تتحول مشاريع القطارات فائقة السرعة في المغرب تدريجياً إلى واجهة لـ"صراع المصالح" بين فرنسا والصين، خصوصاً في سياق رغبة باريس في اقتناص فرصة إنجاز مشروع القطار السريع بين مدينتي مراكش وأغادير، مثل الخط الرابط بين الدار البيضاء وطنجة، بينما بكين تسعى إلى الحصول على هذه الصفقة بالاعتماد على تجربتها وخبرتها في هذا المجال.
وتراهن الصين على إنجاز العديد من خطوط القطارات فائقة السرعة، بخاصة الخط الذي يربط بين مدينتي مراكش وأغادير، حيث إن شركة صينية متخصصة كبرى أعدت دراسة لإنجاز هذا المشروع، وسلمته إلى المكتب الوطني للسكك الحديدية في المغرب، وهو المؤسسة العمومية المسؤولة على تشغيل وصيانة القطارات في البلاد.
ويرى مراقبون أن المغرب يحاول اللعب بورقة "القطارات فائقة السرعة" من أجل "الضغط" على الموقف الفرنسي الرسمي من قضية الصحراء، إذ إن الرباط ترى أن باريس لم تعلن موقفاً داعماً وواضحاً بخصوص السيادة المغربية على الصحراء، ولم تدعم بما يكفي موقف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، التي أعلنت في آخر ولايتها تأييدها مغربية الصحراء.
تجربة فرنسا وطموح الصين
وفي الوقت الذي لم تحسم فيه بعد السلطات المغربية الدولة أو الجهة التي ستتكلف بإنجاز مشروع قطار فائق السرعة الرابط بين مراكش وأغادير في جنوب البلاد، تتحين فرنسا الفرصة لاجتذاب الصفقة اعتماداً على تجربتها السابقة في إنجاز القطار بين الدار البيضاء وطنجة.
ويسمى قطار فائق السرعة بين الدار البيضاء وطنجة، الذي يمر عبر الرباط والقنيطرة، بـ"البراق"، ويعتبر أسرع قطار في القارة الأفريقية متجاوزاً قطار "غوترين" السريع في جنوب أفريقيا، وأحد أسرع القطارات في العالم بسرعة تتجاوز 320 كيلومتراً في الساعة، تم تدشينه بشكل رسمي في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 2018.
وكانت مجموعة "ألستوم" الفرنسية قد باعت المغرب قطارات فائقة السرعة لتربط بين الدار البيضاء وطنجة، واستقل حينها العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قطار "البراق" في الرحلة الافتتاحية لهذا القطار، الذي استغرق العمل عليه سبع سنوات كاملة.
من جهتها، ترغب الصين في الظفر بالصفقة، وهو الخط الحديدي الذي سبق للعاهل المغربي أن أعلن عنه في إحدى خطبه، حين قال إن هذا "الخط السككي الجديد سيسهم في فك العزلة عن مناطق جهة سوس، وفي النهوض بالتنمية، وتحريك الاقتصاد، لا سيما في مجال نقل الأشخاص والبضائع، ودعم التصدير والسياحة، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية".
وكشف السفير الصيني لدى المغرب، لي تشانغ لين، في تصريحات نقلها الإعلام المغربي، إن بكين تهتم بشكل جدي بإنجاز القطار فائق السرعة المتوقع إنجازه في الفترة المقبلة، معتبراً أن الصين تمتلك الكفاءات والخبرات اللازمة لإنجاز خطوط القطارات فائقة السرعة، غير أن القرار الأخير يبقى في يد السلطات المغربية.
لمن تميل الكفة؟
ويبدو أن هذه المسألة تشكل ميداناً جديداً للتنافس الودي وصراع المصالح بين الصين وفرنسا، فيما تتريث الرباط في قبول هذا الطرف أو ذاك وفق المتغيرات والمستجدات الدبلوماسية والجيوسياسية الإقليمية والدولية، لكن أيضاً بحسب التكلفة الاقتصادية والمادية للمشروع.
وهكذا فإن المغرب، من ناحية التكلفة الاقتصادية والمالية الذي سيكلفه مشروع القطار، يميل إلى التجربة الصينية في إنجاز مثل هذه المشاريع، بالنظر إلى انخفاض التكلفة مقارنة مع الجانب الفرنسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويورد استطلاع حديث نشرته شبكة بحثية بأن 36 في المئة من المغاربة عبروا عن رغبتهم في أن تكون العلاقات الاقتصادية مع الصين أقوى، وأن 64 في المئة من المغاربة قالوا، إنهم راضون أو راضون جداً عن الصين.
