يتذكر السائق معط مسعود (30 سنة) الأيام التي قضاها في طابور طويل ممتد أمام محطة وقود الملعب الأولمبي في قلب العاصمة الموريتانية نواكشوط منتظراً دوره للتزود بالبنزين. مشهد سيظل محفوراً في ذاكرة السائق الذي يعتمد في عمله على تلك المادة الحيوية.
كان ذلك قبل أسابيع من الآن حين عادت أزمة توزيع الوقود على المحطات التجارية، للمرة الثانية في وقت وجيز، ما دفع الموريتانيين للتساؤل عن أسباب تكرار نفاد البنزين والمازوت من السوق الوطني.
أزمة "أداكس"
تعود جذور الأزمة إلى العام الماضي حين ألغت الحكومة عقدها مع شركة "أداكس" مزود البلاد الوحيد بالمحروقات، بعد أن تضررت مركبات عملاقة تستعملها شركة "أسنيم" شريان موريتانيا المعدني من نوع الوقود الذي تستورده لها الشركة، بحسب ما نشرت مصادر إعلامية محلية حينها، وما زاد من حجم المشكلة أن شركة "أسنيم" الموريتانية طالبت "أداكس" بتعويض بلغ 30 مليون دولار جراء الضرر الذي تسببت فيه الأخيرة.
وحين لم تستجب "أداكس" لمطالب الشركة الموريتانية ألغت وزارة الطاقة عقدها معها، وأعلنت عن طرح مناقصة دولية جديدة للبحث عن مزود بديل للمحروقات، لكن الظرفية لم تكن مناسبة، حيث كانت الحرب الروسية - الأوكرانية قد اندلعت لتوها، وخوفاً من فراغ في التزويد، أعادت الحكومة الموريتانية عقدها مع "أداكس" مع فارق في سعر العقد تخطى 120 مليون دولار.
جدل في البرلمان
لم يمر عقد الصفقة مع المزود القديم الجديد من دون جدل، حيث أثار نواب في البرلمان الموريتاني خلال جلسة لاستجواب وزير النفط والطاقة والمعادن ما سموها "تسهيلات مريبة" حصلت عليها شركة "أداكس" ضمن صفقة توريد المحروقات.
وتساءل رئيس الفريق البرلماني لحزب الإنصاف الحاكم النائب محمد الأمين أعمر عن خلفيات وجود تسهيلات حصرية قدمت للشركة اعتبرها مثيرة "للشك"، لم تقدم لها من قبل على الرغم من وجودها في البلاد منذ 2016.
وسرد ولد أعمر مسار تعامل الدولة مع شركة "أداكس"، متسائلاً، "هل هناك ضغط على الوزارة المعنية لتقدم تنازلات وتسهيلات غير مفهومة للشركة، فارتفع سعر توريدها للمحروقات، على الرغم من أن قدرتها على توفير المحروقات بسعر أقل لا تضاهيها قدرة أي شركة أخرى عاملة في المنطقة".
سيارات مكدسة في الطرقات
ويرى الفضيل المختار، وهو مسير محطة وقود في نواكشوط، أن "الجدل الدائر حول الصفقة لا يعني المواطن الموريتاني، فالحقيقة الماثلة للعيان أن محطات الوقود تعاني شحاً في الوصول إلى حاجاتها التجارية من الوقود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وربط السائق معط بين "مشكلة غياب التخزين الذي يسمح لموريتانيا أن تحتفظ بكميات كبيرة من المحروقات وبين الأزمة التي ضربت البلاد مرتين خلال السنة الجارية".
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة نواكشوط عبدالله آواه، إن "الحل الجذري لتذبذب العرض في مجال المحروقات، يتطلب النظر في سياسة استراتيجية تعتمد على بناء محطات تخزين عملاقة لتفادي تكرار الأزمات الحالية التي يشهدها مجال المحروقات في موريتانيا".
الوزارة ترد
سهام النقد التي وجهها الموريتانيون للوزارة المعنية بتزويد البلاد بالمحروقات، دفعت وزير النقط والطاقة والمعادن الموريتاني إلى تبرير ما حدث، إذ اعتبر أن ما اكتنف عقد التوريد واضطراب السوق في مجال المحروقات مرده "ظروف استثنائية دولية اختارت فيها الحكومة الموريتانية تأمين استيراد المحروقات بطريقة مستديمة ومضمونة، بدل الشراء بالتقسيط مع احتمال عدم توفر المادة أصلاً".
وأوضح الوزير أن "الخلل في توريد الطاقة للبلاد خلل بنيوي"، مضيفاً أنه "من المحتمل استمرار المشاهد اليومية لتكدس السيارات أمام محطات الوقود لفترة مقبلة حتى نتخطى الظرفية الحالية".
سوق السيارات تتأثر
ألقت مشكلة تذبذب العرض في مجال المحروقات بظلالها على مختلف نواحي الحياة اليومية للموريتانيين، حيث تأثر سعر السيارات التي تعمل بالبنزين في معارض نواكشوط للسيارات. ويرى عبداللطيف محمد، وهو تاجر سيارات، أن "أغلب زبائنه عرضوا سياراتهم للبيع وبأسعار دون القيمة الحقيقية مخافة تكرار سيناريوهات نفاد البنزين في المحطات".
وضجت منصات التواصل الاجتماعي في موريتانيا بعروض لبيع أنواع السيارات خلال موجة انقطاع البنزين، وانعكست الأزمة على أسعار النقل الحضري بين مدن الداخل التي تأثرت بنقص المعروض في محطات الوقود.
وتفادياً لتكرار الأزمة، يرى ولد آواه أنه "على الحكومة الموريتانية أن تنتهج سياسة استباقية، وباستطاعتها البحث عن بدائل دولية بسعر أقل إذا ما تحركت في ظرف زمني غير استثنائي، كما أن بإمكانها أن تبحث مع شركائها في الجوار المغاربي عن حل يبعدها عن إكراهات تقلبات السوق العالمية التي لا ترحم".
بينما قال الناشط في جمعيات حماية المستهلك أحمد سليمان إن "اعتماد سياسات جديدة تعتمد على الديناميكية واقتناص الفرص هي الكفيلة بإنقاذ البلاد من أزمات مشابهة لتلك التي شهدتها البلاد في الأسابيع الماضية في مجال المحروقات".