حذر تقرير للأمم المتحدة من تصاعد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين الذي ينتج من غياب تسوية سياسية بين أطراف النزاع، وطالب التقرير الذي رفعه منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند إلى مؤتمر المانحين الدولي بنيويورك، في 16 سبتمبر (أيلول) الحالي، بـ"إعطاء أولوية عاجلة لضمان استعداد السلطة الفلسطينية لإقامة دولة".
تدهور الأوضاع الأمنية
وأعرب وينسلاند عن "قلقه من تدهور الوضع الأمني والخسائر اليومية في الأرواح بالضفة الغربية"، ودعا جميع الأطراف إلى "التخفيف الفوري للتوتر والانخراط بحسن نية من خلال الحوار لمنع الوضع من الخروج عن السيطرة".
ووضع التقرير الأممي حزمة استراتيجية "قد تسهم في عكس المسار السلبي الحالي على الأرض وتعزيز الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية، والحفاظ على قابلية استمرار حل الدولتين حتى يأتي وقت استئناف المفاوضات". ودعا الفلسطينيين والإسرائيليين وأطرافاً إقليمية ودولية إلى معالجة الدوافع المستمرة للصراع وعدم الاستقرار، وتعزيز المؤسسات الفلسطينية.
تسهيل العلاقات الاقتصادية
وطالب تل أبيب "بتسهيل الحركة والتجارة لإتاحة الفرصة للنمو، إضافة إلى مواءمة إطار العلاقات الاقتصادية والإدارية بشكل أفضل مع تحولات العقود الماضية"، في إشارة إلى تعديل ضرورة بروتوكول باريس الذي يحكم العلاقات التجارية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
ومع أن التقرير يشيد باتخاذ تل أبيب إجراءات عدة خلال العام الماضي لتخفيف القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه شدد على ضرورة القيام بمزيد. وأوضح أن إسرائيل سمحت "بزيادة نسبة العمال الفلسطينيين بنحو 50 في المئة من الضفة الغربية، ليصل عددهم إلى أكثر من 210 آلاف مقارنة مع عام 2019، إضافة إلى 15 ألفاً من قطاع غزة، الأمر الذي أسهم في سداد الديون وإجراء عمليات شراء أساسية وحصول الفلسطينيين على العلاج الطبي".
وحتى لا تكون تلك الإجراءات بديلاً عن الحل السياسي، فإن التقرير طالب بأن تكون "واضحة ومتسقة مع جهود تحقيق حل الدولتين"، وجزم أنه "لا يوجد بديل عن عملية سياسية شرعية تعيد الأطراف إلى مفاوضات هادفة لحل القضايا الجوهرية التي تدفع الصراع"، وشدد على أن "الانقسام بين حركتي فتح وحماس في الضفة الغربية وقطاع غزة يقلص مساحة نمو الاقتصاد الفلسطيني ويغذي الصراع، كما أنه يقوض إمكان قيام دولة فلسطينية".
وفي إشارة إلى عدم سماح إسرائيل بالعمل في أكثر من 60 في المئة من الضفة الغربية مصنفة على أنها أراضي (ج) بحسب اتفاق أوسلو، طالب مبعوث الأمم المتحدة "بتسهيل وصول الفلسطينيين إلى تلك الأراضي لاستغلال مواردها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل حد إسرائيل من التواصل بين فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة وصعوبة التبادل التجاري بينهما، دعا التقرير إلى "تحسين ربط اقتصادات الضفة الغربية وقطاع غزة ومعالجة الانقسام".
وفي تعليقه على التقرير قال تور وينسلاند إن "اتخاذ إسرائيل والسلطة الفلسطينية خطوات بدعم إقليمي ودولي سيعمل على تقوية السلطة الفلسطينية وتحقيق نمو حقيقي للاقتصاد"، وشدد على أن تلك الخطوات "ستساعد في إعادة التوازن إلى التعامل الفلسطيني مع مؤسسات الدولة الإسرائيلية وإحياء حل الدولتين".
الأمر الواقع
من جانبه، رحب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني بالتقرير، مشيراً إلى أنه قدم "تشخيصاً للواقع"، و"حمل إسرائيل المسؤولية عن التوتر بسبب تنكرها لحل الدولتين وفق المرجعيات الدولية".
وقال مجدلاني في تصريح خاص إن "إسرائيل في ظل تنكرها للاتفاقات مع منظمة التحرير وتخليها عن حل الدولتين تسعى إلى فرض حل سياسي أحادي الجانب بحسب معاييرها ومصالحها"، وطالب الأمم المتحدة "بعدم الاكتفاء بتشخيص الأوضاع والضغط على إسرائيل لإلزامها بتطبيق حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية".
في المقابل، رفض المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان الإجابة عن أسئلة "اندبندنت عربية" حول مدى استعداد تل أبيب لتطبيق توصيات تقرير الأمم المتحدة لتحسين الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
ورأى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان أن "تل أبيب مهتمة بتقوية السلطة الفلسطينية للقيام بدورها حتى لا تخرج الأمور عن سيطرتها"، مضيفاً أن "عدم قيام الأمن الفلسطيني باعتقال المسلحين يدفع الجيش الإسرائيلي إلى اقتحام المدن والبلدات الفلسطينية لتنفيذ الاعتقالات". وأوضح أن تل أبيب "تريد تقوية السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى لا تستغل حماس الفرصة وتسيطر عليها كما حصل عام 2007"، وأشار إلى أن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس غير قادر على التوصل إلى تسوية سياسية مع إسرائيل بسبب فقدانه الشعبية، وبسبب خطوطه الحمراء التي يرفعها للتوصل إلى اتفاق سلام".
وأوضح نيسان أن "مطالب الرئيس عباس بقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس غير واقعية ولا يمكن أن تقبلها إسرائيل"، ودعا إلى "إيجاد شخصية فلسطينية مؤثرة غيره تكون قادرة على التوصل إلى اتفاق سلام مع تل أبيب"، مشيراً إلى أن "الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد التوصل للسلام لكن ليس بشروط الرئيس عباس".
في السياق اعتبر أستاذ الدراسات الإقليمية في جامعة القدس عبدالمجيد سويلم أن "الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية تؤدي إلى إضعاف السلطة الفلسطينية ومحاصرتها في ظل رفض تل أبيب لأي مسار حقيقي يؤدي إلى تحقيق السلام"، وأشار إلى "وجود انقسام بالداخل الإسرائيلي في شأن وجود السلطة الفلسطينية، فبعضهم يدعو إلى حلها لأنها لم تؤد دورها المطلوب، والآخر يذهب إلى تقويتها حتى لا تنشر الفوضى في الضفة الغربية".
وأوضح سويلم أن "انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية وارد إن بقيت الأمور كما هي من سوء أداء للسلطة وتنصل إسرائيل من استحقاقات عملية السلام، في ظل صمت أميركي يشجع تل أبيب على نهجها".
ويذهب سويلم إلى أن "إسرائيل ستكون أبزر الخاسرين من انهيار السلطة الفلسطينية"، وشدد على أن "تل أبيب تسعى إلى تكريس الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية، وتحويله إلى انفصال دائم بدعم أميركي وأوروبي لمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967".