بقيت سلطنة عمان لعقود طويلة معتمدة في اقتصادها تماماً على النفط، على رغم تواضع حصتها من الذهب الأسود، إذ كانت تضخ حوالى مليون برميل يومياً فقط، ومع ذلك كان البترول يمثل ثلثي الصادرات وأكثر من 70 في المئة من الإيرادات الحكومية العمانية.
لكن في الفترة الأخيرة تغيرت السياسات الاقتصادية التي بقي معمولاً بها لعقود في البلاد وهي الاعتماد على البترول فقط، إذ قامت عمان بإجراءات حاسمة لتحريك الركود الاقتصادي الذي وصل لمعدلات نمو للناتج المحلي الإجمالي أقل من اثنين في المئة منذ عام 2017.
وأدت سنوات انخفاض أسعار النفط إلى ارتفاع الديون الحكومية في السلطنة بين عامي 2014 و2020 من خمسة في المئة إلى 80 في المئة، وخلقت مشكلة مالية.
إقبال على الاستثمار الأجنبي
التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها سلطنة عمان جعلتها تعزز العلاقات الاقتصادية مع نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وبدأت خطواتها للاستثمار الأجنبي وتنشيط القطاع الخاص لخلق فرص عمل وحل المشكلات المالية، مما جعلها تقبل على التعاون الاقتصادي مع دول الخليج مثل السعودية وقطر والإمارات، ضمن استراتيجية واسعة النطاق لتحقيق النمو والاستقرار في البلد العربي العريق ذو الموقع الاستراتيجي المطل على سواحل الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي.
وتفاقمت مشكلة مسقط أكثر خلال جائحة كورونا مما تسبب في انكماش الاقتصاد غير النفطي للسلطنة بنسبة أربعة في المئة عام 2020، ودفع عجز الحساب الجاري إلى 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
رؤية عمان 2040
وكما ذكر السلطان هيثم بن طارق إبان توليه مقاليد الحكم، فإن حكومته ستحث على استثمار رؤوس الأموال، مؤكداً أن الاستثمار إحدى الركائز لتنويع مصادر الدخل.
وأعلن "رؤية عمان 2040" ووضع خططاً وبرامج اقتصادية كان الاستثمار فيها أوائل مصادر تنويع الدخل وعدم الاعتماد على النفط.
وبدأت أولى خطوات السلطنة في العهد الجديد بإعطاء الأولوية للعلاقات السياسية والاقتصادية مع جيرانها العرب، مما شكل علامة غير مفاجئة على أهمية العلاقات العمانية مع دول مجلس التعاون الخليجي، فكانت أول زيارة دولية للسلطان هيثم بن طارق بعد توليه مقاليد الحكم إلى السعودية، وأتت الزيارة بعد بضعة أسابيع من الاحتجاجات في مدينة صحار في عمان بسبب بطالة الشباب، واستجابت الحكومة آنذاك بخلق مزيد من فرص العمل في القطاع العام، لكن السلطات العمانية أدركت أن هذا ليس حلاً طويل الأجل، إذ تحتاج البلاد إلى قطاع خاص أنشط واستثمارات محلية وأجنبية لتقليل الاعتماد على القطاع العام وتنويع إيراداتها.
وفي السعودية تم الإعلان عن تشكيل مجلس التنسيق السعودي - العماني، وكانت القضايا الاقتصادية محور الاهتمام خلال الزيارة، في وقت تحاول فيه الدولتان زيادة إيراداتهما غير النفطية.
طريق بري مع السعودية
وبحسب وكالة الأنباء السعودية (واس) فقد برزت خلال الزيارة كثير من الفرص ومجالات التعاون بين الرياض ومسقط، ولعل استكمال مشروع المنفذ البري في الربع الخالي الذي يربط بين البلدين أحد هذه المجالات، والذي بدوره سيفتح فرصاً كانت غير متاحة من قبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعول على الطريق الذي كلف 1.9 مليار ريال سعودي (506 مليون دولار) ويختصر 800 كيلو متر، في أن يسهم في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين البلدين، مسهلاً وصول البضائع السعودية براً إلى موانئ السلطنة ومناطقها الاقتصادية الحرة الواقعة مباشرة على بحر العرب مثل ميناءي دقم وصلالة.
ولكن الطموح الاستثماري بين البلدين تعدى ذلك، فقد شهد البلدان حراكاً اقتصادياً مشتركاً تم خلاله مناقشة إقامة السعودية منطقة صناعية في عمان يتم ربطها بالموانئ العمانية، ويقوم الجانب السعودي بتطويرها وتشغيلها وإدارتها لتصدير ما يلزم تصديره إلى الخارج بسهولة، واستفادة السعودية من المنتجات التي تحتاجها بسهولة عبر الطريق البري.
