تظهر في سماء ولاية تكساس طائرة مسيرة تهبط فوق حديقة أحد المنازل فتودع علبة كرتون صغيرة وتغادر على الفور من دون أن تثير ريبة أحد في الجوار.
بعد الإعلان عنها منذ سنوات باتت خدمة التوصيل بواسطات الطائرات المسيرة واقعاً ملموساً في بعض مناطق الولايات المتحدة، وفي حين يشك البعض في إمكان تعميم التجربة على نطاق واسع، يرى فيها مؤيدو اعتمادها بديلاً من النقل بالشاحنات، أسرع وأكثر أماناً ومراعاةً للمتطلبات البيئية.
تلقت تيفاني بخاري يومها في فريسكو بشمال دالاس الرقائق والمياه الفوارة التي كانت تنتظرها بعد دقائق قليلة من تقديمها طلباً على التطبيق الذي أنشأته شركة "وينغ" التابعة لمجموعة "ألفابت" التي تنتمي إليها "غوغل".
وقالت المرأة البالغة 51 سنة بعد فتحها العلبة الموضوعة على أرض الحديقة، بحماسة، إن الزجاجة "لا تزال رطبة وباردة جداً".
ولا تشمل خدمة التوصيل من "وينغ" في الوقت الراهن سوى بضع عشرات من الكيلومترات المربعة فحسب، وهي تقتصر على تسليم البضائع من صيدليات "والغرينز" (Walgreens) ومحل المثلجات المحلية "بلو بل".
إلا أن عدد عمليات التوصيل التي تنفذها الشركة في جزء من منطقة بريسبان الأسترالية بلغ حتى الآن نحو ألف يومياً. وتوفر الشركة خدماتها في فنلندا أيضاً وحددت حمولتها القصوى بأكثر بقليل من كيلوغرام واحد "أي ما يوازي دجاجة مشوية"، وفق ما يشرح مدير التسويق والتواصل في "وينغ" جوناثان باس.
إذا كان نقل الوجبات الساخنة والأدوية والأغراض الصغيرة كفرش الأسنان يعتمد تدريجاً في السماء الأميركية، فإن الطائرات المسيرة تتولى منذ سنوات نقل المعدات الطبية في بعض مناطق من أفريقيا.
وتستخدم هذه المسيرات التي تعمل بالمراوح لتوصيل المنتجات القابلة للتلف كالدم في حال عدم وجود بنية تحتية جوية يمكن الركون إليها.
ولم يصل الأمر إلى هذه الدرجة بعد في الولايات المتحدة، لكن الخدمات من هذا النوع آخذة في الانتشار في تكساس وكاليفورنيا وفرجينيا ونورث كارولاينا بفضل "وينغ" وشركة "فلايتركس" الإسرائيلية ومجموعة التجارة الإلكترونية العملاقة "أمازون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثار مؤسس "أمازون" جيف بيزوس ضجة إعلامية عام 2013 عندما أعلن عبر محطة "سي بي أس" عن اختباراته الأولى لخدمات التوصيل بواسطة طائرات من دون طيار، متوقعاً تعميمها في السنوات الخمس التالية، لكن توقعاته لم تصب، وأسهم في الحد من حماسة المجموعة لهذا المشروع تسبب طائرة مسيرة تعرضت لحادث تحطم العام الماضي بحريق أتى على مساحة 10 هكتارات من الغطاء النباتي.
أما "وينغ" فأطلقت في أبريل (نيسان) الماضي "أول خدمة تجارية للتوصيل بواسطة الطائرات المسيرة" في منطقة دالاس فورت وورث ضمن نطاق المنطقة المحيطة بالعاصمة الأميركية.
إلا أن بعض المتخصصين يرون أن ثمة أسباباً تحول دون اعتماد وسيلة التوصيل هذه على نطاق واسع.
وكتب توماس بلاك ضمن قسم مقالات الرأي في "بلومبيرغ" أن "توصيل الطرود الـ 150 إلى 200 التي تتسع لها نقلة شاحنة يتطلب جيشاً صغيراً من المسيرات"، لكنه اعتبر أن الطائرات الصغيرة مفيدة في عمليات التوصيل العاجلة.
أما الرئيس التنفيذي لشركة "فلايتركس" ياريف باش، فشدد على أن توصيل الوجبات بواسطة الطائرات المسيرة أكثر أماناً من نقلها بالسيارة ويولد انبعاثات أقل لغازات الدفيئة.
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "الطائرات من دون طيار لا تتعب ولا تكتب رسائل نصية أثناء القيادة ولا تشرب الكحول قبل القيادة". وأضاف "الخدمة أفضل ببساطة".
وشكلت مسألة الأمان محور المناقشات الحكومية في الولايات المتحدة في شأن إعطاء الشركات تصاريح لمباشرة العمل في هذا المجال.
فمع أن "وينغ" تكتفي باستخدام طائرة مسيرة واحدة تزن أقل من خمسة كيلوغرامات من البوليسترين، اضطرت إلى الحصول على الشهادات نفسها المطلوبة من "دي أتش أل" أو "يو بي أس" اللتين تسلمان بضائع بالطائرات العادية، بحسب ما قال جوناثان باس، من شركة "ألفابت".
وأشار إلى أن لجنة أنشأتها الإدارة الجوية الأميركية أوصت بوضع أنظمة خاصة للطائرات من دون طيار. وقال "أعتقد أن ذلك سيفتح الباب واسعاً أمام نمو (هذا القطاع) في الولايات المتحدة".
وهذا ما حصل بالفعل. ففي تقرير نشر في مارس (آذار) أشارت شركة "ماكنزي" الاستشارية إلى أن عدد عمليات التوصيل بالطائرات المسيرة ارتفع من ستة آلاف عام 2018 إلى نحو نصف مليون في العام الماضي، لكن التقرير اعتبر أن "المستقبل غير مضمون"، ورأى أن "اللوائح ودرجة قبول المستهلك والتكاليف ستحدد ما إذا كان هذا القطاع سيصل إلى كامل إمكاناته".