شهد قطاع صناعة السيارات على المستوى العربي سباقاً مصرياً مغربياً وخطوات جديدة، قام بها البلدان نحو تشجيع وتوطين صناعة السيارات خلال شهر يونيو (حزيران) الحالي، وتشير تلك التحركات إلى أن مستقبل صناعة السيارات ربما يتغير خلال سنوات أو شهور مقبلة في الوطن العربي بشكل واسع.
عودة مرسيدس
البداية من القاهرة، إذ وقَّعت الحكومة المصرية ممثلة في التجارة والصناعة، الاثنين الماضي 24 يونيو (حزيران)، اتفاقاً مع شركة مرسيدس بنز الألمانية.
وتضمّن الاتفاق استئناف تجميع سيارات الركوب، وإنشاء مركز هندسي للشركة في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس لتصنيع وتصدير سيارات مرسيدس، علاوة على توسيع خطوط الإنتاج لتضم طرازات جديدة، وفتح خط إنتاج جديد لطرازات GL، بعد توقف دام عدة سنوات.
أسباب الخروج
وكان عملاق السيارات الألمانية اضطر إلى إغلاق خط تجميع وإنتاج السيارات في مصر منتصف 2015 بسبب أزمة نقص العملات الأجنبية، إضافة إلى اتجاه مصر حينها إلى تفعيل اتفاق الشراكة المصرية الأوروبية بإلغاء الجمارك على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي، التي وصلت إلى صفر مطلع العام الحالي.
وبعد مفاوضات بين الطرفين استمرت ثلاث سنوات وافقت "مرسيدس بنز" في نهاية 2017، من حيث المبدأ، على إعادة خط تجميع السيارات بمصر، وهذا ما أكده ماركوس شيفر رئيس قطاع الإنتاج العالمي بالشركة خلال لقائه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مطلع العام الحالي، مؤكداً أن "الشركة تخطط للعودة إلى إنتاج السيارات في مصر".
41.5 مليون دولار للشركة الألمانية
هذا الاتفاق جاء بعد أيام قليلة من توصّل لجنة فض منازعات الاستثمار واللجنة المشكلة من وزارة المالية إلى اتفاق تسوية نهائي للنزاع القائم بين مصلحة الجمارك والشركة المستوردة لسيارات مرسيدس، التي ستسترد 700 مليون جنيه (41.5 مليون دولار أميركي) حصَّلتها مصلحة الجمارك المصرية منها سابقاً.
مركز لوجيستي
قال يورج بورزر عضو مجلس الإدارة التنفيذي لمرسيدس، إن "الاتفاق سيتيح هيكلة شبكة إنتاج الشركة على نحو أكثر مرونة وكفاءة، وأفضل استجابة لاحتياجات عملائنا".
وتعتزم مرسيدس ضخ مزيدٍ من الاستثمارات في مصر على المدى الطويل، مشيرة إلى أنها "ربما تؤسس مركزاً لوجيستياً في المنطقة الاقتصادية بقناة السويس، وتوسّع من شبكة موزعيها".
مصر تفاوض شركة صينية
وزارة التجارة والصناعة المصرية قالت إنها "بدأت مفاوضات مباشرة مع كبريات شركات السيارات العالمية لبدء مشروعات استثمارية مشتركة لها بالسوق المصرية خلال المرحلة المقبلة".
وأكدت أنه "وُقّع عقد شراكة مؤخراً بين (SAIC) الصينية، وإحدى شركات السيارات المصرية للاستفادة من الطاقات الإنتاجية غير المستغلة بالشركة، وبدء تجميع طراز جديد من السيارة ماركة (MG)، وهي الخطوة التي جاءت نتيجة المفاوضات، التي تبنَّتها الوزارة مع الشركة الصينية منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت الوزارة إلى أنها "تعمل حالياً على دراسة خطة شاملة لتنمية صناعة السيارات وتوطينها بالسوق المصرية، لتصبح مصر إحدى الدول المحورية المنتجة السيارات بالشرق الأوسط وأفريقيا"، موضحة أنها "تسعى إلى استقطاب كبريات الشركات العالمية للعمل بمصر وتدشين صناعات مغذية تفي باحتياجات السوق المصرية من السيارات وقطع الغيار وتصدير الفائض إلى الخارج".
من جانبه، قال شن هونج، رئيس مجلس إدارة الشركة الصينية، إن "شركته أنتجت ما يقرب من 7 ملايين سيارة، وتسعى إلى الوجود بقوة داخل السوق المصرية من خلال تجميع السيارة ماركة MG".
وأوضح، أنه "جارٍ العمل حالياً على إطلاق الطراز الجديد، إذ من المتوقع أن يبدأ الإنتاج خلال الشهور القليلة المقبلة".
