدة التي دعا لها الإطار التنسيقي، عبّرت عن تفاعل جماهيري كبير لمواقف الإطار، وبعثت برسالة واضحة بأن الجماهير العراقية بتوجهاتها كلها تفاعلت مع الدفاع عن شرعية الدولة، وحماية المؤسسات الدستورية التشريعية والقضائية، وهي بسلمية فعاليتها بعثت برسالة أخرى إلى كل المكونات السياسية؛ إن تعالوا إلى كلمة سواء لعبور الأزمة التي يخشى منها على المسار السياسي الدستوري، ولاجتناب تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وتعطيل مجلس النواب المنتخب الذي تشكل وفقاً للقانون والدستور، وعرقلة انعقاد جلساته، في وقت يتطلع فيه العراقيون إلى حكومة خدمات تنهض بمتطلبات الشعب وحاجاته، وترفع عن كاهله المعاناة والفقر".
وزاد، "التظاهرات أوضحت من دون شك أن الشارع لا يمكن أن تستحوذ عليه جهة دون أخرى، وإنما هو ساحة تفاعل واستجابة لكل ما هو دستوري ومشروع، وأن العراقيين الذين صنعوا عرس الانتخابات، مع ما شابها من إخفاقات، تظاهروا اليوم، وهم يريدون أن يروا مؤسسات الدولة تعمل وتنشط، وتقدم الخدمات والرعاية والإعمار، ولا يريدون أن يروها معطلة من دون وجه حق شرعي ولا وطني ولا دستوري".
وباشر متظاهرو الإطار التنسيقي، الجمعة، بنصب سرادق الاعتصام على أسوار المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وفي تظاهرات التيار الصدري، وجّه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رسالة إلى متظاهري الإطار التنسيقي. وقال الصدر في تغريدة له، "فلتكن تظاهراتكم سلمية ولتحافظوا على السلم الأهلي"، مبيناً أن "العراق أهم من كل المسميات".
تظاهرات الصدريين
وانطلقت، عصر الجمعة، تظاهرات لأنصار التيار الصدري بعدة محافظات للمطالبة بحل البرلمان، فيما واصل أتباع زعيم التيار الصدري اعتصامهم أمام مقر مجلس النواب العراقي.
وشهدت محافظات ذي قار وبابل وواسط والديوانية وميسان والبصرة والمثنى وديالي وصلاح الدين ونينوى، عصر الجمعة، انطلاق تلك التظاهرات دعماً لمطلب حل البرلمان الذي رفعه الصدر.
في المقابل، أكد خطيب صلاة الجمعة مهند الموسوي، أن الثورة بمثابة بارقة أمل وفرصة لإنقاذ العراق من الفساد، مشيراً إلى أنه لا يوجد تراجع في قاموس الثورة ومطالبها.
وقال الموسوي خلال خطبة صلاة الجمعة الموحدة أمام المنطقة الخضراء، إن "المتظاهرين أخلصوا لوطنهم، وإن العراقيين جميعاً في خانة المسؤولية تجاه نصرة الثورة"، لافتاً إلى أن "الثورة بمثابة بارقة أمل وفرصة لإنقاذ العراق من الفساد وتصحيح مسار العملية السياسية".
ولفت إلى أن "المتظاهرين خرجوا لرسم ملامح العراق المقبلة"، مؤكداً أن "الثوار مستمرون حتى تحقيق المطالب، ولن يتنازلوا على الإطلاق، لأنها فرصتهم الأخيرة".
وأوضح أن "هذه الثورة سترسم ملامح الوضع السياسي القادم للعراق من خلال عملية ديمقراطية ثورية سلمية أولاً، ثم عملية انتخابية مبكرة بعد حل البرلمان الحالي ثانياً"، مضيفاً أن "على الثوار والمعتصمين البقاء على اعتصامهم لحين تحقيق المطالب".
تظاهرات منفصلة
إلى ذلك، خرجت تظاهرات للقوى المدنية والديمقراطية، في ساحة الفردوس، وسط بغداد، ومنفصلة عن تظاهرات الصدريين والإطار التنسيقي، مطالبة بحل البرلمان كإجراء لإنهاء الأزمة السياسية والتمهيد لانتخابات جديدة.
