باتت مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس ضحية جديدة للنزاعات المسلحة في الغرب الليبي، بعد أن عاشت ليلة ثالثة في ظرف شهر واحد وسط أزيز الرصاص ودوي المدافع، عقب اندلاع اشتباكات عنيفة بين كتيبتين مسلحتين في المدينة.
وإذا كانت الزاوية استعادت الهدوء بعد نجاح جهود التسوية التي بذلتها قيادات مجتمعية في المدينة، إلا أن تحولها بشكل ملحوظ إلى مركز الصدام المسلح في المنطقة الغربية بعد حسم معارك العاصمة الأخيرة لصالح القوات الموالية لحكومة الدبيبة، فتح الباب لأسئلة كثيرة حول أسباب تحول المدينة إلى بؤرة التوتر الرئيسة، خلال الأسابيع الماضية.
بوابة العاصمة
الصحافي الليبي معتز بلعيد، لخص أسباب تحول أنظار الجماعات المسلحة في غرب البلاد ونزاعاتها إلى الزاوية في موقعها الاستراتيجي، يقول "أهمية الزاوية تكمن في موقعها، حيث تعتبر البوابة الغربية لطرابلس وأقرب المدن الكبيرة إليها، كونها لا تبعد عنها سوى 40 كيلو متراً والسيطرة عليها تعني عسكرياً وضع قدم في العاصمة".
وأضاف "بعد حسم معركة طرابلس لم يبق لبعض القوات الموالية لفتحي باشاغا داخل الزاوية، أو حتى بعض الكتائب التي تتمركز في مدن قريبة منها مثل ورشفانة، سوى السعي نحو أقرب نقطة يمكن أن تقود مستقبلاً إلى الهدف المركزي وهو العاصمة، ولذلك أتوقع أن الاشتباكات في الزاوية ستتكرر حتى يحسم النزاع عليها لصالح طرف ما".
ونوه إلى أنه "يجب أيضاً عدم نسيان أن الزاوية تحتكم على أكبر ميناء نفطي في غرب البلاد وأكبر مصفاة لتكريره في ليبيا، مما يرفع من أهميتها في نظر الأطراف المتنازعة على السلطة والنفوذ".
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي جمال الشطشاط مع هذا الرأي بقوله "الزاوية منذ القدم تدفع ثمن جيرتها لطرابلس وقربها منها، منذ الغزو الإيطالي لليبيا مروراً بثورة فبراير (شباط) وصولاً إلى يومنا هذا، وحتى في فترة الثورة كانت أول مدينة توجهت إليها كتائب القذافي في مارس (أذار) 2011، وشنت عليها حملة قوية انتهت باستعادتها من أجل تأمين النظام في طرابلس، ومنع استخدام الزاوية معبراً إلى عقر داره ومقر حكمه".
وتوقع الشطشاط أن "تدفع الزاوية الفاتورة الأكبر في الصراع السلطوي الحالي، بعد بسط قوات الدبيبة هيمنتها على طرابلس، وقد يمتد هذا الصراع ليشمل ورشفانة أيضاً التي عرفت فصلاً منه في الفترة الماضية".
ويرى الشطشاط أن "أكثر شخص حالياً يركز على الزاوية ويعرف أهميتها هو القائد العسكري الأبرز في قوات فتحي باشاغا أسامة الجويلي، بحكم خبرته العسكرية فهو رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية السابق، إضافة إلى أنه يعرف أهمية الزاوية من خلال قيادته الميدانية لقوات الزنتان في فترة الثورة التي دخلت طرابلس من بوابة هذه المدينة بالذات".
وتابع "بالنظر إلى ما سبق أعتقد أن قوات الجويلي التي تتمركز على بعد أقل من عشر كيلو مترات عن الزاوية في ورشفانة، أو حتى المتأهبة في مدينته الزنتان التي لا تبعد سوى 30 كيلو متراً عنها، ستركز عليها كثير في الفترة المقبلة، ما يعني أن الصراع في الزاوية من المحتمل أن يحتدم ويطول".
