أقر الرئيس قيس سعيد، الأربعاء الـ17 من أغسطس (آب) الحالي، الدستور الجديد للجمهورية التونسية، ليدخل هذا حيز النفاذ خلفاً لدستور 2014. واعتبر سعيد أنه بإقرار الدستور الجديد الذي تمت المصادقة على نتائجه النهائية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد النظر في الطعون قضائياً، أنه "تم تصحيح مسار الثورة والتاريخ في تونس"، وفق قوله.
يذكر أنه شارك في التصويت على مشروع الدستور أكثر من 2.8 مليون تونسي مسجلين في السجل الانتخابي، أي بنسبة 30 في المئة من إجمالي من لهم حق التصويت في الانتخابات.
وانتقد سعيد من وصفهم بـ"المشككين" الذين قال إنهم "حاولوا إفشال الاستفتاء على مشروع الدستور، بعد محاولة إفشال الاستشارة الإلكترونية، التي شارك فيها أكثر من نصف مليون تونسي.
تجربة تونس الدستورية
تعود التجربة الدستورية التونسية إلى أواسط القرن التاسع عشر، إذ كان أول دستور حديث للبلاد هو الميثاق الأساسي لعام 1857، ثم دستور عام 1861، الذي تم استبداله بعد الاستقلال بدستور 1959، والذي خضع لتعديلات عدة، قبل أن يتم تعليق العمل به عام 2011، إثر إطاحة نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ليصدر المجلس الوطني التأسيسي دستور 2014.
ولم يعمر دستور 2014 سوى سبع سنوات قبل أن يعلق الرئيس التونسي في 25 يوليو (تموز) 2021، جزءاً من أبوابه، وليدخل بعد ذلك دستور 2022 حيز النفاذ، في سياق سياسي مغاير، ووسط معارضة شديدة من قبل معارضي مسار قيس سعيد الجديد.
فمن أين يستمد الدستور الجديد لتونس مشروعيته؟ وهل سيعمر طويلاً؟
لكل مرحلة دستورها
الناشط السياسي ورئيس حزب "التحالف من أجل تونس" سرحان الناصري قال إن "الدستور الجديد يستمد شرعيته من الشعب التونسي، إذ صوت نحو ثلاثة ملايين من الجسم الانتخابي لصالحه، وهو لا يختلف على المجلس الوطني التأسيسي (2011-2014) الذي أنتج دستور 2014".
وأضاف الناصري أن "السياق السياسي اليوم في تونس يتطلب دستوراً كالذي تمت المصادقة عليه، وهو ليس مرتبطاً برئيس الجمهورية، بل بالوضع السياسي الذي تعيشه البلاد اليوم"، معتبراً أن "لكل مرحلة سياسية دستورها"، ولافتاً إلى أن "دستور 2014 كان يمثل مرحلة من (الإخوان المسلمين)، أما اليوم فتونس تحتاج إلى دستور يقطع مع تلك المرحلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد رئيس حزب "التحالف من أجل تونس" على أن "عملية الاستفتاء هي التي أضفت على الدستور الجديد كامل المشروعية"، مضيفاً أن "المشككين الذين اختاروا المقاطعة لم يكن لهم وزن انتخابي، لذلك لم يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، واختاروا المقاطعة".
وفي رد عن سؤال حول عدم صياغة ومناقشة الدستور في مؤسسة تشريعية، قال الناصري إن "اعتماد آلية الاستفتاء كان بناءً على ما ينص عليه دستور 2014، والدستور الجديد تمت صياغته من خلال الحوار الوطني، وأعمال اللجنة الاستشارية التي ضمت مختلف الأطياف السياسية، من الشخصيات الوطنية والأحزاب والمنظمات، باستثناء من أسهموا في تعفن الوضع السياسي بالبلاد، وتم الاستئناس بكل المقترحات التي تقدمت بها الجهات المشاركة في الحوار، وحزب "التحالف من أجل تونس" تقدم بمقترحات، وتم تضمينها في الدستور الجديد للجمهورية التونسية".