إحياء "النصر للسيارات"
هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام كشف أن الوزارة "بذلت جهوداً خلال الفترة الماضية بالتنسيق مع عدد من الوزارات، على رأسها الإنتاج الحربي لتوطين صناعة السيارات في مصر".
وأضاف توفيق لـ"اندبندنت عربية" أنه "التقى السفير الجديد للصين بالقاهرة لياو ليتشيانج وهان بينج وزير مفوض للشؤون الاقتصادية والتجارية بالسفارة الصينية والوفد المرافق، الأسبوع الماضي، لبحث فرص إحياء شركتي النصر والهندسية للسيارات اللتين تمتلكان بنية تحتية جيدة، وفي ضوء موقع مصر الجغرافي المتميز للوصول إلى الأسواق الأفريقية والأوروبية"، مشيراً إلى ما يمكن تقديمه من تسهيلات ومحفزات من جانب الحكومة المصرية لتشجيع الشريك المرتقب.
رفع الأعباء
تأتي التحركات الأخيرة من جانب الحكومة المصرية بعد خطوة أخرى قطعتها وزارة التجارة والصناعة المصرية بإصدار القرار رقم 571 لسنة 2019 يحدد نسب التصنيع المحلي لصناعة السيارات عند 45% بدلاً من 46% قبل القرار بهدف رفع الأعباء الإضافية عن شركات التجميع، ومنحها الفرصة لضخ استثمارات جديدة لحين صدور منظومة الحوافز الاستثمارية.
خطة متكاملة أمام "الوزراء المصري"
أوضح حسام عبد العزيز مستشار وزير التجارة والصناعة، أن "قرار 571 لسنة 2019 يأتي في إطار خطة الوزارة لتحوّل مصر إلى إحدى الدول البارزة في مجال تصنيع وتصدير السيارات التي عرضتها الوزارة على الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء الأسبوع الماضي".
وتابع عبد العزيز، أن "هذا القرار يستهدف بالأساس رفع أي أعباء إضافية عن كاهل مصنعي المركبات الحاليين"، مشيراً إلى أنه "جار حالياً مراجعة جميع القرارات الحاكمة لصناعة وسائل النقل على التوازي مع بلورة حزمة حوافز بهدف تعميق صناعة المركبات".
المغرب يدشن مصنع "بيجو"
ومن مصر إلى المغرب العربي تستمر الاتفاقات في قطاع السيارات، إذ دشّن المغرب، الخميس الماضي 20 يونيو (حزيران)، مصنعاً للسيارات تابعاً لشركة بيجو الفرنسية بالمنطقة الصناعية في القنيطرة شمال غربي الرباط بتكلفة استثمارية بلغت نحو 550 مليون يورو، وفقاً لرويترز.
صراع فرنسي
وأكد المغرب أن "المصنع من شأنه أن يقلّص العجز في الميزان التجاري من خلال زيادة الصادرات المغربية من السيارات بعد أن أنشأت مجموعة رينو الفرنسية مصنعين في مدينتي الدار البيضاء وطنجة".
4 آلاف وظيفة
وحسب رويترز، قال وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي المغربي مولاي الحفيظ العلمي إن "المصنع أُنجز ضمن الشروط المتفق عليها، وفي الآجال المحددة".
وبُنِي المصنع في مرحلته الأولى على مساحة 400 هكتار، قبل أن تضاف 500 هكتار أخرى في مرحلة ثانية، بما يوفر 4 آلاف وظيفة.
وأنتج المصنع في العام الماضي أول محرك ونموذج من السيارات الخاصة به، وذلك بعد عام ونصف العام على إطلاق الأشغال، علماً بأن المغرب اتفق مع الشركة الفرنسية على تصنيع محركات محلياً وعدم الاكتفاء بتجميعها.
200 ألف سيارة خلال سنوات
وفي البداية سينتج مصنع القنيطرة 20 ألف سيارة سنوياً، ترتفع إلى 100 ألف، على أن تصل وتيرة الإنتاج في الأعوام المقبلة إلى 200 ألف.
ويأمل المسؤولون رفع القدرات الإنتاجية السنوية لصناعة السيارات في المغرب إلى مليون سيارة بحلول 2022.
ويهدف المصنع الجديد إلى توجيه 90% من إنتاجه إلى التصدير نحو أفريقيا والشرق الأوسط. وستساعد سيارات مصنع القنيطرة عملاق صناعة السيارات الفرنسي على تجاوز المشكلات، التي واجهته في سوق الشرق الأوسط في العام الماضي.
وتشير تقارير فرنسيّة إلى أن مبيعات بيجو في السوق تراجعت 50%، بسبب وقف الإنتاج في مصنع إيران عقب العقوبات الاقتصادية الأميركية.