إن الترحيب الحار الذي حظي به الملك تشارلز في كل من اسكتلندا وإيرلندا الشمالية خلال جولته الأخيرة في المملكة المتحدة لا يستطيع أن يحجب حقيقة أنه سيواجه مهمة أكثر صعوبة من مهمة الملكة في الإبقاء على دولة الاتحاد متماسكة. فليس من المستحيل أن تتفكك خلال عهده.
لن يكون الأمر متعلقاً به [في حال حدوث أي تفكك]. فالتطورات السياسية في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) كانت قد وضعت سلطات والدته الراحلة تحت امتحان صعب للحفاظ على حالة الاتحاد كما هي. وإذا حكمت المحكمة العليا، كما هو متوقع، بعدم أهلية البرلمان الاسكتلندي للدعوة إلى استفتاء حول الاستقلال، فإن الحزب الوطني الاسكتلندي Scottish National Party سيجعل من الانتخابات العامة المقبلة بمثابة استفتاء شعبي على هذه القضية. لن تطوى هذا الصفحة حتى وإن قامت ليز تراس بتجاهل نيكولا ستورجين، كما جاء في وعدها الفج لناشطي حزب المحافظين خلال انتخابات زعامته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى إيرلندا الشمالية أيضاً، سيتوجب على تراس أن تتخلى عن الخطاب الذي استخدمته أثناء الحملة إذا ما أرادت التوصل إلى صفقة مع الاتحاد الأوروبي في شأن قواعد نقل البضائع إليها من بريطانيا العظمى في مرحلة ما بعد الـ"بريكست"، هذا لأن البديل لذلك سيكون نشوب حرب تجارية مؤذية مع الاتحاد الأوروبي وشلل مستمر في مؤسسات إيرلندا الشمالية المحلية المفوضة [القيام بدور المؤسسات المركزية في المجالات المعنية]، وهذا ما قد يؤدي إلى زيادة الدعم الشعبي لإقامة إيرلندا الموحدة.
إن وجود عاهل جديد يجعل الوقت مناسباً للتفكير بالطريقة الأنسب لاستمرار المملكة المتحدة على ما هي عليه، أو بشكل أكثر دقة، لعدم استمرارها. وفي الواقع، هناك مسودة تقرير حول التغيير الدستوري تجري مناقشتها حالياً في أوساط قيادية عليا في حزب العمال ومن المقرر أن تنشر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومن المقرر أن يقترح غوردون براون [رئيس الوزراء العمالي الأسبق]، الذي كان قد دعاه كير ستارمر [زعيم حزب العمال] إلى إجراء مراجعة للدستور، إعطاء بعض الصلاحيات الجديدة للمؤسسات المفوضة في اسكتلندا، لكنه سيشدد في الوقت نفسه على أن هذه التوصيات ليست الحل لمسألة الاستقلال. وستحدد لجنة براون الإجراءات الكفيلة بتوفير مكانة وطنية معززة لاسكتلندا ضمن المملكة المتحدة بحيث تعمل مؤسساتها بشكل أفضل، وتكون متعاونة بصورة أقوى مع البرلمان البريطاني من أجل إيصال صوتها بشكل أعلى في المملكة المتحدة وحول العالم.
كما ويحتوي اقتراح براون على إنشاء مجلس لوردات منتخب يضم ممثلين للدول الأربع التي تشكل المملكة المتحدة، لكن قد يتسبب إلغاء مجلس اللوردات [الحالي] غير المنتخب، وهو سياسة يتبناها حزب العمال سلفاً، مع أنه لم يتحدث عنها على الملأ، في حصول توتر مع الملك ويشكل اختباراً لكفاءاته في مجال التحديث. حتى إنه كان قد قيل إن الملكة كانت غير راضية عن قرار حكومة بلير بإخراج معظم أعضاء فئة الورثة من مجلس اللوردات، لا سيما أن الملكة قد انتمت إلى النادي الوراثي نفسه.
ويأمل بروان أن العرض لإجراء التغيير من شأنه أن يكون مغرياً بالنسبة إلى [المعتدلين الملقبين بـ] "وسط اسكتلندا"، وأولئك الذين لم يتخذوا قراراً بعد بخصوص الاستقلال، الذين تبلغ نسبتهم 40 في المئة من الناخبين الاسكتلنديين، وحتى بالنسبة إلى أولئك الذين يؤيدون الانفصال حالياً. ومع ذلك، فإن تقريره يشتمل على توصيات في شأن إنجلترا أكثر من تلك المتعلقة باسكتلندا، باعتبار أن "القضية الإنجليزية" هي الجزء الأهم في تسوية انتقال السلطة في المملكة المتحدة.