كما عرضت مسقط على الرياض 150 فرصة استثمارية بقيمة تفوق 15 مليار ريال في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات من خلال مجلس الأعمال السعودي - العماني وعدد من أصحاب الأعمال، وتم تشكيل فرق عمل تشمل القطاعات الواعدة كافة التي أبرزها القطاع السياحي والنقل البحري والصناعات التحويلية.
وعقب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لسلطنة عمان في ديسمبر من العام الماضي، استثمر صندوق الاستثمارات العامة السعودي حوالى 18.7 مليار ريال (5 مليارات دولار) في السلطنة، إذ تم التوقيع على مذكرتي تفاهم في المجالات التجارية ومجال التقييس.
كما اتفق الجانبان على زيادة التسهيلات التي تسهم في انسيابية تدفق التجارة البينية، وتعزيز التعاون في مجال الأمن الغذائي، واستثمار الفرص المتاحة في الصحة وصناعات الأدوية والتقنيات المتطورة والابتكار ومشاريع الطاقة المتجددة والصناعة والمشاريع السياحية ومشاريع البتروكيماويات والصناعات التحويلية والشراكة اللوجستية والتقنية المالية، بما يحقق المنافع المشتركة للبلدين.
شبكة خطوط إماراتية
ولم تكن الرياض الوحيدة التي أقبلت على الاستثمارات في شقيقتها مسقط، ففي الأسبوع الماضي وقعت أبو ظبي مع مسقط اتفاق استثمار بـ 3 مليارات دولار في شبكة سكك حديدية تربط ميناء صحار بعُمان عبر شبكة السكك الحديدية الوطنية الإماراتية.
كما وقعت دولة الإمارات وسلطنة عمان 16 اتفاقاً ومذكرات للتعاون المشترك على هامش أول زيارة خارجية يقوم بها رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد منذ توليه الحكم إلى سلطنة عمان.
وشملت الاتفاقات التعاون في أسواق المال والثروات الزراعية والثقافة والإعلام والسكك الحديد، ووصل حجم الاستثمارات الإماراتية في السلطنة إلى1.2 مليار ريال عماني أو 11.5 مليار درهم إماراتي (3 مليارات دولار)، بنسبة تفوق 42 في المئة عن عام 2021.
كما وقعت عمان ودولة قطر ستة اتفاقات للاستثمار في مجالات السياحة والموانئ خلال زيارة السلطان العماني للدوحة عقب زيارته الرياض.
7 آلاف سجل تجاري خليجي في عمان
في غضون ذلك وصل عدد السجلات التجارية المسجلة لمستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي في سلطنة عمان حتى نهاية الربع الأول من العام الحالي إلى 7068 سجلاً.
وأوضحت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ممثلة في دائرة المعلومات والبيانات والاحصاء بأن عدد السجلات لمستثمرين إماراتيين وتم تسجيلها خلال الربع الأول من العام الحالي بلغ 49 سجلاً، ليصل عددها التراكمي إلى 3405 سجلات، وبلغ عدد السجلات المسجلة لمستثمرين سعوديين خلال الربع الأول من العام الحالي 45 سجلاً، ليصل عددها التراكمي إلى 1259 سجلاً، كما بلغ عدد السجلات المسجلة لمستثمرين بحرينيين خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 12 سجلاً بعدد تراكمي بلغ 942 سجلاً، وتم خلال الربع الأول من العام الحالي تسجيل 20 سجلاً لمستثمرين كويتيين ليصل عددها التراكمي إلى 952 سجلاً، وتسجيل15 سجلا لمستثمرين قطريين بعدد تراكمي بلغ 510 سجلات.
وأكدت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العمانية أن خطة عملها تتوافق مع رؤية "عمان 2040" التي تتمثل في التنويع والنمو الاقتصادي ورفع تصنيف السلطنة في المؤشرات الدولية والقيمة المحلية المضافة وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر وتنمية متوازنة في المحافظات وتعزيز الصادرات وتنوعها.
وأشارت الوزارة إلى أن المبادرات والخطط المتعددة التي طرحتها خلال الفترة الماضية تهدف إلى تسهيل الإجراءات والإسهام في الترويج للفرص الاستثمارية وجلب استثمارات نوعية في قطاعات التنويع الاقتصادي، وإيجاد البيئة المناسبة لنجاح وتنمية الاستثمارات كافة، وتمكين القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار ونقل الاستثمارات وتطوير القطاعات وتعزيز برامج القيمة المحلية المضافة بالشراكة مع القطاع الخاص، وكذلك تحسين الميزان التجاري وتعزيز حصة المنتج العماني السوقية وضمان تحقيق قواعد المنافسة الحرة وتعزيز مبدأ اللامركزية وتطوير بيئة أعمال تنافسية.
ارتفاع الاستثمار 19 في المئة
وأدت جهود السلطنة على هذا الصعيد إلى ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي والخليجي المباشر فيها بنهاية الربع الأول من عام 2022 بنسبة 19 في المئة، ليبلغ 17 ملياراً و940 مليون ريال عماني (46.7 مليار دولار) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.