تعددت أوجه الحرب التي تشهدها اليمن والمنطقة ومنها ما تعدى الآلة العسكرية إلى حرب "الرصاص الأبيض" المتمثل بالاتجار بالمخدرات.
ويحقق هذا المجال الشائك الذي ازدهر في اليمن بفعل حال اللا دولة الذي تعيشه البلاد جراء الانقلاب الحوثي، ربحاً سريعاً وهائلاً من ناحية، وتدمير البنية المجتمعية القوية والفاعلة ممثلة بعمقها الشاب، من ناحية أخرى.
ولهذا كان لزاماً أن يواجه هذا الملف في المنطقة على صعيدي الأمن ومكافحته تحديات خطيرة تكشف عن أوجه جديدة للحرب تعدت التقليدية إلى حرب خفية ناعمة سلاحها أقراص الكيف المخدرة بشتى ألوانها وأنواعها.
من إيران سلاح ومخدرات
وعلى نحو متنام غير مسبوق، تكررت عمليات إحباط الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية لعمليات تهريب شحنات مختلفة ضخمة لأنواع من المخدرات يأتي معظمها من إيران كان آخرها عملية أمس الأول في محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان (شرق البلاد).
حيث اتهمت الحكومة اليمنية النظام الإيراني بتعمد محاولة إغراق الأراضي اليمنية بالمخدرات ضمن استراتيجيته للفتك باليمنيين، والعبث بأمن واستقرار اليمن والمنطقة.
يأتي ذلك بعد ساعات من إعلان السلطات الأمنية في المحافظة عن إحباطها "محاولة بحارة إيرانيين تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة الخطيرة إلى اليمن".
الحادثة دفعت وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، لتقديم إحاطة إعلامية شديدة اللهجة اتهم فيها "النظام الإيراني بإغراق الأراضي اليمنية بالمخدرات".
وقال إن النظام الإيراني لم يكتف بتهريب الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والأسلحة والذخائر وخبراء صناعة الألغام والعبوات الناسفة لميليشيا الحوثي لقتل اليمنيين، وعمد إلى محاولة إغراق الأراضي اليمنية بالمخدرات ضمن استراتيجيته للفتك باليمنيين، والعبث بأمن واستقرار اليمن والمنطقة.
ولم تعلق إيران على التهمة، إلا أنها نفت في مناسبات سابقة تورطها في عمليات التهريب إلى اليمن، وتسعى "اندبندنت عربية" للحصول على تعليق من الخارجية الإيرانية وتلتزم بنشره فور وروده.
العربدة وغض الطرف الدولي
الوزير اليمني وصف نظام طهران بأنه "يواصل العربدة في المنطقة عبر إنشاء الميليشيا الطائفية المسلحة لإدارة حروب بالوكالة وإقلاق أمن واستقرار المنطقة وتهديد خطوط الملاحة وتهريب الأسلحة والمخدرات، مستغلاً الصمت الدولي وغض الطرف عن ممارساته الإرهابية التي تشكل انتهاكاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية".
وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بإدانة ممارسات النظام الإيراني واتخاذ موقف واضح وحازم إزاء أنشطته الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، والقيام بمسؤولياتها القانونية في وقف مختلف أنشطة التهريب، وتعزيز الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
حرب البحار
مثلت محافظة المهرة البوابة الشرقية لليمن، محطة عبور لعديد من شحنات المخدرة كونها منطقة حدودية وتملك سواحل بكراً مهجورة تطل على البحر العربي مفتوحة على المحيط الهندي، ما يمثل فرصة سانحة لزوارق وقوارب المهربين للرسو ونقل الشحنات المحرمة بطرق عدة نحو وجهاتها المتفق معها سلفاً.
ووفقاً لمصدر في قوات الأمن الخاصة بالمهرة، فقد شهدت المنافذ الساحلية للمحافظة (المطلة على البحر العربي) انتشاراً كبيراً وتوسعاً لافتاً لنشاط تهريب المواد المخدرة خلال السنوات القليلة الماضية معظمها قادم من إيران في طريقها إلى مليشيا الحوثي.
وقال المصدر لـ"اندبندنت عربية" إن الحرب الشرسة على اليمن ودول الجوار بإغراقها بالممنوعات والمواد المخدرة مستمرة وزادت وتيرتها منذ الانقلاب الحوثي وتنوعت طرقها ووسائل إخفائها إلى حد لا يخطر في البال.
