من المدهش أن يظن الشعب الأميركي بأن البريطانيين يأخذون خبر رحيل الملكة على محمل شخصي. يوم أعلن عن وفاة الملكة إليزابيث الثانية تلقينا زوجي وأنا عدداً هائلاً من الرسائل من أصدقائنا الأميركيين.
"كيف حالكم بعد النبأ الحزين؟" إنه السؤال الذي طرحه علي أحد الأصدقاء (ممازحاً بعض الشيء) خلال لقائنا على طاولة فطور متأخر بعد يومين من إعلان الوفاة. وتطلب الأمر مني بعض الوقت قبل أن أفقه ما كان يقصد بكلامه، فقد استعدت بسرعة شريط الأحداث المتعلق بأفراد عائلتي وأصدقائي، وعلى حد علمي لم يمت أي منهم في حادثة أخيراً، قبل أن أستنتج أنه كان يقصد وفاة الملكة. بعد ذلك، أتت أسئلة سريعة ودسمة عن كلاب الملكة من فصيلة "كورغي". هل سيتم التخلص منها وإعدامها؟ (الجواب هو لا). هل قالت الملكة الراحلة بالفعل إنها لا تريد أن تموت قبلها؟ (الجواب هو نعم، ولكنه جاء في سياق إعرابها عن مدى حبها لكلابها [فلا تريد الموت قبلها وتركها] أكثر من قصدها القول "لأنني أود أن أقتل الكلاب، وأن يتم تحنيطها ووضعها في القبر إلى جانبي كرفاق لي في الحياة الآخرة"). هل سينتهي الأمر بكلاب الملكة في عناية أحد أفراد العائلة الملكية الذي يثار حوله الجدل الأكبر على المستوى العالمي وأحد أبنائها المفضلين بحسب ما يقال، أي الأمير أندرو؟ (الجواب هو نعم وفق ما أعلن في وقت لاحق).
يكن كثير من الأميركيين محبة خاصة للعائلة الملكية البريطانية، أو في الأقل للملكة إليزابيث. هم يعرفون كثيراً عن الأميرة الراحلة ديانا، كما هم على معرفة بأحوال [الأمير] هاري وزوجته ميغان وطفليهما أرشي وليليبيت. الأمر ليس بالوضوح نفسه بالنسبة إلى كايت وويليام وحتى تشارلز، لأن الصحافة الشعبية لم تنشر أخبارهم وتفاصيل تحركاتهم منذ تسعينيات القرن الماضي (فمن يمكنه أن ينسى الحديث عن "وايتي كايتي"، في إشارة إلى انتظارها فترة طويلة قبل أن يقوم الأمير ويليام بطلب يدها للزواج).
لكن المناقشات حول العائلة الملكية البريطانية نادراً ما تتم من دون ربطها بملحق عن حقبة الاستعمار (وهو برأيي أمر محق). قناة "سي أن أن" نشرت مقالاً عن آراء الهنود في العائلة الملكية البريطانية ومطالبة دلهي باستعادة جوهرة "كوه أي نور"، كما نشرت أيضاً مقالاً آخر عن إرث الملكة إليزابيث الاستعماري المعقد في أفريقيا. وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" أنه حان الوقت كي "نتذكر الألم الذي خلفته حقبة الاستعمار البريطانية". أما "نيويورك تايمز" فناقشت من جانبها إذا ما كانت مستعمرات بريطانيا السابقة كلها ربما، تود قطع علاقاتها الخاصة القائمة حالياً مع المملكة المتحدة. وفي مقال رأي نشرته "هيئة الإذاعة الوطنية الأميركية"، عن العائلة الملكية وخلفيتها الاستعمارية ووضعت عنواناً صريحاً للمقال مفاده، "ليس الجميع حزيناً على وفاة الملكة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه الأحاديث لا ينظر إليها على أنها تقلل من احترام الملكة أو أنها تنم عن ذوق سيئ، لكنني أعتقد ومن خلال ما يقوله أصدقائي البريطانيين أن الأمر ينظر إليه أيضاً ربما من الزاوية نفسها داخل المملكة المتحدة حالياً، لكن في الولايات المتحدة، وعلى رغم كل قصورها فهي دولة تهتم كثيراً بحرية التعبير ــ وفي الوقت الذي تم تعليق لافتة عملاقة تظهر وجه الملكة وتخلد ذكراها في ساحة تايمز سكوير في وسط نيويورك، إلا أنه حقيقي أيضاً أن الناس في الولايات المتحدة يتعاطون مع قضية الملكة وعائلتها من خلال حشريتهم وليس من خلال تقديسهم لها. إحدى الأساتذة في كلية كارنيغي تمت مهاجمتها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن غردت عبر "تويتر" قائلة إنها تتمنى أن تختبر الملكة آلام الموت ــ ومن بين من هاجموها كان وبشكل مفاجئ جيف بيزوس، مالك مؤسسة أمازون ــ وعلى رغم أن الأميركيين مهذبون ويتصرفون باحترام عندما يتعلق الأمر بالموت، فلا يتردد كثيرون منهم عن التعبير عن آرائهم المعارضة للملكية. هذه البلاد [أي الولايات المتحدة الأميركية] في النهاية هي من رمى الشاي في مياه البحر على رغم كل شيء.
