بات على زائري مدينة عدن أن يبحثوا عن وجهة أخرى غير سواحلها، لقضاء إجازاتهم وبعض الوقت مع أطفالهم، إذ تعج الشواطئ بمئات السيارات وماضغي القات والباعة المتجولين، وما تيسّر من المسلحين والمراهقين.
وإذا ما نويت قضاء بعض الوقت بصحبة أسرتك للتمتع بالبحر والسباحة خلال إجازة الأسبوع أو حتى الإجازات السنوية، فلن تجد في سواحل مدينة عدن (جنوبي اليمن)، أحد أقدم المدن العربية، موطئ قدم، فسيارات ماضغي القات وشاربي "النارجيلة"، الذين يتزاحمون مع الباعة المتجولين، سبقتك إلى المكان وحجزت لها على امتداد المساحة الساحلية، في مشهد وصفه الكثيرون بـ"مجلس القات الكبير"، فضلاً عن أكوام القمامة، التي خدشت اللوحة الربانية البديعة لثنائية البحر والساحل.
مجلس قات كبير
فضلاً عن الزحام الشديد الذي خلّفه ارتصاص السيارات على السواحل، حُرِمت الأسر والعوائل من أدنى معايير الخصوصية والاستقلال، باعتبار البحر هو المتنفس المتاح الوحيد للمواطنين اليوم في عدن، كما أن كثيراً من الأهالي الذين يقصدون سواحله يشكون، أيضاً، من إجراءات أمنية مشددة تبديها السلطات الأمنية بالمدينة بحجة قربها من مواقع عسكرية ومبانٍ حكومية مستحدثة، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى إلغاء فكرة الذهاب إلى البحر رفقة أسرهم وأطفالهم تجنباً للوقوع في شراك هذه المضايقات، التي تصل أحياناً إلى درجة التعسف والابتزاز.
البحر والمخلفات
تقول الإعلامية اليمنية مروى السيد، "تصطدم الأسر التي تلجأ إلى البحر بالسيارات المركونة وطوابير المخرنين (ماضغي القات) على امتداد الساحل بشكل لا يطاق".
وتضيف لـ"اندبندنت عربية"، "يواجه الزائر أيضاً أكوام القمامة، التي تملأ رمال البحر، في ظل صمت ولا مبالاة تبديها الجهات ذات الاختصاص".
يحوي خليج عدن سلسلة من الشواطئ والخلجان المطلة على المحيط الهندي، وأشهرها الساحل الذهبي، وخليج الفيل في منطقة البريقة، وساحل الغدير وساحل العشاق وأبين، وغيرها من السواحل التي تؤهل المدينة لتغدو مكاناً سياحياً يعيد إليها مكانتها السياحية المتطورة التي اشتهرت بها سابقاً.
كما تعيش في سواحل عدن أنواع شتّى من الطيور النادرة، واشتهرت أسماكها بجودتها الغذائية العالية، ومذاقها الفريد الذي حاز مكانة عربية مشهورة.
بيئة منفرة
يقول منصور ناجي، من أبناء عدن، "فكرة الذهاب إلى السواحل برفقة عائلته وأطفاله الأربعة لم تعد مفيدة كما تعودوا في السابق".
ويضيف "كنا ننتظر الإجازة بفارغ الشوق لقضاء بعض الوقت المُمتع مع الأهل والأطفال في سواحل عدن الذهبية، أمّا اليوم قتلت حالتها السيئة الشوق حتى في نفوس الأطفال".
ويُرجع السبب إلى "غياب النظافة وتكدّس القمامة ووجود متعاطي القات الذين يحتلون معظم مساحاتها، وافتقار السواحل لكثير من اللوازم التي اختفت من بعد الحرب، مثل استراحات الأسر والمطاعم والحمامات العامة وغيرها، إضافة إلى انعدام الأمن والابتزاز الذي يلقاه المرتادون اليوم من مسلحين يضايقون الأهالي، ويدّعون أنهم جهات أمنية".
ساحل العشاق للغربان
ويتابع، "ساحل العشاق، على سبيل المثال، في منطقة جبل حديد، كان واحداً من أجمل الشواطئ التي كان يقصدها الزوار من عدن أو السيّاح الأجانب، إلا أنه اليوم بات مهجوراً، ولم يعد يرتاده إلا الغربان!".
ويستطرد "يتميز الساحل الجميل ببعده عن أنظار المدينة لوقوعه أسفل جبل حديد، وترتص على جانبيه شاليهات سياحية جميلة باتت اليوم شبه مدمرة".
مسؤولية مجتمعية
من جانبه قال ناصر الجعدي مدير عام مديرية خور مكسر، "مشكلة دخول السيارات ومتعاطي القات إلى سواحل المدينة تفوق قدرتهم الهادفة إلى سد الطرقات المؤدية من وإلى شواطئ المدينة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "حاولنا منع دخول السيارات بسد المنافذ الموجودة في كورنيش ساحل أبين، إلا أنهم اخترقوا فتحات أخرى ما بعد المطار، وقدراتنا تحول دون بناء حواجز لكل هذه المسافة البعيدة، إذ يتطلب ذلك إمكانات كبيرة".
وشكا الجعدي مما وصفه بـ"نقص الوعي لدى المواطنين، الذين يدخلون بسياراتهم لمضغ القات وشرب النارجيلة ورمي المخلفات، ويحرمون الأطفال والأسر من التنزه في السواحل العامة".
وعن الحلول الكفيلة في هذا الشأن، قال "كل جهد ستبذله الحكومة سيظل ناقصاً وغير ذي جدوى فعّالة ما لم يستشعر المواطن نفسه مسؤوليته بحفاظه على الذوق العام ونظافة السواحل التي هي ملكه بالأساس".