هل يمكن أن يكون رواد السينما هم الخطر الأكبر على مستقبل السينما؟ كلا، لم أفقد صوابي. اسمحوا لي أن أشرح.
حدث ذلك في أكثر أيام السنة حراً حين قررت مشاهدة فيلم "ويسترن سباغيتي" كلاسيكي للمخرج سيرجيو ليوني وعنوانه "ذات مرة في الغرب" (Once Upon a Time in the West). إن مشاهدة الأفلام القديمة في صالات العرض التي صنعت من أجلها تختزن متعة جمة. كانت الفرصة مغرية في ذلك اليوم بالذات، لأنها منحتني فرصة الجلوس في غرفة مكيفة فيما كانت درجة الحرارة بالخارج مرتفعة بدرجة كافية لتعادل وصف القرون الوسطى للجحيم.
"لا يوجد مراهقون، وهذا ما هو جيد في الأمر. فهم لا يأتون إلى هذه العروض السينمائية الكلاسيكية"، أعلنت المرأة التي أمامي بملء صوتها في ردهة السينما. "لقد شاهدنا أنا وزوجي هذا الفيلم 20 مرة. إنه فيلمه المفضل. ولا يوجد مراهقون!"
يا إلهي، قلت لنفسي عندما تابعت هي وشريكها الثرثرة المتمادية من دون توقف معرقلين عملية شرائي تذكرتي. لقد عثر عليّ الجحيم هنا. ربما يكون تحمل الحرارة بشجاعة محبذاً أكثر.
من دواعي ارتياحي الكبير (الموقت)، بدا وكأنهما تلاشيا، لكن كما تبين فقط حتى بداية عرض الفيلم. كان المشهد الافتتاحي المحوري للفيلم الذي يؤسس لموضوعه وصراعه وأجوائه، يعرض عندما خطا الزوجان بثقل وخشخشة، وهما يتحدثان بصوت عال، ثم يعبثان بهواتفهما المحمولة.
فكرت في نفسي أنه لو كان بإمكان [الممثل النجم] تشارلز برونسون فقط القفز من الشاشة بعد احتسائه مشروب "الديسبرادوس". فكرت لو كان هذا فيلمي المفضل على مر الزمان لكنت تحولت إلى تشارلز بنفسي. أفضل المكوث برفقة مراهقين هادئين على أن أكون مع هذين في أي وقت من الأوقات. بل سحقاً! أفضل المكوث داخل مسرح حافل بهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رأيت بضع مقالات تندب سلوك الجماهير في مرحلة ما بعد الجائحة أخيراً، وتسلط الضوء في الغالب على التغير نحو الأسوأ. ولكن لنكن صريحين هنا، نوع المضايقة التي تحملتها خلال عرض فيلم ليوني لم يكن بعيداً من صالات السينما في فترة ما قبل الجائحة. لكن يبدو أن الأمر أصبح أكثر إشكالية.
إنه تحطيم مروع لغبطة الأشخاص الذين بدأوا يعودون بشكل مؤقت إلى الشاشة الكبرى لأول مرة ليجدوا أنفسهم يستمعون إلى مكالمة شخص ما بدلاً من الفيلم، حيث تلتفت أعينهم إلى الضوء الأزرق المنبعث من الهاتف بدلاً من الحركة على الشاشة.
وهذا قبل أن تطرح مسألة الكلفة. فقد غيرت الجائحة قطاع الترفيه إلى حد كبير إذ تحطمت "نافذة التفرد الحصري" العزيزة على مشغلي السينما بينما ازداد عدد الأفلام التي لا تعرض في الصالات أبداً، مع تركيز مالكي الاستوديو على مشاريع البث عبر منصاتهم الرقمية بدلاً من ذلك.
سعت بعض مجمعات دور السينما إلى الاستجابة لتحدي إغواء الجماهير إلى خارج منازلهم من خلال الاستثمار في تعزيز التجربة السينمائية من ناحية جودة الشاشات والصوت والمقاعد، خصوصاً الأخيرة. مقاعد حديثة فاخرة تنحني مثل تلك الموجودة في درجة رجال الأعمال في الرحلات الجوية.
لن أنتقد أي شركة لاستثمارها في أعمالها. فشح الاستثمار هو أحد المشكلات الرئيسة التي تواجه اقتصادنا. لكن الاستثمار يتطلب عائداً وهذا ما جعل التذاكر باهظة الثمن. إنه ليس وضعاً مرضياً بالنسبة إلى الزبون الذي استثمر أمواله في التجربة المعززة لكي يراها تذوي بسبب زملائه من رواد السينما.
لست من تواقي الماضي بشكل عام. إن النظر إلى الوراء نحو العصور المنصرمة من خلال النظارات الملونة بالشوق والحنين هو أمر نحتاج إلى تجاوزه. فهو يسبب لهذا البلد مشكلات لا تنتهي. وساعد على توليد الفوضى المروعة المتمثلة في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كبداية.
لكن السلوك السيء في الأفلام يجعلني أتوق إلى أيام ضابط الصالة: ذلك الموظف الذي كان عادة يتمتع بنزعة هائلة من النظام الذي يجلس للإشراف على الجماهير ويضمن استمتاع معظمهم.
حقاً، يتساءل المرء عما إذا كان هذا هو الأمر المفقود اليوم في دور السينما الفاخرة. ولكن، بالطبع، ستكون هناك دائماً المجازفة بأن تؤدي مواجهة مع زبون بغيض إلى تقويض تجربة الاستمتاع بالفيلم أكثر فأكثر.
قال الناقد مارك كيرمود في بودكاست [بث رقمي مسجل] الخاص به على "بي بي سي" والمتوقف عن العمل الآن، إنه على استعداد لتحمل خشخشة الناس وجرجرة أرجلهم بعد فترة الإغلاق بسبب الجائحة والخروج منها. إن متعة العودة إلى مشاهدة الأفلام على الشاشة الكبيرة جعلت إزعاجات الآخرين تستحق العناء.
كنت في البداية أتفق مع هذا الطرح. ولكن بينما يمكنني أن أتحمل الفشار وخشخشة أغلفة الحلويات بين الفينة والأخرى، فإن الهواتف المحمولة والمكالمات غير محتملة، بخاصة بعد إنفاق مبلغ قادر على إحداث فجوة كبيرة [نقص كبير لة] داخل محفظتي. لقد بدأ الأمر يفتت من متعة التجربة. وبدأت بإثارة السؤال الذي لم أتخيل أنني سأطرحه على الإطلاق بصفتي عاشقاً للسينما: هل يستحق هذا كل هذا العناء؟
غالباً ما يكون الأمر كذلك. لكن الجماهير بحاجة فعلاً إلى تحسين تصرفاتها لأنه بخلاف ذلك لن تكون هناك جماهير بعد الآن. فستكون لإغراء المشاهدة في المنزل، حيث يمكن الاستمتاع بالمشاهدة بهدوء، الغلبة. وسيكون ذلك خسارة رهيبة.
لا تزال مشاهدة فيلم على شاشة عملاقة في غرفة مظلمة تجربة لا تضاهى. إنها واحدة من أعظم ملذات الحياة، إذا سمح لك زملاؤك من رواد السينما بمشاهدة الفيلم اللعين فعلاً.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 6 أغسطس 2022
© The Independent