خلال منافسات بطولة أوروبا لكرة القدم الأخيرة اجتمع عدد من أصدقائي الأميركيين والبريطانيين لحضور مباراة شارك فيها الفريق الإنجليزي في إحدى حانات منطقة بروكلين التي كانت تبث المباراة في فنائها الخارجي. ولدى بدء عزف النشيد الوطني [الملكي] قام أحد أصدقائي بالوقوف ووضع يده على قلبه [احتراماً للنشيد]. وهذا يعتبر تصرفاً عادياً في الولايات المتحدة الأميركية، حيث إن النشيد الوطني يتم عزفه قبل كل مناسبة ويقف الجميع احتراماً، ويشاركون بحماسة في إنشاده، لذلك لم يستغرب أصدقاؤنا الأميركيون مثل هذا التصرف من الرجل الإنجليزي الذي فعل ما يفعلونه عادة. على رغم أنني واثقة من أن كثيرين من البريطانيين قد يظهرون بعض الانزعاج إزاء تصرف كهذا.
وعندما انتهى عزف النشيد الوطني الإنجليزي وجلس صديقي عبر الأميركيون من حولي عن صدمتهم لأنني لم أشارك في الوقوف وغناء النشيد. وتساءلوا لماذا لم أقف احتراماً لعزف النشيد الوطني؟ فبالنسبة إليهم أليس هذا أقل ما يمكن توقعه من مواطنة بريطانية؟
قلت لهم إنني كنت لأقف احتراماً لنشيد وطني يتحدث بحب عن وطني وأبنائه المواطنين، لكنني من المؤيدين (الصغار كثيراً) للجمهورية، وإنني لا أشعر بالراحة في الطلب من رب أنا لا أومن به أن يحمي ملكة أنا لا أواليها، والأكثر من ذلك أنني قد لا أود أن أتمنى لها أن "يدوم حكمها لنا لزمن طويل". فأنا ليست لدي مشكلة شخصية مع الملكة، التي تبدو بالنسبة إلي أنها حملت مسؤولياتها بجدية كبيرة وتحملت كثيراً من الصعوبات نتيجة بقائها في الأضواء الأكثر صعوبة، لكن فكرة أن نقوم باختصار البلد كله في أغنية تتضمن كلمات متملقة نتعهد من خلالها بوهب أنفسنا إلى الطبقة الأرستوقراطية يثير في نفسي مشاعر سلبية للغاية. الأميركيون الذين كانوا برفقتنا كانوا يجهلون كلمات النشيد الوطني الإنجليزي، وعندما شرحت ما تتضمنه كلماته أظهروا شيئاً من الاستغراب ثم ضحكوا.
باعتقادي أنه وفيما كانت الملكة المحبوبة للغاية رئيسة للدولة رأى الناس في غناء مثل هذا النشيد أمراً يمكن تقبله بصعوبة أقل، لكن في المرة المقبلة التي سيطلب فيها من الناس الوقوف وأن يطلبوا من الرب أن يحمي وأن يحفظ عهد الملك تشارلز الثالث "كوصي علينا"، أتمنى أن يفكروا أكثر في ما سيقولون. فهناك طرق أفضل للاحتفال ببلدنا وكل أبنائه ــ بطرق تشعر البريطانيين بإمكانية إظهار تقدميتهم وتعدديتهم التي تشبهنا، بدلاً من الطرق التي تجعلنا نبدو كأضحوكة متى ما تطلب الوضع أن نقوم بشرح كلمات نشيدنا الوطني في الخارج.
© The Independent