كشف التقرير السنوي لديوان المحاسبة الليبي عن تجاوزات ضخمة في إدارة موارد الدولة وتوجيه الموازنة الحكومية لعام 2021 مسلطاً الضوء من جديد على حجم الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة وهو إن لم يكن حجمه خافياً على أحد فإن تفاصيله الواردة في تقرير الديوان كانت صادمة.
وركز التقرير على تفاصيل المعاملات المالية لحكومة الوحدة برئاسة عبدالحميد الدبيبة واتهمها بإهدار مليارات الدينارات على أمور ثانوية أو في الأقل ليست من الأولويات لدولة تقف على حافة الانهيار السياسي والاقتصادي، مما دفع رئيس الحكومة إلى الإعلان عن مؤتمر صحافي لم يحدد موعده للرد على اتهامات ديوان المحاسبة.
وبسبب خطورة الاتهامات الواردة في التقرير وحساسيتها حاولت "اندبندنت عربية" الحصول على رد من الحكومة أو إحدى وزاراتها على التهم الواردة فيه، لكن من دون جدوى.
ونشر ديوان المحاسبة الليبي، الثلاثاء، تقريره السنوي عن عام 2021 متضمناً نتائج أعماله وأهم الملاحظات حول الجهات الخاضعة لرقابته وتوصياته في هذا الخصوص.
وقال الديوان في مقدمة التقرير إنه "على رغم التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية والاقتصادية خلال عام 2021 نتيجة الهدنة المتفق عليها بالمسار الأمني وفتح حقول النفط وتوحيد الحكومات في حكومة الوحدة الوطنية التي تسلمت أمور السلطة التنفيذية للدولة، إلا أن هذا الاستقرار كان هشاً لعدم الاستناد إلى قاعدة سليمة، إضافة إلى أن الظروف السياسية ما زالت متوترة، إذ سرعان ما تعقدت الأمور من جديد نهاية العام بنشوء خلافات أمنية وسياسية انعكست على الأمور الاقتصادية فلم يتم إصدار قانون للموازنة العامة واستمرت حال غياب المساءلة والمحاسبة".
وأضاف أن "هذا التقرير يعكس حجم أعمال ونشاطات الديوان خلال عام 2021 وفق الخطة التشغيلية المعتمدة وتم عرضه في 18 فصلاً تضمنت الموقف العام عن الوضع المالي للدولة ونتائج مراجعة وتقييم أداء القطاعات المختلفة".
وأكد الديوان أن "تقاريره تعد وفقاً للقانون والمعايير الدولية وهي تهدف إلى الشفافية والمساءلة وحسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح وتقييم مؤسسات الدولة وإصلاح نظمها المالية والإدارية ولا يجدر استغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة".
عجز في الإيرادات
وبحسب التقرير أعلن ديوان المحاسبة أن "إيرادات الدولة النفطية بالعملة الأجنبية خلال عام 2021 بلغت 22.9 مليار دولار تم إيداعها في حسابات الدولة بمصرف ليبيا المركزي وفي المقابل بلغت التحويلات الخارجية التي قام بها المركزي خلال العام ذاته ما قيمته 24.5 مليار دولار، أي بعجز قدره 1.6 مليار دولار استعملت من الاحتياطات، ويشير ذلك إلى أن الطلب على النقد الأجنبي ما زال يفوق إيرادات الدولة في ظل سعر الصرف الحالي الذي بلغت قيمته 4.5 دينار مقابل الدولار الواحد".
وأوضح الديوان أن "إيرادات الدولة الليبية من النقد الأجنبي للفترة من 2012-2021 بلغت 209 مليارات دولار، إلا أن الطلب على النقد الأجنبي لا يزال يفوق حجم الإيرادات بعجز 47 مليار دولار".
تجاوزات الحكومة
وكشف ديوان المحاسبة في تقريره السنوي عن تجاوزات مالية كبيرة من قبل حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة وقال إن "المصروفات في مجلس الوزراء خلال سنة 2021 تجاوزت السقف المحدد وفق الاعتمادات الشهرية الموقتة وإن حساب الطوارئ تم استغلاله في غير الأغراض المخصصة له".
