كشف تحليل جديد عن أن الشركات والأثرياء (في بريطانيا) حصلوا على ما قيمته 40 مليار جنيه إسترليني (نحو 48.3 مليار دولار) تقريباً في تخفيضات ضريبية حين كان ريشي سوناك يتولى وزارة المالية، ما ألقى على عاتق البريطانيين الآخرين أعباء فاتورة تعافي بريطانيا من الجائحة في خضم أزمة تكاليف المعيشة.
ورفض السيد سوناك الدعوات المطالبة بموازنة طارئة لمساعدة الأسر المتعثرة في وقت سابق من هذا الأسبوع، بعدما حض رئيس الوزراء السابق غوردون براون الحكومة على إعلان مزيد من الدعم قبل أن يصل "ملايين من الناس إلى حافة الهاوية" بسبب "قنبلة مالية موقوتة" تتمثل في الفواتير الباهظة المتوقعة في أكتوبر (تشرين الأول).
ويوم الإثنين من الأسبوع الماضي، شن المرشح لمنصب رئاسة الوزراء هجوماً جديداً على خطة منافسته ليز تراس لخفض الضرائب في موازنة طوارئ، واصفاً إياها بأنها "رشوة كبيرة" للشركات الكبيرة والناس الأفضل حالاً لن تساعد إلا قليلاً الناس الأكثر حاجة.
لكن مراجعة لـ"الأطراف الرابحة والأطراف الخاسرة" في كل موازنة وضعت حين كان بوريس جونسون والسيد سوناك يتوليان رئاسة الوزراء ووزارة المالية على التوالي، أظهرت أن الخزانة فضلت توفير الإعفاءات الضريبية للشركات على تقديم المساعدة إلى الأفراد والعائلات.
وقدرت منظمة العدالة الضريبية في المملكة المتحدة أن الحكومة قدمت ما لا يقل عن 35.8 مليار جنيه إلى الشركات في إعفاءات ضريبية، مقارنة بالخطط التي كانت مطبقة حين انتهت ولاية حكومة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.
وفي حين استفادت الأسر بالفعل من مجموعة من المساعدات التي قدمتها الخزانة خلال الجائحة، يبين التحليل الجديد أن هذه المساعدات "أعيدت" بالفعل إلى الخزانة من خلال قفزة في المساهمات في التأمين الوطني [رفع نسبة المساهمات] وتجميد لنطاقات ضريبة الدخل، ما عنى أن العاملين العاديين يدفعون مليارات إضافية حين يسددون الضرائب في وقت تتزايد فيه تكلفة المعيشة.
وفي الوقت نفسه، تجاهل السيد سوناك دعوات إلى عدم وقف العمل بزيادة قدرها 20 جنيهاً في الأسبوع في مجال الائتمان الشامل [برنامج حكومي يقدم مساعدات نقدية إلى ذوي الدخل المحدود]، ما خفض المداخيل لملايين من أسوأ الناس حالاً.
جاء ذلك في حين بين تحليل منفصل كلف إجراءه السيد براون أن أسوأ العائلات حالاً سيقل دخلها بمبلغ يصل إلى 1600 جنيه إسترليني (نحو 1935 دولاراً) هذا العام، حتى بعد دفع الدعم الحكومي الحالي الذي يبلغ سقفه 1200 جنيه إسترليني (نحو 1451 دولاراً) لكل أسرة.
وتظهر أرقام رسمية فجوة متزايدة بين أعلى الناس دخلاً، بمن فيهم المصرفيون ووسطاء التأمين، الذين تمكنوا من الحصول بالمساومة على زيادات في الأجور تتغلب على التضخم، وبين الأفراد الأقل دخلاً الذين عانوا من تفوق الزيادات في الأسعار تفوقاً كبيراً على الزيادات في الأجور.
ويظهر تقرير منظمة العدالة الضريبية في المملكة المتحدة أن السيد سوناك قدم أيضاً خفضاً صافياً في الضرائب على الثروة بلغ 2.2 مليار جنيه (نحو 2.6 مليار دولار)، وذلك أساساً من خلال إعفاء من ضريبة الدمغة [ضريبة عقارية] بلغت قيمته خمسة مليارات جنيه، وواجهت الخطوة كثيراً من الانتقادات لأنها شكلت مساعدة لمالكي المنازل الأفضل حالاً في شكل رئيس، وساعدت الخطوة في تضخيم الفقاعة العقارية، فدفعت الأسعار إلى مستويات أبعد حتى من متناول مشتري المنازل للمرة الأولى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال توم بيترز، رئيس أنشطة المناصرة في منظمة العدالة الضريبية في المملكة المتحدة، إن السياسة كانت "رشوة مباشرة لمالكي المنازل".
ويحتل موضوعا الضرائب والإنفاق موقعاً مركزياً خلال التنافس المشوب بالتوتر أحياناً كثيرة الدائر حول قيادة حزب المحافظين بين السيدة تراس والسيد سوناك.
وتجادل السيدة تراس بأن التخفيضات الضريبية هي أفضل طريقة لحل مشكلات بريطانيا الاقتصادية، وتعهدت أن تبطل فوراً زيادة في المساهمات في التأمين الوطني أقرها السيد سوناك، وبعدم تطبيق زيادة مقررة في الضريبة على أرباح الشركات، على رغم إعلان شركات قفزات قياسية في العوائد هذا العام، وتحذيرات أصدرها خبراء اقتصاديون من أن الخطوة قد تعزز أكثر الزيادات المتفشية في تكلفة المعيشة.