ويعتقد الناصري أن "الدستور الجديد هو دستور الجمهورية التونسية، وليس دستور قيس سعيد، وهو ينص على إمكانية التعديل، وتنقيح مضمون فصوله وفق ما تتطلبه كل مرحلة سياسية".
ديمقراطية جديدة تقطع مع التوافقات
من جهته، عبر أستاذ القانون العام رابح الخرايفي عن "عدم تخوفه من المسار الجديد في تونس". واعتبر الدستور الجديد "خطوة أولى لديمقراطية جديدة ستنشأ على أساس حكم ومعارضة، وتضع حداً للمتوافقات المغشوشة باسم الديمقراطية".
ويرى الخرايفي أن "صياغة الدستور الجديد كانت تونسية خالصة، لأن مسار 2011 كان مساراً مفتوحاً، أسهم فيه المجتمع المدني وأساتذة القانون من تونس ومن خارجها، وأدى هذا المسار إلى تعقيدات في إدارة الشأن العام بالدولة".
ويراهن أستاذ القانون على "ديمومة الدستور الجديد، الذي اعتبره توليفة بين مكتسبات دستور 2014 ودستور 1959، نظراً إلى ما يحظى به الرئيس قيس سعيد من دعم شعبي، لأنه قطع مع النخب السياسية الفاسدة في البلاد".
دستور رئيس الجمهورية
لا يخفى على المتابع للشأن العام في تونس حالة الانقسام بالمشهد السياسي، بين داعم لمسار رئيس قيس سعيد ورافض له، وهو ما أنتج حالة من عدم التجانس السياسي.
في هذا السياق، قال النائب السابق في البرلمان والكاتب الصحافي هشام الحاجي لـ"اندبندنت عربية"، إن هذا "الدستور على الرغم من عرضه على الاستفتاء وحصوله على المشروعية الشعبية هو في نهاية الأمر دستور قيس سعيد، ووقعت صياغته خارج أي مؤسسة تشريعية، وهي سابقة في تاريخ تونس، كما تبرأ منه رئيس اللجنة الاستشارية التي اختيرت للمساهمة في صياغته الصادق بالعيد".
وأضاف الحاجي أن "الدستور الجديد لا يحظى بمقبولية لدى جميع مكونات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، وهو دستور يعكس رؤية رئيس الجمهورية للنظام السياسي، ولشكل إدارة الشأن العام في تونس، وسيكون دستوراً لمرحلة قيس سعيد فقط".
واستغرب النائب السابق في البرلمان أن "تشهد تونس دستورين في أقل من عشر سنوات، وسط حال من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
وتساءل الحاجي عن أهمية "الحزام الداعم لرئيس الجمهورية وديمومته"، معتبراً أن الالتفاف حول قيس سعيد قد يضعف في حال لم تتحقق مطالب التونسيين في العيش الكريم".
استسهال صياغة الدساتير
من جهته، يعتقد أستاذ القانون الدستوري عبدالرزاق مختار أن لهذا الدستور "خاصية تميزه عن بقية دساتير تونس، وهو عرضه على الاستفتاء، لكن ظروف نشأته اتسمت بغياب النقاش المجتمعي وانعدام التوافق حوله".
وقال أستاذ القانون الدستوري، في تصريح خاص، إن "النص الدستوري الجديد قائم على فكرة المغالبة" ومنطق "الاستسهال في وضع الدساتير"، معتبراً أنها "خصوصية الأنظمة المضطربة، وهو ما يفقد النصوص القانونية قيمتها".
ولفت مختار إلى أن "قيمة مثل هذه الدساتير محكومة بالظرفية وبالشخصنة"، محذراً من أن "يفتح الدستور الجديد الباب على أزمات جديدة".
وخلص أستاذ القانون الدستوري إلى أن ديمومة الدستور الجديد رهينة ممارسة رئيس الجمهورية للسياسة القائمة على الحوار والمشاركة".