استعادت القوات الأوكرانية هذه البلدة بسهولة مفاجئة خلال تقدمها السريع بشكل مدهش، فيما لم يقاوم العدو إلا قليلاً، لكن مع التحرير، أخذت تتوارد حكايات عمليات القتل والتعذيب، وتلك علامة فارقة كئيبة للاحتلال الروسي في أجزاء عدة من أوكرانيا.
شكلت "بالاكليا" الهدف الأول الذي استعيد من قبل القوات الأوكرانية في هجومها المضاد الكاسح بالقرب من إقليم خاركيف، الذي أحدثت فيه خرقاً للخطوط الروسية.
وأدى الرئيس فولوديمير زيلينسكي زيارة بلدة "إيزيوم"، التي كانت المعقل العسكري الروسي الرئيس في المنطقة، وكذلك كانت بمثابة المكافأة الأساسية للأوكرانيين خلال المرحلة الحالية من العمليات.
وصرح زيلينسكي بأن "المنظر صادم جداً. بيد أنه ليس صادماً بالنسبة إلى لأننا بدأنا نرى المشاهد نفسها [التي رأيناها سابقاً في] "بوتشا" [حيث رصدت كييف مقبرة جماعية]، وفي الأراضي التي تحررت من الاحتلال قبل غيرها".
لم تعان "بالاكليا" مثل "بوتشا"، البلدة التي تقع خارج كييف وقد صارت مثلاً على الفظائع الروسية، بيد أن هناك روايات عن حصول عمليات إعدام وضرب ونهب واعتقالات تعسفية. ووصل محققون أوكرانيون للبحث عن أدلة على ارتكاب جرائم حرب، وكذلك من أجل تعقب متعاونين مزعومين مع الاحتلال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعثر على خمس جثث لأشخاص مقتولين. وتعرض اثنان منهم للقتل رمياً بالرصاص عند نقطة التفتيش قبل ثلاثة أيام من وصول القوات الأوكرانية. ودفن السكان الجثث التي كانت ملقاة على جانب الطريق. وفي وقت لاحق، استخرج رفات تلك الجثث وأخذت إلى مدينة خاركيف، عاصمة ذلك الإقليم.
[وإبان الاحتلال الروسي] احتجز مدنيون يتراوح عددهم بين 40 و300 شخص في مركز الشرطة المحلية في أوقات مختلفة، ومكث بعضهم هناك على مدى أسابيع متواصلة. واستعملت ست زنازين احتجاز صغيرة ذات إضاءة خافتة، من أجل الاستجواب. وذكر المحققون الأوكرانيون أن الاستجواب شمل روايات عدة عن التعذيب. وأشار أحدهم إلى وجود بقع داكنة على الجدار.
كان نيكولاي بين أولئك الذين جرجروا إلى مركز الشرطة بعد أن اتهموا بمساعدة القوات الأوكرانية في السر.
وبحسب ابن الثانية والأربعين عاماً، فقد "جاؤوا بادئ الأمر إلى بيتي من أجل البحث عن جار لي زعموا إنه جاسوس. وأخبرتهم أنه غادر مع عائلته منذ وقت طويل، وكانت تلك هي الحقيقة". وتابع، "إلا أنهم عادوا مرة أخرى في اليوم التالي، وقالوا إنني كنت [أدبر] مؤامرة مع جاري وأخذوني إلى مركز الشرطة".
وزاد نيكولاي، "بقيت أقول لهم إنهم كانوا مخطئين. وفي البداية، جاءت الصفعات، ثم جاء شاب وبدأ الضرب الحقيقي. وجهوا إلى لكمات في الوجه، ثم سحبوني من الكرسي الذي كنت أجلس عليه وأخذوا يسددون اللكمات إلى في البطن. واستمر الوضع على هذا الحال لوقت طويل. وراحوا يعرضون علي صور أشخاص لم أكن أعرفهم. وفي نهاية المطاف أعادوني إلى الزنزانة مع الآخرين. وبدأت أتبول دماً كلما ذهبت إلى المرحاض".
وأضاف، "تعرضت إلى جلسة أخرى من الضرب في اليوم التالي، لكن يجب أن يكونوا قد أدركوا أنه ليس هناك شيء لدي يمكنني أن أخبرهم به، ثم أفرج عني بعد أربعة أيام، وذهبت إلى المستشفى المحلي من أجل تلقي العلاج من الإصابات التي تعرضت لها. ووجدوا أن أحد أضلاعي مكسور".
