رجح البنك الدولي أن تنمو اقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 5.5 في المئة هذا العام، وهو أسرع معدل منذ عام 2016، على أن يعقبه انخفاض في النمو عام 2023 إلى مستوى 3.5 في المئة.
وكشف تقرير عن المستجدات الاقتصادية للمنطقة أن هذا النمو غير متساو في جميع الدول، إذ إن البلدان التي لا تزال تسعى جاهدة إلى التغلب على الآثار الدائمة لجائحة كورونا، تواجه صدمات جديدة جراء ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، فضلاً عن التباطؤ في اقتصادات الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو.
وأظهر التقرير الذي جاء بعنوان "حال ذهنية جديدة: تعزيز الشفافية والمساءلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، أن البلدان المصدرة للنفط في المنطقة تستفيد من ارتفاع أسعار الهيدروكربونات مثل النفط والغاز، بينما تواجه البلدان المستوردة للنفط ظروفاً معاكسة وضغوطاً وأخطاراً متزايدة نتيجة ارتفاع فواتير الواردات، لا سيما واردات الغذاء والطاقة، وتقلص الحيز المتاح للإنفاق في ماليتها العامة، نظراً إلى إنفاقها على دعم الأسعار للتخفيف من معاناة شعوبها من هذا الارتفاع.
مطالب بالتعديلات
ووفق التقرير قال نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج إنه "سيتعين على جميع بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إجراء تعديلات للتعامل مع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والواردات الأخرى، بخاصة إذا كان هذا الارتفاع سبباً في زيادة معدلات الاقتراض الحكومي أو خفض قيمة العملة المحلية".
وأوضح أن "الحوكمة الرشيدة هي عين ما تحتاج إليه بلدان المنطقة خلال الآونة الحالية، لكي تتمكن من تجاوز العاصفة والبدء في إعادة البناء بعد تعرضها إلى صدمات عدة إضافة إلى أعباء الجائحة".
فيما قالت رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي روبرتا غاتي إن "التحرك نحو مزيد من شفافية البيانات والمساءلة نقطة تحول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويمكن أن يساعد بلدانها في تحديد ما هو ناجح ويحتاج إلى تحسين، ومن ثم التصرف بناء عليه".
وأشارت إلى أن شفافية البيانات ستساعد كذلك في إدارة الأخطار وتشكيل مسيرة تقدمها نحو مستقبل أكثر استدامة وشمولاً، وليست الفوائد المحتملة كبيرة وحسب، بل إن الإصلاحات اللازمة لوضع المؤسسات على مسار التعلم الصحيح هي أيضاً في المتناول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع البنك الدولي أن يشهد النمو في بلدان المنطقة تبايناً في مساراته، إذ يرى أن دول مجلس التعاون الخليجي تسير على المسار الصحيح لتحقيق نمو قدره 6.9 في المئة خلال عام 2022، مدعوماً بارتفاع إيرادات الهيدروكربونات، إلا أنه يتوقع حدوث تباطؤ في النشاط الاقتصادي عام 2023 إلى نحو 3.7 في المئة، مع تراجع متوقع في أسعار الهيدروكربونات.
وأوضح التقرير أنه من المتوقع أن تشهد البلدان النامية المصدرة للنفط اتجاهات مماثلة لتلك السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي لكن عند مستويات أدنى، مع توقعات بأن يشهد عام 2022 ارتفاعاً في معدلات النمو إلى 4.1 في المئة بقيادة العراق، وذلك قبل أن يتراجع إلى 2.7 في المئة خلال عام 2023.
وبالنسبة إلى البلدان النامية المستوردة للنفط، رجح البنك الدولي أن تحقق نمواً بـ 4.5 في المئة خلال عام 2022 و4.3 في المئة خلال العام المقبل.
ومع ذلك يمثل تباطؤ النمو في أوروبا خطراً كبيراً، إذ تعتمد هذه المجموعة من البلدان بشكل أكبر على التجارة مع منطقة اليورو، لا سيما البلدان المستوردة للنفط في شمال أفريقيا والأقرب جغرافياً إلى أوروبا، وهي تونس والمغرب ومصر.
نفقات إضافية
البنك الدولي أشار كذلك إلى أن واضعي السياسات في جميع أنحاء المنطقة استحدثوا بعض التدابير، بخاصة ضوابط الأسعار وأوجه الدعم والإعانات، لخفض الأسعار المحلية لسلع معينة مثل الغذاء والطاقة، مقارنة بأسعارها العالمية، وأن هذا الأمر كان له تأثيره في إبقاء التضخم في المنطقة أقل منه في المناطق الأخرى.
ولفت إلى أن بعض الحكومات لجأت إلى تقديم مساعدات نقدية للأسر الأفقر، وهي طريقة تتسم بالكفاءة لمساعدة الفئات الفقيرة على التعامل مع ارتفاع الأسعار، مقارنة بإعانات الدعم العام للأسواق التي تتيح أسعاراً مخفضة لجميع الفئات، بما في ذلك الأغنياء.
وذكر أنه بالنسبة إلى مصر فإن تقليل متوسط التضخم بما يعادل 4.1 نقطة مئوية باللجوء إلى دعم أسعار الغذاء والطاقة الذي يفيد جميع السكان يكلف البلاد 13.2 مرة، أكثر من السماح بارتفاع الأسعار ودعم أفقر 10 في المئة من الأسر باللجوء إلى التحويلات النقدية.
وأشار إلى أن حكومات المنطقة ستمضي في تحمل نفقات إضافية لأنها تزيد من إعانات الدعم والتحويلات النقدية للتخفيف من الأضرار التي تلحق بمستويات معيشة سكانها جراء ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة عالمياً.
وبالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان النامية المصدرة للنفط، أكد البنك الدولي أن هذا الأمر لا يمثل مصدر قلق كبيراً حالياً، إذ أدت الزيادات غير المتوقعة في إيراداتها بسبب ارتفاع أسعار الهيدروكربونات إلى زيادة الحيز المتاح للإنفاق في المالية العامة بشكل كبير، وستؤدي إلى فوائض مالية لمعظم البلدان المصدرة للنفط عام 2022، حتى بعد زيادة الإنفاق على برامج التخفيف من حدة التضخم.
وأوضح أن البلدان النامية المستوردة للنفط لا تتوافر لديها مثل هذه الإيرادات غير المتوقعة، مما يفرض عليها خفض أوجه الإنفاق الأخرى أو إيجاد مصادر جديدة للإيرادات، أو اللجوء إلى زيادة العجز في ماليتها العامة أو الديون لتمويل برامج التخفيف من التضخم وأي إنفاق إضافي آخر.
وعلاوة على ذلك، فمع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً سيزداد عبء خدمة الديون على البلدان المستوردة للنفط، إذ يتعين عليها دفع أسعار فائدة أعلى على الديون الجديدة التي تقترضها والديون الحالية التي تعيد تمويلها، مما يؤثر في قدرتها على تحمل أعباء الديون مع مرور الوقت، لا سيما البلدان ذات مستويات الديون المرتفعة بالفعل مثل الأردن وتونس ومصر.