أنهت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها إلى لبنان والتي استمرت أسبوعاً كاملاً لم تستثنِ خلالها أي جهة رسمية أو حزبية من لقاءاتها.
ودخل البنك الدولي على خط اللقاءات ليجدد دعمه لجهود الدولة اللبنانية في خفض العجز والالتزام بالأموال المخصصة لمشاريع إنمائية.
كل ذلك على وقع تقرير بارز لوكالة التصنيف الائتمانية الدولية موديز التي وضعت، وبوضوح، خطوطاً حمراء للدولة اللبنانية في مقاربتها خفض عجز الموازنة.
وفي خضم الترقب والحذر والتهاب الشارع من باب العسكريين المتقاعدين، تعود تطمينات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي تشكل عامل الثقة الأبرز دولياً لتخفض منسوب التوتر الاقتصادي داخلياً وخارجياً.
دبلوماسية في التعاطي
وفد صندوق النقد الدولي برئاسة كريس جارفيس، هدف إلى إنجاز تقرير بشأن وضع لبنان النقدي والمالي قبل منتصف يوليو (تموز) الحالي.
وزار لهذه الغاية رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، ورئيس البرلمان نبيه بري، واجتمع أيضاً مع اللجان النيابية، وتحديداً لجنة المال والموازنة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وممثلي الأحزاب. وكشفت مصادر متابعة للزيارات عن أن المقاربة، التي اتبعها الوفد، دبلوماسية بامتياز وتتسم باستيعاب لواقع لبنان السياسي والاقتصادي بين الممكن والمعقول.
فبحسب وفد الصندوق إقرار الموازنة ولو متأخرة، بما تضمنته من خفض للإنفاق، يشكل خطوة إيجابية مشجعة على أن تستكمل في موازنة عام 2020.
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر متابعة، أن المسؤولين اللبنانيين قالوا بصراحة لصندوق النقد الدولي إنه من غير السهل خفض النفقات إلى مستويات أخرى، وإن الحكومة غير قادرة على إجراءات تتعلق بالتهرب الضريبي أكثر مما تفعل. وأمام هذا الواقع دعا الصندوق المسؤولين إلى زيادة الضرائب ما يعزز الإيرادات، كالضرائب على البنزين والقيمة المضافة، لأن الإيرادات كما وردت في مشروع الموازنة غير كافية وغير مؤكدة، ما يهدد مرة جديدة بارتفاع العجز.
وفي هذا الإطار، لم يخفِ رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في حزب الكتائب جان طويلة، تخوفه من التقرير المرتقب نهاية يوليو الحالي، على الرغم من الإيجابية التي لمسها من أعضاء الوفد بعد اجتماعه معهم.
فاقتصادياً، وبعيداً من الحسابات السياسية، ستدفع الموازنة الحالية الاقتصاد إلى الانكماش في ظل غياب الإصلاحات الحقيقية، والإنفاق الاستثماري، ولجوء الدولة إلى الرسوم والمس بمكتسبات الموظفين لخفض عجزها، ما سيترجم تراجعاً في إنفاق اللبنانيين وتالياً تراجعاً في النمو.
كما استغرب طويلة عدم توقف وفد الصندوق عند التهرب الضريبي والجمركي، الذي يرفد الخزينة أموالاً بالمليارات، بخاصة بعدما كشف وزير المال علي حسن خليل عن 124 معبراً غير شرعي تدخل من خلاله البضائع إلى لبنان، فضلاً عن التهريب عبر المعابر الشرعية الذي يقدر أيضاً بمئات ملايين الدولارات.
ودعا طويلة الصندوق إلى الضغط على الحكومة الحالية لمعالجة التهرب الضريبي والجمركي بعيداً من الحسابات السياسية وسلطة الأمر الواقع.
يذكر أن صندوق النقد الدولي يصدر سنوياً تقريراً عن وضع الاقتصاد اللبناني، يعرف المادة الرابعة. وهو يُرسل من واشنطن إلى الحكومة اللبنانية التي تتولى رسمياً مهمة نشره، علماً أن الحكومة تمنعت عام 2018 من نشر التقرير رسمياً من دون إعطاء أي تفاصيل فيما يسود الترقب الحثيث تقرير عام 2019.
البند الدولي يجدد دعمه
ملياران و400 مليون دولار، هو حجم المحفظة المخصصة للبنان من قبل البنك الدولي، الذي دعا إلى الإفادة من المشاريع الموجودة في محفظته وضرورة تسريع العمل لتنفيذها.
فنائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، الذي التقى أيضاً رئيس الحكومة، أشار إلى أن لبنان بدأ يسير على طريق سليم بشأن الإصلاحات في مشروع موازنته لعام 2019 وقطاع الكهرباء، ولكن سيتعين عليه مواصلة المضي قُدُماً.
وبشكل عام، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لديهما انطباع إيجابي ومتفائل بالخطوات الحالية، ولكن في الوقت نفسه يبديان تفاؤلاً حذراً بسبب الوضع الاقتصادي الدقيق في المنطقة.
موديز تثير الغضب
وكان أثار تقرير وكالة التصنيف الدولية "موديز إنفستورز سيرفيس"، حفيظة المسؤولين اللبنانيين، حيث اعتبرت الوكالة الدولية أن تباطؤ التدفقات الرأسمالية على لبنان، وتراجع نموّ الودائع، يعززان احتمال تحرّك الحكومة لاتخاذ تدابير تشمل إعادة هيكلة الدين، أو إجراء آخر لإدارة الالتزامات، ربما يشكل تخلفاً عن السداد. وهو اتجاه عاد ونفاه وزير المالية، الذي صرّح بأنه سيُقاضي الوكالة الدولية على دراساتها، التي انعكست سلباً على الاقتصاد اللبناني، على الرغم من شجب شبه جماعي للتقرير.
ومما لا شك فيه أن موديز، ومن خلال تقريرها، وضعت خطوطاً حمراء أمام الدولة اللبنانية لتلتزم تعهداتها وتضمن الموازنة أرقاماً فعلية قابلة للتحقيق.
كما كشف التقرير، وبكل وضوح، عن أن أي ضغط على المصارف للاكتتاب بدين الدولة سيعتبر تخلفاً عن السداد، مما يشير إلى أن هامش تحرك الدولة اللبنانية أصبح ضيقاً جداً. وأن أية إجراءات هجينة لن تمر بظل المتابعة الواضحة والدقيقة من المجتمع الدولي، الذي يراقب مشروع قانون موازنة عام 2019 في آخر خطواته قبل الوصول إلى الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه خلال أيام.