خريطة التحالفات
وتعتبر خريطة التحالفات الحالية في الزاوية معقدة وغير واضحة بشكل كامل، لكن هناك أطرافاً كثيرة في المدينة بينت موقفها من طرفي الصراع السياسي الحالي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
أقوى قادة الكتائب العسكرية في مدينة الزاوية حالياً هو محمد البحرون، الملقب بـ"الفار"، وهو وإن لم يشارك في معارك بداية الأسبوع الحالي في مدينته إلا أنه كان طرفاً في جل الصراعات العسكرية بالمدينة خلال الفترة الماضية، وهو مقرب من رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة وموال له.
مجتمعياً، وبسبب الطابع المختلط من الناحية الديموغرافية، تستند مدينة الزاوية إلى القبيلة كجزء أصيل ومؤثر، إضافة إلى البعدين العائلي والعرقي، وهذا التنوع أثر بوضوح على البعد العسكري، إذ ظهر عديد من الفصائل المسلحة المنتمية لبعض القبائل مثل "أولاد صقر"، وهي من أكبر القبائل داخل مدينة الزاوية ولها فصيل قوي ومؤثر، إضافة إلى فصيل آخر تحت مسمى "الخضاروة" نسبة إلى عائلة الخضراوي ويعتبر من أقوى الفصائل في الزاوية، إضافة إلى فصائل مسلحة أخرى يرتبط اسمها باسم من يقودها، وهي أقرب إلى مجموعات مسلحة من كونها فصيلاً أو تشكيلاً مقارنة بالتي تعهدها بقية المناطق والمدن الليبية.
هذه الفصائل في صراع مستمر وعمليات تصفية متبادلة لقادتها، ويحدث ذلك كلما كان هناك تضارب مصالح بينها، ولم يستطع حتى الآن أي فصيل من بسط سيطرته وإخضاع البقية له، وهي سمة لا تجدها إلا في الزاوية حيث ظلت المدينة غالباً في حال صراع وتحارب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن الزاوية ضلع مهم في المثلث الأقوى عسكرياً في غرب ليبيا، خارج العاصمة مع الزنتان ومصراتة، إلا أنها نأت بنفسها لأشهر عدة عن الدخول في النزاع على السلطة التنفيذية بين عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا أو مناصرة أي طرف فيه، إلا إن القرار الذي اتخذه رئيس حكومة الوحدة في شهر يوليو (تموز) الماضي، بإقالة ابن المدينة ورئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله من منصبه، غير كثيراً في موقف قيادات المدينة المجتمعية والعسكرية مما يجري في طرابلس.
فبعد أيام من القرار تحركت قوة عسكرية إلى العاصمة رفضاً لقرار رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وتحركت أرتال عسكرية من الزاوية بقصد إعادة مصطفى صنع الله إلى منصبه، قبل أن تتراجع عقب صد قوات موالية للدبيبة لها.
وفي نهاية الشهر نفسه احتضنت الزاوية اجتماعاً لقيادات من المنطقتين الغربية والوسطى، أعلن فيه صراحة تأييد الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، وبحسب البيان الختامي للملتقى، قال الأعيان إنهم "مع الشرعية التي اتفقت عليها الأطراف الليبية، المتمثلة في الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا من دون وصاية أو تدخلات خارجية، لتقود البلاد إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من دون أي تأخير".
ويتضح مما سبق حجم التعقيد في الصراع الذي تشهده الزاوية حالياً، حيث يعتمد رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة على تحالفه مع أكبر قوة عسكرية في المدينة بقيادة محمد بحرون، بينما تبدو القيادات المحلية وكتائب أصغر أقرب إلى باشاغا من منافسه على رئاسة الحكومة.
ورشفانة في مرمى الخطر
ويتوقع مراقبون في ليبيا أن يتسع الصراع في الزاوية ليشمل بعض المدن القريبة منها وخصوصاً ورشفانة التي عرفت اشتباكات قصيرة في الفترة الماضية، قبل أن تستعيد الهدوء بعد هدنة وقعت بين القيادي العسكري في الزاوية محمد البحرون وكتيبة الضاوي في المدينة.
ويبني المراقبون توقعاتهم على استمرار وجود قوات موالية لباشاغا في ورشفانة بقيادة معمر الضاوي، تشكل تهديداً للزاوية ثم طرابلس، وهو ما دفع قوة عسكرية كبيرة تابعة لحكومة الوحدة في طرابلس لمحاصرة المدينة بداية الشهر الحالي، وطالبت الضاوي بتسليم مقر كتيبته وأسلحته لهذه القوة العسكرية.