وأما بخصوص معيار العلاقات الثنائية، فإن الكفة تميل أيضاً إلى الصين، بالنظر إلى "الأزمة الصامتة" التي تشهدها العلاقات بين الرباط وباريس، لا سيما في عدم رضى المملكة على الموقف الفرنسي من القرار الأميركي بخصوص مغربية الصحراء، ولكن أيضاً بسبب أزمة التأشيرات التي اندلعت بين البلدين، بينما العلاقة بين الرباط وبكين تكتسب متانة مع الوقت.
من جهتها، تراهن فرنسا على تجربتها الكبيرة وأيضاً على العلاقات التاريخية التي تجمعها مع المغرب، فضلاً عن تشعب المصالح الاقتصادية والسياسية، لتظفر على الرغم من "التوتر البارد" بين الطرفين، بصفقة الخط فائق السرعة من جديد.
فرنسا "الأقرب"
ويقول في هذا الصدد الباحث في اقتصاد التنمية محمد مجدولين، إن الأفضل للمغرب أن يقبل بالعرض الفرنسي في تمديد القطار فائق السرعة عوض الصين، بالنظر إلى عوامل رئيسة عدة.
العامل الأول، وفق الباحث الاقتصادي، "يكمن في الخبرة الفرنسية الكبيرة التي لا تضاهي في أوروبا في مجال القطارات السريعة. والثاني يتمثل في الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وضمنها الشراكة في قطاع النقل والسكك الحديدية، لذا من الأفضل للمملكة أن تدعم مسار هذه الشراكة الناجحة عوض إدارة وجهها نحو التنين الصيني".
وزاد المتحدث ذاته بأن العامل الثالث الذي يرجح كفة فرنسا هو القوة التي يحظى بها "لوبي الشركات" الفرنسية داخل المغرب، إذ باستطاعتها أن ترجح الكفة لفائدة باريس في هذا الصراع أمام بكين، بينما العامل الرابع، كما يضيف المتكلم، يتجسد في أن فرنسا تعول على عنصر الكلفة المادية المنخفضة، فكلفة القطار فائق السرعة بين البيضاء وطنجة، الذي أشرفت عليه فرنسا، تعد من أقل الكلف في العالم بنحو 8 ملايين يورو للكيلومتر الواحد.
عقيدة التعاون الخارجي
وجواباً على سؤال بخصوص أسباب اهتمام الصين بموضوع إنشاء القطارات فائقة السرعة في المغرب، يرى ناصر بوشيبة، الخبير في العلاقات المغربية- الصينية ورئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية، أن "هذا الاهتمام يعزى إلى عقيدة التعاون الخارجي التي تنهجها بكين في تعاملها مع الدول السائرة في طريق النمو".
ويقول بوشيبة، إنه يمكن تلخيص هذه العقيدة كالتالي: "ستساعد الصين شركاءها في تحسين البنيات التحتية، وعلى رأسها الطرق والسكك الحديدية، وسيؤدي هذا إلى تحقيق تنمية محلية وتقوية الاقتصاد، وستتمكن الصين حينها من تحقيق مستوى تعاون أكبر".
ووفق المتحدث ذاته، تحتاج بكين كذلك إلى دول مستهلكة خارج حدود البلاد، من أجل أن تضمن موقعاً ريادياً بين مجموعة الدول المصنعة للقطارات فائقة السرعة، كما هو الحال بالنسبة لشركة هواتف محمولة في ما يخص قطاع الاتصالات.
وأما بخصوص مميزات العرض والخبرة الصينية في القطارات فائقة السرعة، أورد بوشيبة أنه من الناحية التقنية، يتميز القطار الفائق السرعة الصيني "النهضة" بسجل جيد، في ما يخص معيار السلامة، حيث نقلت القطارات الصينية 14.12 مليار راكب، وقطعت مسافة 9.28 مليار كيلومتر بأمان، وبلغ عدد وفيات الحوادث خلالها 0.015 لكل واحد مليار راكب.
واسترسل، "كما مكن الاستثمار الهائل للصين في التكنولوجيا الحديثة واعتماد تقنيات عسكرية جد متطورة في مجالات توفير الطاقة وحماية البيئة، وقدرة النقل الكبيرة، والتشغيل في جميع الأحوال الجوية، والراحة العالية من جعل قطارات (النهضة) الصينية الأكثر تطوراً في العالم".
أما من ناحية التمويل، فيردف بوشيبة: "تتميز الشراكة مع الصين بإجراءاتها البسيطة وغياب فرضها لشروط سياسية مسبقة، واعتمادها مبدأ المساواة في المفاوضات، وهو ما يجعلها شريكاً مثالياً لعديد من الدول السائرة في طريق النمو".