ويجادل رئيس الوزراء الأسبق بأن السبيل إلى إبقاء اسكتلندا ضمن دولة الاتحاد يكمن في "إصلاح" إنجلترا، محذراً من أن المملكة المتحدة التي تدار بشكل مركزي للغاية ستنزلق إلى مستويات متدنية أكثر فأكثر عن مصاف الدول العالمية إذا لم تكن لديها خطة لانتقال السلطة الاقتصادية والسياسية إلى البلدات الإنجليزية ومجموعات المجالس البلدية التي تتحد مع بعضها بعضاً. فعلى الرغم من عدم دعوته إلى إحداث طبقة جديدة من الحكومة أو المحافظين المنتخبين لكل المناطق، لكنه يعتقد أن من الضروري عدم التسامح مع الحجج التي تسوقها المجالس البلدية المحلية لتبرير امتناعها عن التعاون عن كثب مع المجالس المجاورة.
مقترحات بروان تنطوي أيضاً على سد الفجوة بين المناطق من خلال ضمان التوزيع العادل لأموال الحكومة المركزية عليها. وهو على حق، فالنظام الحالي لحصول المجالس البلدية على المال يسمح للمركز [الحكومة] بأن ينغمس في ممارسة سياسة استغلال المال الحكومي من أجل إرضاء الناخبين وكسب الأصوات كما رأينا في حملة حزب المحافظين من أجل "رفع المستوى" [سياسة دعا لها بوريس جونسون عام 2021 بهدف تحقيق المساواة في دعم المجالس البلدية من خلال رفع هذا الدعم].
يواجه كير ستارمر هنا معضلة بخصوص ما إذا كان سيعتمد خطة عمل بروان بكاملها. وقد تم إرجاء موعد نشر الخطة الذي كان مقرراً في الأول من سبتمبر (أيلول)، على أمل أن يتمكن الزعيم العمالي من اعتمادها، بيد أن بعض مستشاريه يعتقدون أن الحديث عن قضايا دستورية محضة في خضم أزمة اقتصادية لن يجلب كثيراً من أصوات الناخبين.
غير أن هناك أسباباً قوية يجب أن تقود ستارمر إلى تبني خطة بروان. فحزب العمال يفتقر حتى الآن إلى استراتيجية مقنعة من أجل تحقيق نمو اقتصادي في الوقت الذي جعلت فيه تراس العودة إلى [تحقيق] نمو بنسبة 2.5 في المئة هدفها الاقتصادي الرئيس.
والغريب أن تراس جعلت نفسها عرضة للهجوم من خلال إسقاطها، كما يظهر، شعار بوريس جونسون حول رفع المستوى، من حسابها. بطبيعة الحال، إنها تود أن تقوم بالأشياء بطرق مختلفة [عن جونسون]، إلا أن هناك خطراً من أنها قد ترسل إشارة خاطئة إلى أعضاء دوائر "الجدار الأحمر" الانتخابية، التي أغواها جونسون [بالتصويت له] في 2019، وتعطي الانطباع أنها مهتمة أكثر في شأن دوائر "الجدار الأزرق" الانتخابية المؤيدة للمحافظين بشكل تقليدي في الجنوب. ويشعر بعض نواب الشمال من المحافظين سراً بالقلق من أن تراس لن تقدم [للشمال] الالتزام السياسي أو المالي نفسيهما اللذين تعهدهما جونسون للقيام برفع المستوى.
إن التزامها باتباع سياسات تاتشر الاقتصادية التي يستفيد الفقراء على أساسها تدريجياً كنتيجة لزيادة ثروات الأغنياء والشركات، وبخفض الضرائب التي ستوفر القدر الأكبر من المكاسب لمن هم أفضل حالاً، لن يؤديا إلى ردم الهوة بين لندن وغيرها من المناطق الأكثر فقراً. بالتالي، ستوفر خطة براون لحزب العمال بعض الذخيرة الانتخابية المفيدة. وينبغي على ستارمر أن يقدم للبلاد [مشروعاً لجعل الأمور] أفضل بقليل مما هي عليه في الوقت الراهن وأن [يتصرف بشكل] يرقى إلى مستوى ترويجه لتقرير بروان باعتباره "المشروع الأكثر جرأة الذي شرع فيه حزب العمال منذ جيل كامل".
© The Independent