باتت الخيارات محدودة أمام فريق الغواصة الهندية المكلف استخراج القارب الغارق قبالة شاطئ طرابلس شمال لبنان منذ ما يزيد على أربعة أشهر، فبعد أن تمكن الغواصون من العثور على المركب على عمق 459 متراً في البحر، وعلى بعد 130 متراً من موقع الغرق المفترض من قبل القوات البحرية في الجيش اللبناني، بدت هناك صعوبة في انتشال الجثث، إذ سبق وعثروا على جثة، وعند محاولة انتشالها تناثرت وتلاشت في البحر، فما كان منهم إلا العودة بقطعتي قماش هما ما تبقيا منها، لتعكس الواقعة حالة جثث الضحايا، ودقة المهمة.
وتواصلت أعمال البحث، ونفذ الفريق المتخصص غطسة ثانية، وأجرى دوراناً حول القارب إضافة إلى تصويره، ولاحظ 10 جثث ظاهرة، فيما ستحدد الغطسات المقبلة مصير نحو 22 راكباً ما زالوا في عداد المفقودين، ومن أجل إعلان النتائج الأولية، دعت قيادة القوات البحرية في الجيش اللبناني إلى مؤتمر صحافي للكشف عما توصلت إليه فرق البحث، وفريق الغواصة الهندية التي بدأت عملها الأربعاء 24 أغسطس (آب)، بتأخير يومين، بعد أن حالت الرياح وارتفاع الموج دون إمكانية نزولها، الإثنين 22 أغسطس.
صعوبة الوضع
ليست المرة الأولى التي يشارك سكوت ووترز كابتن الغواصة "الحوت السادس"، في مهام البحث في أعماق البحار، لكن اللحظة الراهنة تختلف عن سابقاتها، فهو ليس في معرض بحث علمي وإنما في قلب مهمة إنسانية شائكة، وقدم ووترز شرحاً لمهمته أمام الصحافيين في مرفأ طرابلس، أدرك حراجة المرحلة التي بلغها عمله، ودقة مصارحة المواطنين بالحقيقة، بدت عليه خلال الحديث عن الضحايا علامات التأثر وهو يتطرق إلى مهمة شاقة ومؤثرة على الصعيد الشخصي، إذ عثر مع أقرانه في الغطسة الأولى على جثة متحللة، ومن ثم تمكن الفريق من تصوير وجود نحو 10 جثث أخرى خلال الطواف حول القارب الغارق في العمق، في وقت ينتظر الغطسات الأخرى لجلاء مصير المتبقين.
ومن بين المشاهد المؤلمة التي رواها ووترز، قال إنه رأى داخل عنبر القارب "أماً احتضنت طفلها، وحاولت كسر الزجاج للخروج والهرب، لكن لم تفلح". لا يعتقد فريق البحث في فرص كبيرة لإخراج الغرقى من عمق البحر بسبب عملية التحلل التي أصابت الجثث المنتشرة حول القارب، ولكن قد تكون الجثث المحبوسة داخل العنبر الزجاجي في حالة أفضل بسبب تفاوت كمية التفاعلات البكتيرية.
القارب جزء من الأدلة
وتعتبر عملية استخراج ما أمكن من مفقودين على رأس اهتمامات الأهالي، وتوازيها في الأهمية ربما عملية انتشال القارب الغارق على عمق 459 متراً، والممتلئ بكميات كبيرة من التراب والأحمال مما يزيد من صعوبة استخراجه. وخضع القارب لعملية تصوير من نواح مختلفة، وسيتم تصويره بتقنية الفيديو خلال الغطسات المقبلة.
