نساء بعضهن قويات وأخريات بدينات يتجولن بين المدعوات في حفلات الزفاف يرقبن كل حركة، إنهن "بودي غاردات" لحماية العروس والحاضرات من عدسات الهواتف النقالة وما قد تلتقطه من صور أو فيديوهات ربما يساء استغلالها عبر وسائط التواصل الاجتماعي أو في المجالس الخاصة.
العجيب أن ظاهرة الاستعانة بـ"بودي غاردات" برزت في الجزائر هذا الموسم وانتشرت في الأعراس ولقيت استحسان الجميع، لكن إذا عرف السبب بطل العجب.
تقول أنيسة صاحبة قاعة الحفلات "وردة" بالعاصمة الجزائر إن المشكلات التي عرفتها عائلات عدة وهددت كيان المجتمع دفعت إلى اللجوء إلى مثل هذه الطريقة وأوضحت أن العائلات باتت تطلب من أصحاب قاعات الحفلات ضمان وجود الحارسات لأن المدعوات أصبحن يرفضن حضور الأعراس خوفاً من عدسات الهواتف النقالة التي تنقل الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء عن غير قصد أو بنية مبيتة، الأمر الذي يتبعه اندلاع مشكلات عائلية بلغت في بعض الأحيان حد الطلاق.
500 دولار للزفاف الواحد
تتابع أنيسة أن الحارسات يمنعن استعمال الهاتف النقال داخل القاعة تحت أي تبرير ويتم إعلام المدعوات بذلك خلال تسليم دعوات الحضور، مشيرة إلى أن الظاهرة رفعت عدد الحاضرات بعد استحسان الخطوة من طرف الأزواج، بخاصة أن الأمر يتم بشكل منظم إذ ترتدي الحارسات زياً موحداً يحمل شعاراً بمنع التصوير والتدخين.
وأوضحت أن هؤلاء النسوة اللاتي يتنقلن عبر كل زوايا قاعة الحفلات التي تحتضن العرس يحرصن على مراقبة أي شخص تمتد يده إلى هاتفه، مضيفة أن كلف هذه الخدمة تختلف من قاعة إلى أخرى وبحسب المهمات المطلوبة وعدد الحضور وتتراوح بين 200 و500 دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أن عائلة العروس تعتمد في بعض الأحيان على نفسها في استقدام حارسات، فتتواصل مع فرق الحراسة النسوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبار أن هذه الخدمة ليست معتمدة بشكل رسمي، مضيفة أن العائلة تتفق مع هؤلاء النسوة على كل الجزئيات والتفاصيل منذ التحاق العروس بالقاعة وحتى مغادرتها في حين يبقى ما وراء الأسوار خارج مسؤولياتهن.
ولعل الاستعانة بـ"بودي غاردات" لم يكن ليحدث لولا تضاعف عدد الفضائح على مواقع التواصل الاجتماعي وفشل العائلات في وضع حد لتمادي بعض الأطراف في ممارسات التصوير والنشر بغرض الابتزاز تارة وإثارة الفتن العائلية بدافع الحقد والحسد والانتقام تارة أخرى.
فضائح وقانون
في السياق، أبرز أستاذ علم الاجتماع حسين آيت عيسي أن بعض الأشخاص يصورون الناس من دون علمهم وينشرون حياتهم الشخصية سواء بنية حسنة أو سيئة، لكن الأمور تخرج عن السيطرة غالباً، بخاصة بالنسبة إلى المشاهير بهدف كسب متابعات عبر الإنترنت، وقال إن الخطير في المجتمع الرقمي أن التسجيلات والصور يتم تداولها بصورة سريعة جداً، كما يستحيل مسح أو حذف ما يخرج إلى العلن، وكلما كانت الصور متعلقة بمحيط أضيق كلما كانت الفضيحة أكبر، وإذا تعلق الأمر بفضائح زاد عدد المتابعين.
وأوضح عيسي أن الفراغ هو ما يجعل الأشخاص يمضون أوقاتهم مع هواتفهم الذكية، مما يستدعي تنمية الثقافة الإعلامية للأشخاص وتوعيتهم بالاستغلال الأمثل لهذه الهواتف.
إلى ذلك اعتبر الحقوقي عمار رخيلة أن سلوك التشهير بالأشخاص جريمة قانونية تصل عقوبتها إلى خمس سنوات حبساً نافذاً وقد يتم تكييفها إلى جنحة مشددة لأنها تستهدف الأخلاق العامة للمجتمع وقال إن التشهير يعتبر قانوناً مساً بشرف الأشخاص، بخاصة إذا استهدف حياتهم الشخصية، داعياً المواطنين إلى التعامل بحذر مع الصور والتسجيلات، لا سيما المحفوظة على الهواتف النقالة فقد تسرق الهواتف وتستغل الصور في التشهير والانتقام ومن الممكن أن تعدل عن طريق الـ"فوتوشوب" لتصبح مخلة وفاضحة وربما تستعمل في ارتكاب جرائم خطرة. وأضاف رخيلة أنه يمكن لضحايا هذه الأفعال التقدم كطرف مدني في القضية والمطالبة بتعويضات مالية من الفاعلين، مبرزاً أن التقاط صور أو تسجيلات عادية لأشخاص عاديين أو تصوير جرائم ومخالفات ممنوع قانوناً، حتى ولو كان المصور ضحية لجريمة ما، لأن عملية التصوير من اختصاص سلطات معينة في البحث والتحري.