أطنانه للجيران
وأوضح أن كميات الشحنات المضبوطة كبيرة جداً بعضها بالأطنان، تهرب عبر زوارق صيد تقليدية أو عبر الطرق البرية الدولية وكثير منها مصدره ميناء الحديدة (غرب البلاد) الواقع تحت سيطرة ميليشيا الحوثي.
ومن خلال محاضر التحقيق أكد أن الشحنات المضبوطة كانت في طريقها إلى دول الجوار لصالح شخصيات حوثية.
"كورنيت" الدروع
المصدر قال إن من بين أهم العمليات الأمنية ضبط شحنة ضخمة لصواريخ حرارية في الثامن من مارس (آذار) الماضي، نوع "كورنيت" روسي الصنع المخصصة ضد الدروع التي تعد من أخطر الأسلحة التي تستخدمها العصابات، خبئت باحترافية داخل شحنة مولدات كهربائية تم تسليمها لوزارة الداخلية.
كما تطرق إلى أن المنافذ اليمنية الشرقية ضبطت خلال الفترات الماضية، أيضاً شحنات أسلحة خفيفة وطائرات مسيرة ومعدات ومستلزمات أسلحة إيرانية تستخدم في صناعة المتفجرات والعبوات المفخخة والاغتيالات كانت في طريقها إلى ميليشيا الحوثي.
الموت إلى اليمن
بيان شرطة محافظة المهرة قال إنه بعد رصد ومتابعة دقيقة استمرت قرابة الشهر ضبط لنش (زورق) بحري على متنه ستة بحارة إيرانيين خلال تصدير أخطر أنواع المخدرات (الشبو- الكرستال ميث) الذي صنف بالأشد فتكاً بين أنواع المخدرات.
وذكر أنه حُرر محضر ضبط بالعينات من المواد المضبوطة بحضور القاضي هاني صالح بلحاف وكيل نيابة الغيضة الابتدائية، الذي وجه بفتح محاضر جمع الاستدلالات في مواجهة المضبوطين وتحريز الوسيلة المستخدمة في عملية جلب ونقل المواد المخدرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب البيان، فقد سبق أن ضبطت كميات كبيرة خلال الأشهر الماضية من هذه الآفة السامة والخطيرة والذين قاموا بجلبها يحملون الجنسية الإيرانية، وأحيلوا مع المضبوطات إلى النيابة الجزائية المتخصصة في حضرموت.
شهدت المحافظات الجنوبية والشرقية اليمنية، تحديداً، انتشاراً كبيراً لمادة "الشبو" المخدرة تدفع عديداً من المتعاطين للانتحار، وفقاً لتصريحات طبية.
لماذا السعودية؟
وبحسب البيانات الأمنية الصادرة، تؤكد محاضر الضبطيات أن المستهدف في المقام الأول هي الجارة السعودية نظراً للقيمة الشرائية العالية يشكل الشباب معظم قوام تركيبتها السكانية وهو ما يكشف السباق المحموم لإغراقها بالمخدرات.
وعلاوة على الإثراء، يعتبر مراقبون أن النظام الإيراني يستخدم المخدرات في سياق حربه ضد السعودية وحلفائها في المنطقة والعالم، من خلال ضرب الأجيال الشابة الذي يعني بالضرورة ضرب الأمن والاستقرار والتنمية.
لعل ذلك يذكر بالشحنات الكبيرة التي تضبطها السلطات السعودية بين حين وآخر لمواد مخدرة قادمة من دول تسيطر عليها إيران مثل لبنان وسوريا والعراق وغيرها لعل أبرزها الشحنات المضبوطة للرمان المخدر القادمة من موانئ لبنانية تسيطر عليها ميليشيا "حزب الله" اللبنانية.
وسبق وكشفت معلومات استخباراتية خليجية عن شبكة تهريب للمخدرات عبر حلقة رباعية تنطلق من إيران وتمر بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، أكدت أن المخدرات التي تدخل الخليج من المصدر "إيران" ليس الهدف منها تحقيق الربحية فقط، إذ إن اختيار دول الخليج لترويج هذه التجارة السوداء يعني أن دول الخليج مستهدفة على كل الأصعدة.
وقبل فترة اكتشفت أجهزة الأمن الكويتية أكبر شحنة للمخدرات في التاريخ، تتضمن حوالى أربعة ملايين حبة "كبتاغون"، وغيرها كثير من الشحنات التي استهدفت السعودية تحديداً.