وذكر أنه "تم تكليف مستشارين من دون إبرام عقود تحدد مدة ومجال أعمالهم والواجبات والمسؤوليات بحيث بلغ عددهم ستة مستشارين بمرتبات شهرية بلغت 7500 دينار (1600 دولار) للمستشار الواحد، إضافة إلى عدم إرفاق مستندات بملفات المستشارين تحتوي على مؤهلاتهم العلمية وسنوات الخبرة وغيرها وصرف تذاكر سفر وحجوزات إقامة لأشخاص لا علاقة لهم بمجلس الوزراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار ديوان المحاسبة إلى أن "فاتورة ديوان رئاسة الوزراء لمحال المجموعة العالمية للساعات تجاوزت 12 مليون دينار (2.6 مليون دولار) مقابل توفير ساعات هدايا لضيوف رئيس الوزراء، كما أن مصروفات الإعاشة بجناح الدبيبة بلغت لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 فقط أكثر من مليون و600 ألف دينار (355 ألف دولار)".
ولفت إلى أنه "تم شراء 25 سيارة فارهة خاصة بموكب الدبيبة بقيمة تجاوزت 21 مليون دينار (4.6 مليون دولار) ولم تسجل ملكيتها باسم ديوان رئاسة الوزراء".
تعديات وزارية
وتطرق التقرير إلى تجاوزات في وزارات أخرى في حكومة الوحدة مثل الخارجية والتعليم العالي وحتى وزارة الأوقاف من بينها "إهداء وزير التعليم العالي عمران القيب لهواتف من الماركات العالمية الشهيرة بمبالغ مالية كبيرة وصلت إلى 255 ألف دينار (56 ألف دولار) لأعضاء لجان في الوزارة".
كما ذكر ديوان المحاسبة أن "الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية أبرمت عقداً بقيمة 700 ألف دينار من أجل شراء الزي العربي بالمخالفة لنص المادة 10 من لائحة العقود الإدارية التي نصت على الحالات التي يجوز فيها التعاقد بطريقة التكليف المباشر من المادة 68 من لائحة العقود الإدارية في شأن إجراءات التعاقد".
أما في ما يخص وزارة الخارجية، فكشف التقرير الصادر عن ديوان المحاسبة "وجود قفزة في مخصصات السفارات الليبية في الخارج بلغت 1.1 مليار دينار ليبي (244 مليون دولار)"، مشيراً إلى "المبالغة في صيانة وشراء السيارات بإجمالي أكثر من 5 ملايين دينار (مليون دولار تقريباً)" ومبيناً أن "مدير مكتب الوزيرة نجلاء المنقوش تسلم 5 سيارات بالمخالفة للضوابط".
ونوه إلى "التوسع في شراء الهواتف والحواسيب بقيمة 3.5 مليون دينار (770 ألف دولار) وإسهاب الوزيرة في قرارات الإيفاد وعدم وجود منظومة لديها لحصر القرارات وتوقيعها مختلف في كل مرة".
وأوضح الديوان أن "هناك إيفاد لأكثر من موظف إلى الخارج للعمل في الوظيفة ذاتها بالسفارة عينها وأن عدد المراقبين الماليين في الخارج ارتفع إلى 122 مراقباً بإجمالي مرتبات للسنة فاق 44 مليون دينار (9.7 مليون دولار)".
كما كشف عن "صرف مرتبات لأشخاص بقيمة أعلى من مرتباتهم الفعلية ولأشخاص انتهت علاقتهم بالوزارة ولآخرين غير مدرجين في منظومة المرتبات وصرف علاوة سفر ومبيت لمصلحة مرافق للوزيرة لا تربطه بالخارجية أي وظيفة".
فساد في المؤسسات العامة
ولم يكتف التقرير السنوي برصد تجاوزات الوزارات الحكومية فقط بل بين وجود نظير لها في المؤسسات العامة مثل وزارة النفط وشركة الكهرباء بحيث اتهم التقرير الرئيس السابق للمؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله بـ"تصدير شحنات نفط خارج الموازنة العامة بقيمة 16 مليار دينار (3.5 مليار دولار)".
وقال ديوان المحاسبة إن "صنع الله صدر الشحنات النفطية من دون جباية إيراداتها واستبدلها بشحنات محروقات خارج الموازنة العامة بقيمة تجاوزت 16 مليار دينار من دون الإفصاح لوزارة المالية" وهو ما عده التقرير "انحرافاً جسيماً بتصرفات فردية تعد سلباً لاختصاصات وسلطات وزارة المالية".
وأورد الديوان أن "تعاقدات الشركة العامة للكهرباء خلال 2021 تجاوزت 16 مليار دينار في حين لا يزيد إجمالي العقود المبرمة منذ عام 2001 وحتى 2021 على 35 مليار دينار (7.7 مليار دولار) على رغم استمرار مشكلة تغطية العجز في الطاقة الكهربائية".