أطلقت وسائل الإعلام عليها اسم "أحجار الجوع" بعدما ظهرت فجأة بسبب الجفاف الذي أصاب أوروبا هذا الصيف، وكان وقع هذا الاسم سبباً لرصد مكثف من قبل المتابعين، فهذه الأحجار التي كانت مختبئة تحت المياه تعود لمئات السنين، وقد حفر عليها حروف وكلمات مختلفة في فترات جفاف سابقة، وظهرت على ضفتي ألبه والراي لتذكر بعواقب موجات الجفاف على السكان، لا سيما نقص المياه وفشل المحاصيل والمجاعة.
وما زاد الخوف والهلع من هذه الحجارة العائدة إلى القرون الوسطى والتي بدت كطلاسم تحذر من نهاية العالم، ما كتب عليها مثل "ستزدهر الحياة مرة أخرى بمجرد اختفاء هذا الحجر".
ويقول نقش آخر "الشخص الذي رآني ذات مرة بكى، ومن يراني الآن سيبكي". ويقول ثالث "إذا رأيت هذا الحجر مرة أخرى فسوف تبكي، هكذا كانت المياه ضحلة عام 1417".
وقد تكون هذه الجمل المثيرة للرهبة، إضافة إلى اسم الصخور، ما شد الجمهور إلى متابعة موضوع الجفاف الذي أصاب أجزاء كثيرة في العالم هذا الصيف، وأدى إلى وفيات كثيرة وإلى امتداد حرائق الغابات بشكل كبير في معظم الأرجاء.
الجفاف يكشف الكنوز
في إسبانيا بعد أن تم إغراق قرية أسيريدو الإسبانية أوائل التسعينيات بسبب إنشاء سد في البرتغال المجاورة، ظهرت هذا الصيف "قرية الأشباح" كما سماها الأهالي، فجأة بكاملها أمام الناظرين، بسبب انخفاض مستوى المياه في البحيرة ليصل إلى 15 في المئة فقط من كمية المياه الأصلية، وسميت "قرية الأشباح" لأنها متكاملة وكأن سكانها هجروها فجأة.
وفي إسبانيا أيضاً ظهرت تحت المياه مقابر حجرية في منطقة غوادالبيرال بعد انحسار مياه بحيرة سد فالديكاناس، وفي نهر الدانوب تم الكشف عن حطام سفينة غرقت خلال الحرب العالمية الثانية بعد انخفاض منسوب المياه بشكل غير معتاد في النهر الواقع شمال غربي المجر.
لكن المفاجأة الأجمل التي تركها جفاف هذا الصيف الأوروبي هي صورة كنيسة قرية "سانت روما دي ساو" من الأعلى، وهي تبدو منبثقة من منتصف المياه في منظر غرائبي فني، وبنيت هذه الكنيسة في القرن الـ 10 وغمرت بالمياه بسبب بناء سد أيضاً.
أما في بحيرة كونستانس جنوب ألمانيا فأدى انخفاض منسوب المياه إلى ظهور ممر من الحصى بين شبه جزيرة ميتناو وجزيرة ريتشيناو، وهذا الكشف كان له تأثيرات كبيرة على الدراسات التي يجريها علماء الآثار والمنقبون في تلك المنطقة، إذ بات واضحاً كيف يتم الاتصال بين الجزر الصغيرة الموجودة داخل البحيرة بواسطة ممرات بناها الإنسان، وظهر أيضاً إلى جانب هذا الممر زورقا "كانو".
قنابل غير منفجرة
وخارج أوروبا كان لجفاف صيف 2022 الذي يعتبر من الأشد حرارة منذ عقود، دوره أيضاً في الكشف عن المخبأ تحت المياه، فلم يقتصر الجفاف على القارة الأوروبية بل وصل أيضاً إلى مناطق كانت تشتهر بغزارة أنهارها، كما بلاد ما بين نهري دجلة والفرات، إذ أدى انخفاض منسوب النهرين إلى ظهور مدينة تاريخية كاملة هي مدينة زاخيكو التي كانت مركزاً مهماً للإمبراطورية الميتانية ويبلغ عمرها 3400 عام.
وبعد ظهورها المفاجئ بعد آلاف السنين من انغمارها بالمياه، تسابق علماء الآثار الأجانب والعراقيون مع الزمن لتوثيق المدينة الأثرية قبل أن تغمرها المياه مرة جديدة، وفي تكساس ظهرت آثار أقدام ديناصور يعود تاريخها لـ 113 مليون سنة.
ولكن المياه المتبخرة لم تكشف فقط عن آثار عمرانية أو عن تحذيرات، بل وعن قنابل غير منفجرة من الحربين العالميتين الأولى والثانية، كما كشفت المياه المضمحلة لنهر بو في إيطاليا عن قنبلة ضخمة.
وفي نهر الدانوب في صربيا ظهر عدد من السفن الغارقة في فترة الحرب العالمية الثانية، ولا تزال محملة بقذائفها الخطرة، والسفن التي عثر عليها قرب بلدة براهوفو هي جزء من أسطول تابع للجيش الألماني أغرقه الحلفاء عام 1944.