ومنتصف العام الجاري، اعترضت قوة من حرس السواحل الأميركي في خليج عمان قارب صيد يحمل 310 كيلوغرامات من مادة الهيروين المخدرة، تصل قيمتها إلى 11 مليون دولار.
سوق مفتوحة
منذ مجيء الحوثيين ازدهرت تجارة المخدرات وباتت اليمن سوقاً مفتوحة للممنوعات على نحو لافت غير مسبوق.
الحكومة اليمنية الشرعية، قالت إن تهريب المخدرات والاتجار بها مرتبط بشكل وثيق بميليشيا الحوثي. إذ تؤكد ضلوع قيادة الجماعة في تهريب المخدرات بأنواعها والمتاجرة بها وتسهيل مرورها بكميات كبيرة، منها ما نجح في الوصول إلى أيدي الميليشيا، ومنها ما صود وأتلف، حيث تمكنت الأجهزة الأمنية في محافظتي مأرب والجوف (شرق) من إحباط محاولات عديدة لتهريب كميات كبيرة من المخدرات والحشيش التي كانت في طريقها لميليشيات الحوثي في العاصمة صنعاء.
وتكرر حديث الشرعية عن استخدام الحوثيين تجارة وتهريب المخدرات كأحد مصادر الدخل الضخمة التي تعتمد عليها لتمويل حروبها وإثراء قادتها ومشرفيها.
آخر أساليب التمويل
عن الجدوى المالية من الاتجار بالمخدرات في ظل محيط يمتلك منظمة أمنية متطورة، يقول الباحث الاقتصادي، عبدالواحد العوبلي، إن تجارة المخدرات مربحة جداً وتنتهجها العصابات والشبكات الكبرى والأنظمة القمعية كما هي الحال بالنظام الإيراني.
ويضيف "إيران في ظروف مادية صعبة واقتصادها في تدهور مطرد والعمالة منهارة وتعاني من ثورة شعبية ومشكلات داخلية، بالتالي لم تعد قادرة على تمويل الحوثي مالياً لتنفيذ مخططهم المرسوم في اليمن، ولكنهم لا يزالون قادرين على تنشيط تهريب الممنوعات من المخدرات والأسلحة والمشتقات النفطية لتمويل حربهم ضد الشعب اليمني والجيران.
يتابع "دائماً ما يزودون ذراعهم الحوثية بكميات كبيرة من النفط التي تبيعها في السوق السوداء وتجني منها مليارات الدولارات كل عام وبسبب حالة اللا دولة تأتي المخدرات كمصدر آخر لدعم الحوثيين الذين بدورهم يهربونها إلى دول الخليج لبيعها هناك للحصول على وفرة مالية تساعدهم في حربهم وأيضاً لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بتدمير العمق القوي والفاعل في هذه الدول ممثلاً بالشباب.
وبحسب العوبلي، هذا السلوك سبق واستخدمته إيران مع "حزب الله" المتهم الأكبر بالمتاجرة بالمخدرات وإغراق السوق الخليجية بكميات هائلة منها، ولكن الأمن هناك حد كثيراً من هذه الحرب التي تهدف للإثراء السريع والضخم وإغراق الشعوب العربية بالممنوعات خدمة لمصالح إيران الهدامة.
تهديد وجودي
ونهاية العام الماضي، أعلنت الحكومة أن قوات خفر السواحل في محافظة المهرة، ضبطت سفينة تهريب على متنها ستة بحارة إيرانيين وباكستاني، وبداخلها حوالى طن من المواد المخدرة، وذلك قبالة سواحل الغيضة مركز المهرة.
كما سبق وقال وزير الداخلية، إبراهيم حيدان، إن "ميليشيات الحوثي الإرهابية تعمل على تمويل حربها على اليمنيين من الاتجار بالمخدرات وكل الأعمال الخارجة عن القانون"، شاكراً في سياق حديثه، رجال القبائل على مساندتهم جهود الأجهزة الأمنية لمحاربة عمليات التهريب ومكافحة المخدرات.
وقبل ذلك اعترضت القيادة المركزية للقوات الأميركية وقوات تحالف دعم الشرعية شحنات عدة محملة بالمخدرات قبالة السواحل اليمنية، ما يعني أن الشرعية والتحالف الداعم لها أمام تحديات جمة تضعها أمام اختبارات أمنية أخرى لا تقل خطورة عن التحديات العسكرية الوجودية.