في وقت يبدأ فيه المحامون إضراباً شاملاً، حذرت مفوضة شؤون الضحايا في المملكة المتحدة من أن "الفوضى" التي تشهدها المحاكم قادت إلى منح الحرية للمجرمين.
فمن المتوقع أن يفاقم الإضراب الذي يبدأ يوم الثلاثاء، من تأجيل القضايا المتأخرة أصلاً وبصورة كبيرة، علماً أن هناك قضايا مجدولة في أواخر عام 2024، وأن يقود إلى توقف معظم جلسات المحاكم الجنائية في إنجلترا وويلز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحكومة كانت قد أبدت رفضها التفاوض مع نقابة المحامين الجنائيين (CBA) خلال شهرين من الإجراءات التصعيدية التي اتخذتها النقابة بشأن المبلغ الواجب دفعه للمحامين لقاء تمثيل الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل كلف محامي الدفاع.
وتشير أرقام وزارة العدل إلى أن الأضرار الناجمة عن كل أسبوع يضرب فيه المحامون الجنائيون تشمل توقف إجراءات نحو 1300 قضية من بينها 300 محاكمة.
هذا وقد حذرت مفوضة شؤون الضحايا في إنجلترا وويلز السيدة فيرا بيرد من أن "الفوضى" المتصاعدة تتسبب في إسقاط الضحايا لقضاياهم، مضيفة أن "التأخير عدو للعدالة ".
وقالت السيدة فيرا لـ"اندبندنت"، "ما من شك في أن نظام العدالة الجنائية في وضع خطر، إنه متصدع إلى حد كبير وإضراب المحامين أمر كان عليه ألا يحدث. على الحكومة أن تجد حلاً لهذا الأمر لتجنب تراكم من القضايا يضاف إلى التراكم الموجود".
المفوضة أشارت إلى أن مكتبها كان يتلقى تقارير تفيد بأن عدداً من الضحايا "لا يستطيعون تحمل" التأخير وحال عدم اليقين وبأنهم يتنازلون عن القضايا، وهذا ما تسبب بدوره في وقف الملاحقات القضائية.
وأضافت بيرد أن "الأمر لا يتعلق فقط بطول فترة الانتظار، ولكن أيضاً بما يتسبب به التأخير من فوضى ومن تراكم وتقادم في طبيعة القضايا وكذلك التمثيل القانوني والتسجيل. فالناس [مثلاً] تجلب إلى المحكمة وهم يتوقعون الذهاب إلى منصة الشهود في اليوم ذاته، إلا أنهم يعادون من حيث أتوا".
"فضحايا الاغتصاب أو العنف المنزلي أو العنف الخطير، هم أشخاص مصدومون وخائفون من مواجهة المعتدي، وسيكون من الطبيعي لأي أحد منهم أن يجافيه النوم لأسابيع من فرط قلقه بشأن الذهاب إلى محفل عام للحديث عما تعرض له. ولكن وبعد مكابدة وتحضير لمواجهة هذا الموقف، يطلب منه التنحي جانباً ويتم إعلامه بأن قضيته ستستغرق سنة أخرى على الأرجح "، تضيف السيدة فيرا.
واتهم وزير العدل دومينيك راب المحامين المضربين "بأخذ العدالة رهينة لقاء فدية" و"بإيذاء الضحايا" ومنعهم من نيل العدالة.
لكن في مقالة نشرتها "اندبندنت"، قالت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة أزمة الاغتصاب إن الجريمة "أزيلت من قائمة الجرائم" عملياً وإن هناك حاجة إلى تغيير منهجي. وأضافت جين بتلر: "لقد أعرب لي عدد من المحامين عن الوطأة الثقيلة التي يشعرون بها من جراء الإضراب الذي نفذوه، لكن المسؤولية عن هذه الكارثة التي ألمت بالعدالة لا تقع عليهم. هم يتخذون بشجاعة موقفاً للضغط من أجل التغيير ولضمان أن يكون لدى الضحايا، وكذلك المدعى عليهم، في المستقبل نظام عدالة سليم وفاعل ويؤدي الغرض المنشود".
بدورها قالت السيدة فيرا بيرد إن "حياة الناس متوقفة" وإن عدداً من الضحايا المصابين بصدمات نفسية لا يتلقون العناية اللازمة قبل المرافعة في المحاكم بسبب المخاوف من أن يستولي الدفاع على السجلات و "تستخدم ضدهم". وأضافت: "إنهم بحاجة إلى الانتهاء من هذه القضايا وبحاجة إلى العدالة ووضع نهاية للصدمة التي يعيشونها. كان هناك أشخاص يقولون، تأجلت قضيني للعام المقبل، لا يمكنني قضاء عيد ميلاد آخر وهذا الكابوس جاثم على صدري".
هناك ما يقرب من 60 ألف قضية معلقة أمام المحاكم الجنائية في إنجلترا وويلز، وبما يزيد على ربع هذا الرقم قضايا ينتظر بتها منذ أكثر من عام.