ولم يشأ نيكولاي أن يذكر اسم عائلته [خوفاً من العواقب] "في حال رجع الراشيستس [العسكريون الروس] مرة أخرى". وأضاف، "أشعر بسرور بالغ لأننا عدنا إلى [السيادة] الأوكرانية من جديد، وأنا واثق من أن جنودنا يبلون بلاء حسناً إلى حد بعيد، وأنهم سيمضون في استعادة أرضنا".
كذلك ذكر سيرهي بولفينوف، رئيس دائرة التحقيقات في خاركيف، "إننا نجري تحقيقاً في شأن عدد من الحالات بمن في ذلك الشخصان اللذان قتلا في [نقطة التفتيش]. لقد اكتشفنا ثقوب طلقات رصاص في جسديهما. ستتواصل التحقيقات، ونعتقد أننا سنجد حالات أخرى، لسوء الحظ".
واستطراداً، يزعم مسؤولون أوكرانيون أن شبكة من المتعاونين قد ساعدت الروس، وتعهدوا بتعقبهم. وأوضح مسؤول في جهاز الاستخبارات الأوكرانية (أس ب يو) أن "هذا نمط رأيناه منذ الغزو. كان لديهم أشخاص موجودون في الأمكنة [ذات العلاقة] قبل أن يأتوا إلى هنا. وبعض المتعاونين يجب أن يكونوا قد هربوا مع الروس، بيد أن آخرين لا يزالون هنا".
وفي سياق متصل، ذكر يوري هوساك، 51 عاماً، الذي يعيش في هذه البلدة منذ 38 عاماً، إن "لدينا نحو 27 ألف شخص يعيشون هنا. والغرباء يلفتون النظر، لذا لا بد أن العملاء كانوا من سكان البلدة. لقد سمعت أنه كان هناك متعاونون [مع الروس] هنا، بيد أنهم لا يمكن أن يكونوا باقين يتسكعون بيننا، لقد ذهبوا. وعلى أي حال، فإنهم لم يستطيعوا أن يساعدوا الروس على الاحتفاظ بهذا المكان في نهاية الأمر".
واستكمالاً، فإن الذكريات التي ستبقى لدى عديدين في "بالاكليا" عن الروس ستكون عن جيش معنوياته منهارة ويفتقر إلى التنظيم، يختفي في النهاية في تراجع فوضوي تاركاً أسلحته وراءه. وقد بقيت الدبابات والعربات المدرعة التي حولتها النيران الأوكرانية إلى هياكل ملتوية، ملقية على قارعة المعابر داخل البلدة وخارجها.
ووفق سفيتلانا فولكوفا "في النهاية، كان الروس يختبئون في مكاتب، وفي بيوت الناس، وفي الحدائق. لم يكونوا يقاتلون، بل كانوا يحاولون أن يهربوا [وينجوا بحياتهم]. كانوا يركضون بين الصواريخ والمدافع التي كان جانبنا يطلقها". وأضافت، "توجب على إحدى المجموعات أن تعود بعد تفجير أحد الجسور التي كانوا يريدون استعمالها. وحدث كثير من الفوضى".
رأت فولكوفا، 73 عاماً، أن كثيراً من الجنود الروس كانوا يافعين للغاية. وذكرت أنهم "كانوا يعيشون في ثكناتهم، غير أنني تحدثت إلى عدد قليل منهم حينما جاؤوا إلى المركز. كان بعضهم يافعاً تماماً. وقد اعتدت أن أقول لهم "ماذا تفعلون هنا؟ يجب أن تكونوا في البيت مع عائلاتكم!". أوضح، "قليلون منهم إنهم تمنوا لو أنهم كانوا كذلك. لقد صدرت الأوامر إليهم بالمجيء".
وتابعت فولكوفا، "أنا جدة، وبعضهم بدا وكأنه في عمر أحفادي. لم أرغب في رؤيتهم يموتون. وأنا لا ألومهم، بل ألوم بوتين على إرسالهم إلى هنا، ما هي الغاية من القضاء على شباب بلادك؟".
© The Independent