وقالت اللجنة المنظمة للتظاهرات، في بيان، إنه "منذ أكثر من عقد والشعب وقواه المدنية والوطنية يؤكدان أن هذا النظام برمته بحاجة ماسة إلى إصلاحات حقيقية، لكن لم يستجب أي من أحزاب السلطة وساستها".
وتابعت في بيانها، "قلنا مراراً وتكراراً إن نهج المحاصصة والتجاوز على الدستور وخرق القوانين والاصطفاف الطائفي والعنصري سيؤدي إلى انهيار البلد على المستويات كافة، وسيلد صراعات تتفاقم بين القوى السياسية الذي بدوره سينعكس سلباً على حياة المواطن. وتتحمل جميع القوى المهيمنة على السلطة مسؤولية ما آلت إليه الأمور".
وأضافت، "واليوم، وأمام أزمة عميقة في منظومة المحاصصة والفساد، تتمثل في حالة الاستعصاء السياسي، فإننا نؤكد أن التغيير أصبح ضرورة وطنية لا تراجع عنها، وأن عدم الاستجابة لنداء الشعب بالتغيير يجعل الكلفة السياسية باهظة لأولئك الرافضين له".
ونوهت، "ومن أجل أن يحقق التغيير استجابة لتطلعات أبناء شعبنا في عيش كريم ووطن مستقل مزدهر، ويحفظ السلم الأهلي، لا بد أن يستند إلى مبادئ السلمية والديمقراطية والمواطنة، ويكرس الهوية الوطنية الجامعة، ويحفظ الحقوق والحريات ويحقق العدالة الاجتماعية".
ولفتت إلى أن "القوى المدنية والديمقراطية إذ تواصل نضالها السلمي، فإنها تؤمن أن إرادة الشعب هي العامل الحاسم في الصراع الذي لن نخوضه إلا من منطلق وطني حريص على مستقبل العراقيين، صراع من أجل الخلاص من المحاصصة وقواها الفاشلة، صراع ضد قتلة المتظاهرين والفاسدين أياً كان انتماؤهم، صراع من أجل حصر السلاح بيد الدولة، صراع من أجل دولة المواطنة والحقوق والقانون العادل".
ودعت إلى "ضرورة حل مجلس النواب العاجز، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظرف عام واحد، بشرطها وشروطها (قانون انتخابي عادل، ومفوضية مستقلة، وتطبيق قانون الأحزاب) بانتخابات تعكس التمثيل الحقيقي لإرادة العراقيين، وأنه في العودة إلى النهج الفاشل في الحكم، فإن العراقيين المُكتوين بنار الأزمات لهم القول الفصل، وإليهم يعود القرار".
تداعيات المرحلة الحالية
في الأثناء، حذر زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي من تداعيات وخطورة المرحلة الحالية، فيما دعا إلى عقد جلسة برلمانية بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية لاختيار رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة.
ولفت علاوي، في بيان، إلى أنه "لطالما دعونا إلى الحوار الوطني الذي نرى فيه حلاً للأزمات وتجاوز حالة الفوضى والتعقيد، وكذلك طالبنا منذ عام 2010 بتشكيل مجلس أعلى للسياسات الاستراتيجية، والآن بتشكيل مجلس حكماء، ولكن للأسف، لم يستجب المتخاصمون لدعواتنا".
وتابعت، "عليه لم يتبقَّ سوى احترام توقيتات الدستور الذي اختطَّ بأيديهم على الرغم من تحفظاتنا على عديد من فقراته، وذلك من خلال عقد جلسة لمجلس النواب في أي مكان في العراق بحضور رئيس مجلس القضاء ورئيس المحكمة الاتحادية لاختيار أو تثبيت رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة تمهد لإجراء انتخابات مبكرة بقانون انتخابي عادل ومفوضية انتخابات نزيهة".
وقال علاوي، إنه "بخلاف ذلك ستزداد الأوضاع سوءاً وتتدهور إلى ما لا يحمد عقباه، ولا أمتلك غير التنبيه والتحذير من تداعيات وخطورة المرحلة التي يمر بها بلدنا الحبيب وشعبنا العزيز الذي عانى الويلات، وحُرمَ من أبسط مقومات العيش الكريم".