وتفاقم هذا الرقم بسبب إضراب المحامين وجائحة كورونا. لكن تقريراً لمكتب التدقيق الوطني وجد أنه تفاقم قبل ذلك لأن الحكومة حدت من عدد "أيام الجلسات" في المحاكم بهدف توفير المال.
وقالت السيدة فيرا إنه بسبب وجود قيود زمنية محددة لاحتجاز الأشخاص قبل المحاكمة، فإن القضايا التي يكون فيها المتهمون في السجن تحظى بالأولوية على القضايا التي يخلى فيها سبيل المتهمين بكفالة.
وحذرت من أن "هناك مشكلة كبيرة بشأن مسائل من قبيل العنف المنزلي والاغتصاب وهي أن المتهمين نادراً ما يكونون رهن الاحتجاز، لذلك فإن قابلية تأثر ضحاياهم تأتي في مرتبة أدنى من الالتزام القانوني بتقديم شخص ما إلى المحكمة بحلول نهاية المهلة الزمنية".
وتضيف: "نرى بعض الجرائم الخطيرة للغاية التي تستغرق محاكمات طويلة وقد طواها النسيان بين القضايا المتراكمة في حين أن بعض الجرائم الأقل خطورة التي تستغرق محاكمات قصيرة قد تعطى لها الأولوية".
حتى قبل إعلان نقابة المحامين المركزية عن تنفيذ الإضراب، توقعت وزارة العدل أن يزيد حجم العمل المتراكم بنسبة 17 إلى 27 في المئة على مستويات ما قبل الجائحة بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، كما يمكن أن يتجاوز هذه النسبة بفعل الزيادات المتوقعة في الكشف عن الجريمة بعد إضافة 20 ألف ضابط شرطة.
وسطياً، يستغرق الأمر عاماً وشهرين بين ارتكاب جريمة ما والانتهاء من القضية كلياً في المحكمة الجنائية، ومن المتوقع أن تزيد هذه المدة على ما هي عليه الآن.
وقالت السيدة فيرا إن الوضع "جزء لا يتجزأ من النقص الجسيم في تمويل نظام العدالة الجنائية الذي ظل مستمراً لفترة طويلة"، محذرة من تفاقم النقص في المحامين والقضاة الناجم عن ترك المحامين الجنائيين المهنة بسبب انخفاض الأجور وظروف العمل.
وأوضحت السيدة فيرا: "لقد تفاقمت القضايا المتأخرة بسبب تدني أتعاب المحامين إلى المستوى الذي دفعهم إلى التصرف على هذا النحو [القيام بالإضراب]، إنه أمر غير معتاد أبداً . أنا لا أقول بتاتاً إنهم يتصرفون بشكل غير مسؤول، لقد استغرق الأمر عامين ونصف لمراجعة [المساعدة القانونية]، ولم تكن لديهم زيادات في الأجور لأكثر من عقد من الزمن. لقد ضغطوا وشنوا الحملات وفعلوا كل شيء معقول وواقعي وأجبروا على هذا الموقف في نهاية المطاف".
وتضيف السيدة فيرا: "يتعين على الحكومة حل هذا الأمر الآن، أنا لا أوجه انتقادات على الإطلاق، لكن من الفظيع للضحايا أن تكون هناك تأخيرات هائلة ومن مسؤولية الحكومة منعها".
ويجري التشاور بشأن مشروع قانون للضحايا يهدف إلى تعزيز الحقوق وتحسين المعاملة عبر كامل نظام العدالة الجنائية، إلا أن السيدة فيرا حذرت من أن المشروع لا يتضمن "أي شيء من شأنه أن يساعد" في معالجة الحالة المزرية الناجمة عن تأخيرات المحاكم.
وذكرت وزارة العدل أنها سارعت إلى تطبيق القانون من أجل زيادة المعونة الجنائية بنسبة 15 في المئة التي ستطبق على القضايا الجديدة اعتباراً من 30 سبتمبر (أيلول) المقبل، وأن تطبيق الزيادة على القضايا الحالية "سيكلف مبلغاً لا يتناسب مع أموال دافعي الضرائب" وسيتطلب تغييرات في طريقة سداد الرسوم.
وأضاف متحدث باسم الوزارة: "تستثمر هذه الحكومة مبلغاً قياسياً قدره 46 مليون جنيه استرليني في تمويل دعم الضحايا على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة من خلال طرح قانون الضحايا لضمان حصولهم على الدعم الذي يستحقونه.
وأردف: "خفضنا تكدس القضايا الناجمة عن جائحة كورونا بنحو 2000 قضية قبل أن يبدأ الإضراب بتقويض هذا التقدم. يأتي هذا الإضراب على الرغم من زيادة الرسوم السخية التي نقدمها والتي ستجعل المحامي الجنائي النموذجي يحصل على زيادة تبلغ 7000 جنيه استرليني في السنة".
© The Independent