يرسم الشاب الجزائري فاتح، وهو حلاق رجالي، الابتسامة على وجوه فئة محرومة تتخذ من الشارع مأوى لها، إذ يقوم بإحداث تغييرات على أشكالهم الخارجية بداية من حلق شعورهم ومنحهم ملابس جديدة تجعل منهم أشخاصاً في غاية النظافة والأناقة.
ويوثق هذا الشاب المبادرة من خلال فيديوهات تظهر مراحل الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، يتم تداولها على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي، والتي تلقى تفاعلاً واستحساناً من طرف المواطنين، خصوصاً أنها تمس شريحة معدومة من المجتمع وهي فئة المشردين الذين لا يجدون إلا الشارع ملجأ لهم بعد أن قذفتهم ظروف الحياة إليه.
ومن مقاطع الفيديوهات المتداولة أيضاً يظهر شباب ينظفون رجلاً مسناً متشرداً ويغسلون جسده بالماء وينظفونه، ويقصون شعره ويستبدلون بملابسه القديمة أخرى جديدة، لتعود إلى الرجل ابتسامته من جديد في موقف لاقى استحسان كثيرين.
تحرك المجتمع المدني
وفي السنوات الثلاث الأخيرة بدأ المجتمع المدني الجزائري التحرك والخروج من حالة الركود نحو مبادرات شبابية منظمة على شكل جمعيات خيرية أو فردية في مجالات عدة، تشمل تنظيف المحيط ومساعدة الآخرين في تجاوز آلامهم ومعاناتهم، أو من خلال توزيع إعانات على الأسر والعائلات المعوزة خصوصاً في المناسبات الدينية أو حتى بالتزامن مع الدخول الاجتماعي والمدرسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المدرس عمار داودي إن الجزائر بحاجة إلى مثل هذا النوع من التضامن والتكافل الاجتماعي مع هذه الفئة التي ارتفعت نسبتها في الآونة الأخيرة، وقد يسهم فتح المجال لإنشاء الجمعيات الخيرية في تعزيز هذا الشكل من التآزر مع الذين تشردوا عن منازلهم وأهاليهم، هناك العشرات من المشردين في الجزائر يحتاجون إلى دعم الدولة والمواطن.
أثر موقت
وعن المبادرة تقول المتخصصة الاجتماعية إيمان أوكال إنها جيدة وأثرها عميق في نفسية هؤلاء الأفراد الذين يعيشون في وضعية مزرية على أرصفة الشوارع، لكن على رغم إيجابياتها تبقى محدودة الأبعاد موقتة الأثر.
وتضيف "حبذا لو تمس مبادرات كهذه جذور مشكلة هذه الفئة بالتنسيق مع مختلف المنظمات الخيرية، لانتشالهم من الشوارع ومحاولة دمجهم في الحياة الاجتماعية مرة أخرى، بالتعاون مع اختصاصيين نفسانيين واجتماعيين متطوعين".
ولأن "لا أحد يختار حياة التشرد" تعتبر إيمان أن هؤلاء يحتاجون إلى تغيير داخلي يجعلهم يؤمنون بأنفسهم ويسترجعون الأمل في عيش حياة كريمة، كأبسط حق من حقوقهم.
ويعتبر التشرد من الملفات والقضايا الاجتماعية التي تحاول السلطات إيجاد حل لها، في ظل تزايد أعداد الأشخاص من دون مأوى الذين تعج بهم الشوارع الذين تختلف قصصهم، في غياب التكافل العائلي والسند الاجتماعي، فيخرجون بحثاً عن الأركان الدافئة التي تجعلهم في مأمن.
محاولات للإيواء والتكفل
وتتكفل مديريات النشاط الاجتماعي في الجزائر بتجميع المشردين الذين يفترشون الأرض بالشوارع وتحت الجسور وتوزيعهم على مراكز للإيواء، والقصر هم الفئات التي تلقى الاهتمام الأكبر من قبل المشرفين على مراكز الإيواء، ويوجهون غالباً إلى متخصصين نفسانيين.
لكن عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص يرفض البقاء في مراكز الإيواء ويفضل العودة للشارع بحسب شهادات بعضهم، مما يعقد من عملية تكفلهم، ويضفي على هذا الملف طابع التعقيد والمشكلات غير القابلة للحل.
وتشير المعلومات المتوفرة إلى أنه تنظم أكثر من 1500 دورية سنوياً بهدف إيواء المشردين في مراكز خصصت لهم، وتتألف كل دورية من 12 فرداً تابعين لوزارة التضامن والأسرة وقضايا المرأة، وهي كلها عمليات يتم تأطيرها بالتنسيق مع مصالح الحماية المدنية (الدفاع المدني)، والأجهزة الأمنية وأطقم طبية تتكفل بالمتابعة الصحية للأشخاص من دون مأوى.
كما تنخرط عشرات الجمعيات الخيرية الجزائرية في ولايات مختلفة خصوصاً في فصل الشتاء لتأمين المساندة للمشردين من طريق توفير الطعام والملبس والأغطية، بهدف تشجيعهم على الانخراط من جديد في المجتمع وقبول الذهاب إلى مراكز الإيواء.