وكرر قائد القوات البحرية في الجيش اللبناني، العميد الركن البحري هيثم الضناوي، تأكيده أن قيادة الجيش ستقدم جميع الأدلة المتوافرة لديها إلى القضاء من أجل مساعدة التحقيق وجلاء الحقيقة، وأن المؤسسة العسكرية تتمسك بقيم الشفافية والخضوع لأحكام القانون، وأضاف أن عمليات الكشف أظهرت حتى الساعة أن القارب لم يتعرض لأي خدش أو صدم من قبل الطراد العسكري، وعن مصير الجثث الإضافية التي لم تظهر، أوضح ضناوي أن رقم الجثث المكتشفة أولي، وهو ما تمكنت الغواصة من رؤيته وتصويره، لكن مزيداً من البحث خلال الأيام المقبلة قد يظهر أعداداً إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في ما يتعلق بالمرحلة التي وصلتها التحقيقات القضائية وإمكانية انتشال القارب من دون العبث به، أجاب العميد الركن هيثم الضناوي أن الموضوع في يد القضاء، وهو غير مخول الإعلان عن مصير الملف القضائي، مؤكداً أن المؤسسة في حالة انتظار إتمام مهمة الخبراء في مجال الغوص والبحث من أجل تقديم اقتراحات من أجل انتشال القارب، مضيفاً "لن يُخفى شيء وسيعلن عن كل التفاصيل بكل شفافية".
من جهته، قال النائب أشرف ريفي إن أول ما طلب خلال الاجتماع مع قيادة الجيش هو تصوير القارب من جميع جوانبه، لأن المهمة لها شقان، شق إنساني من أجل تحديد مصير الجثث والقارب ومحاولة انتشالهم، أما الشق الآخر فهو قضائي، كاشفاً أن التحقيق بجزئه الأول "إدلاء بالإفادات" أنجز نهائياً، في وقت يبقى الكشف على الزورق لكشف صحة الروايات المتعارضة، وأنه "بعد التصوير الموضوعي الأولي المنجز في غياب عناصر الجيش أو ممثلي الأهالي، طلب تصوير تفصيلي إضافي من أجل إنجاز التحقيق الشفاف، وهو ما وعد به العماد جوزيف عون قائد الجيش اللبناني".
احترام الطقوس
ومع صعوبة استخراج الجثث التي عاين فريق الغواصة دقة حالتها، يبرز الحرص على انتشال ما أمكن منها بحسب ما تؤمنه الظروف المحيطة. وقال اللواء أشرف "نحن أمام واقعة غير مسبوقة، ولا بدّ من الوقوف على رأي المراجع الدينية قبل تحديد أي خطوة"، وعن إمكانية استخراج بعض الملابس أو المقتنيات والبقايا من أجل دفنها، أشار ريفي إلى أن "الناس يرتاحون عند دفن أبنائهم، أو ما تبقى منهم، من أجل زيارتهم وتلاوة الأدعية والصلوات لهم، لذا هناك سعي حثيث من أجل إراحة الأهالي وتضميد جراحهم".
وأكد المحامي محمد صبلوح وكيل أهالي الضحايا ضرورة تأمين صور واضحة للمركب وتأمين تصوير فيديو من أماكن قريبة كخطوة احتياطية في حال تعرض القارب لأي حادثة خلال عملية الانتشال المتوقعة، وطالب بالحفاظ على القارب وعدم تعرضه للعبث، ونقل الملف من أمام القضاء العسكري إلى القضاء العدلي، لعدم جواز محاكمة المدعى عليهم (العسكريين) أمام الجهة نفسها التي تربطها خصومة في الملف.
وأوضح صبلوح أنه في موازاة المسار القضائي المحلي اتجه فريق الادعاء نحو المسار الدولي، إذ تقدم بشكوى خاصة أمام الأمم المتحدة من أجل مطالبة لبنان بإجراء تحقيق شفاف، وأضاف أن الجهات الدولية راسلت فريق الادعاء، وطالبت بالحصول على موافقة الأهالي من أجل إعلان أسمائهم في الملف الموجه إلى مجلس حقوق الإنسان وتبليغ الحكومة اللبنانية بالأمر مباشرة، منوهاً إلى أن الهدف هو فرض حصول تحقيق جدي، لأنه "لم يبدأ التحقيق فعلياً إلا بعد تقدم فريق الادعاء بالشكوى القضائية أمام النيابة العامة التمييزية، ومن ثم إحالتها إلى مفوض الحكومة لبدء الإجراءات الجدية".