تحولت المسيرة الاحتجاجية التي دعا إليها تجمع المهنيين السودانيين لإحياء ذكرى ضحايا الأحد 30 يونيو (حزيران) إلى تظاهرة حاشدة طالبت بتسليم الحكومة إلى سلطة مدنية ومحاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين منذ اندلاع الثورة الشعبية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بينما دعا تجمع المهنيين المتظاهرين عقب انطلاق مواكب المسيرة من مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) للتوجه إلى القصر الجمهوري في محاولة لإقامة اعتصام ثان، إلا أن قوات الأمن أغلقت الطرق والجسور المؤدية إلى القصر، ما حال دون وصول المتظاهرين.
في هذا الوقت، سقط ما لا يقل عن سبعة قتلى وأُصيب العشرات في الخرطوم ومدن أخرى من السودان.
بدء التفاوض
وفي أول غيث نتائج هذه التظاهرات، تأكيد المجلس العسكري استعداده بدء التفاوض مع قوى الحرية والتغيير فوراً. وانطلقت المسيرة في العاصمة ومدن سودانية عدة، وشارك فيها آلاف المتظاهرين، رافعين شعارات تدعو إلى تحقيق السلطة المدنية والتنديد بالمجلس العسكري والقصاص من الذين قتلوا المحتجين خلال التظاهرات ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة نهاية رمضان الماضي.
بينما أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع لمنع المتظاهرين من الوصول إلى القصر الجمهوري، فضلاً عن إغلاق الجسور المؤدية إلى العاصمة الخرطوم.
رسالة حقيقية
واعتبر القيادي في قوى الحرية والتغيير محمد وداعة لـ "اندبندنت عربية" المسيرة التي شاركت فيها جموع وحشود كبيرة من فئات الشعب السوداني كافة وألوان طيفه، رسالة بليغة وحقيقية للمجلس العسكري بأن يرفع يده عن قبضة الوطن وتسليم السلطة لإرادة الشعب، مؤكداً أن قوى الحرية والتغيير ظلت تلتزم بالسلمية في التظاهر والتفاوض ودخلت مع المجلس العسكري في مفاوضات جادة، لكن تبين لها وللشعب السوداني والمجتمع الدولي عدم جديته في ذلك ومراوغته بهدف كسب الوقت واستمراره في السلطة.
الانصياع إلى الشارع
وأشار القيادي في تجمع الاتحاديين المعارض عز العرب حمد النيل إلى أن المسيرة كانت بمثابة رد قوي على المجلس العسكري بأن الشعب أقوى من قواته العسكرية التي ظل يهدد بها المواطنين، معتبراً ما حدث مشاركة جماهيرية غير مسبوقة في تاريخ السودان لتنفيذ مطالب الشعب، ومشدداً على أنه لا بديل للمجلس العسكري إلا الانصياع لمطلب الشارع، المحدد بتسليم السلطة لحكومة مدنية خالصة.
وأوضح أن دعوة تجمع المهنيين المتظاهرين للتوجه إلى القصر ليست مجرد دعوة رمزية، نظراً إلى ما تعنيه رمزية القصر الجمهوري، مضيفاً أن المسيرة أكدت بما لا يترك مجالاً للشك قوة وحجم قوى الحرية والتغيير ومقدرتها على تحريك الشارع في الزمان والمكان المحددين وأنها قوة شعبية ضاربة.
مطلب مشروع
في المقابل، رأى الخبير الاستراتيجي الدكتور النور عبد الله لـ "اندبندنت عربية" أن ما يجري في المشهد السوداني والمتمثل في حالة الشد والجذب بين طرفي الأزمة (المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير) مرده الخلافات القائمة بين الطرفين، ما أدى إلى توقف المفاوضات وإضاعة الوقت بشكل كبير. وأكد أن خروج الشعب للتظاهر مطلب مشروع لتكملة الثورة، لافتاً إلى أن الوطن الآن في حالة تأزم وقد يقود الوضع إلى ما لا يحمد عقباه إذا لم يكن هناك اتفاق سريع.
وأوضح أن كثرة المبادرات والمناورات عقّدت المشكلة وأنه قد يصعب على المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير السيطرة على الوضع، داعياً الطرفين إلى أهمية تحكيم صوت العقل ومراعاة مصلحة الوطن الذي يمر بأزمات عميقة تتطلب سرعة الخروج من هذا المأزق وتشكيل حكومة مدنية تضمّ كفاءات مقتدرة لإدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية المقبلة.
تغيير حقيقي
في هذه الأثناء، قال نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان "حميدتي" خلال مخاطبته تجمعاً جماهيرياً شرق العاصمة الخرطوم بالتزامن مع انطلاق المسيرة المليونية إن القوات المسلحة بكامل مكوناتها جزء من الثورة وحارس لها، مؤكداً أن ما حدث في 11 أبريل (نيسان) الماضي هو تغيير حقيقي ولا مجال لعناصر النظام السابق الفاسدين للمشاركة في العملية السياسية، لافتاً إلى أن المجلس العسكري يمثل الجميع وليس جزءًا من الخلاف. وأمل في التوصل إلى اتفاق عادل وشامل يعكس مطالب الشعب السوداني، كما دعا إلى سرعة تشكيل حكومة مدنية تسيّر شؤون البلاد، خصوصاً المعيشية منها.
وأكد حميدتي أن هناك قناصة يستهدفون المتظاهرين وقوات الدعم السريع وتعهد بتقديم كل من أجرم بحق أي مواطن إلى المحاكمة العادلة.