ووضعت المرشحة الأوفر حظاً لتولي الزعامة خططاً لتمويل التخفيضات الضريبية من خلال مزيد من الاقتراض الحكومي، وهي خطط ندد بها السيد سوناك، فضلاً عن زعيم حزب العمال السير كير ستارمر الذي أطلق عليها وصف "الاقتصاديات الخيالية".
ومن ناحية أخرى، يسعى السيد سوناك إلى تقديم نفسه بوصفه وزيراً حصيفاً للمالية سوف "يصارح" الرأي العام في شأن الحاجة إلى فرض ضرائب أعلى.
والأسبوع الماضي كشف النقاب عن "خطة تتألف من ثلاثة أجزاء" لتخفيف التحديات الناجمة عن الفواتير المتزايدة، وتتألف الخطة من "دعم الناس الأكثر ضعفاً، ودعم المتقاعدين، وتوفير بعض الدعم إلى كل شخص"، وقال السيد سوناك في مقال نشرته "التايمز" إن خطته يمكن أن تتضمن دعماً في شكل مدفوعات تسدد أثناء الشتاء والطقس البارد، وإن الأسر كلها يمكن أن تتوقع وفراً قدره 200 جنيه تقريباً من خفض ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة.
ويشمل الشق الثاني من الخطة تحديد نطاق الدعم المطلوب وتوجيهه، في حين من المتوقع أن تخسر الأسر بسبب تكاليف الطاقة المتزايدة ما بين 400 و500 جنيه من مدخولها السنوي، تضاف إلى خسائرها المقدرة في مايو (أيار) حين أعلن السيد سوناك آخر رزمة دعم له.
ثالثاً، قال السيد سوناك إنه "سيقر برنامجاً يحدد الوفور الممكنة في مختلف أقسام الإدارة العامة" بهدف تسديد تكلفة برنامج الدعم الذي يرغب في تطبيقه، وقدرت "التايمز" التكلفة بحوالى 10 مليارات جنيه (نحو 12.09 مليار دولار).
وقال المدير التنفيذي بالوكالة لمنظمة العدالة الضريبية للمملكة المتحدة، بول هيبدين "تتعلق الضريبة بالخيارات السياسية، ويظهر تحليلنا أن بوريس جونسون وريشي سوناك قدما عشرات المليارات في مساعدات إلى الشركات".
وأضاف "إن الفكرة التي يطرحها بعض المرشحين إلى قيادة المحافظين حول ضرورة إبطال الزيادة على ضريبة الشركات المخطط لتطبيقها عام 2023 فكرة ضارة، لأن العاملين حالياً هم الوحيدون الذين يتحملون تكاليف التعافي من كوفيد".
واشتهر السيد سوناك بالإنفاق الكبير خلال توليه وزارة المالية بعد اقتراض أكثر من 300 مليار جنيه إسترليني (نحو 362 مليار دولار) لتسديد تكاليف الدعم أثناء انتشار الجائحة، وحظيت الإعفاءات الضريبية التي قدمها إلى الشركات بقدر أقل من الاهتمام، فقد قدم "حسم خارق" إلى الشركات إعفاء ضريبياً نسبته 120 في المئة في مجال الاستثمار الرأسمالي في المملكة المتحدة.
وجادل منتقدون بأن هذه السياسة التي كلفت الخزانة 17 مليار جنيه (نحو 20.5 مليار دولار)، دعمت استثمارات كانت الشركات الضخمة تخطط لها بالفعل منذ سنوات.
ولم تحفز تحفيزاً قوياً استثمار الشركات، الذي سجل نمواً بطيئاً منذ الاستفتاء على بريكست، كذلك لم تسفر عن نمو اقتصادي بارز، إذ تتجه المملكة المتحدة نحو ركود هذا العام، يدفعه إلى حد كبير ارتفاع هائل في أسعار الطاقة.
ومن بين الإعفاءات الضريبية الأخرى، خفض الضريبة على الرحلات الجوية المحلية في المملكة المتحدة، على رغم الوعود الحكومية بخفض صافي الانبعاثات الكربونية في المملكة المتحدة إلى الصفر.
كذلك أعلن السيد سوناك ضريبة على الأرباح غير المتوقعة لشركات النفط والغاز، لكنه في الوقت نفسه منح إعفاءات ضريبية إلى الاستثمار في مشاريع جديدة في مجال الوقود الأحفوري.
ومن بين السياسات الضريبية الأخرى المثيرة للجدال والمكلفة خفض ضريبة الوقود بخمسة بنسات، بعد سنتين من تجميده، وهذا كلف الخزانة 4.5 مليار جنيه، لكنه لم يخلف أثراً يذكر في مواجهة أسعار الوقود التي سجلت ارتفاعاً قياسياً.
وشرح توم بيترز رئيس أنشطة المناصرة في منظمة العدالة الضريبية بالمملكة المتحدة، الأمر قائلاً "يساعد خفض ضريبة الوقود على نحو غير متناسب الأسر الأكثر ثراء، المرجح أكثر من غيرها أن تمتلك سيارة وأن تقودها لمسافات أطول.
وأضاف "وقد يجادل المرء أيضاً بأنها تعزز التضخم، لأن الناس سيقودون سياراتهم أكثر مما كانوا ليفعلوا لو أن الضريبة لم تخفض".
© The Independent