على رغم المخاوف التي تحاصر الاقتصاد المصري في الوقت الحالي، لكن بيانات حديثة كشفت عن أن الدين الخارجي المصري سجل تراجعاً خلال الربع الثاني من العام الحالي، مسجلاً بذلك أول تراجع في حجم الديون الخارجية خلال ثمان سنوات.
ووفق البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، فقد تراجع الدين الخارجي لمصر خلال الربع الثاني من العام الحالي بأكبر وتيرة له منذ الربع الأول من عام 2015، وكشفت البيانات عن تراجع الدين الخارجي لمصر 1.33 في المئة بما يعادل نحو 2.1 مليار دولار بنهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، ليصل إلى 155.7 مليار دولار مقارنة بنحو 157.8 مليار دولار بنهاية مارس (آذار) الماضي.
وأشار "المركزي المصري" إلى أن هذا الانخفاض جاء مدفوعاً بتراجع مديونية الحكومة نحو 0.9 مليار دولار إلى 82.3 مليار دولار، ومديونية البنك المركزي بنحو مليار دولار إلى 40.9 مليار دولار، في مقابل نحو 41.9 مليار دولار.
كما تراجعت الديون متوسطة وطويلة الأجل إلى 129.1 مليار دولار في مقابل 131.4 مليار دولار، فيما زادت الديون قصيرة الأجل إلى 26.6 مليار دولار في مقابل 26.4 مليار دولار.
12.9 في المئة ارتفاع الدين على أساس سنوي
ومقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ارتفع الدين الخارجي المصري خلال الربع الثاني من العام الحالي أي خلال الفترة من أبريل (نيسان) وحتى نهاية يونيو (حزيران) الماضيين 12.9 في المئة، وفي مارس الماضي بلغ الدين الخارجي مستوى 36.4 في المئة من الناتج المحلي، بينما بلغ الدين قصير الأجل 16.7 في المئة من إجمال المديونية الخارجية.
وتوسعت مصر في الاقتراض خلال السنوات الأخيرة من أجل تمويل الموازنة العامة وبعض مشاريع البنية التحتية، وتعاني في الوقت الحالي شحاً في العملة الصعبة وارتفاعاً في أسعار السلع الأساس وتداعيات حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا، ولجأت إلى صندوق النقد من جديد للحصول على دعم مالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق للدين الخارجي لمصر أن تراجع ثلاث مرات خلال السنوات الثماني الماضية على أساس ربع سنوي، لكنه حافظ على اتجاهه الصاعد مضيفاً أكثر من 115 مليار دولار خلال تلك الفترة.
وحافظت مصر على علاقات وثيقة بأسواق الدين الدولية والمقرضين متعددي الأطراف منذ إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016، وباعت سندات بانتظام خلال تلك السنوات في الأسواق الدولية، لكنها واجهت صعوبة في إتمام هذه الخطوة خلال العام الحالي مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، مما اضطر الحكومة إلى إرجاء خطط طرح سندات اليورو.
ومنذ مارس الماضي تجري الحكومة المصرية مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض رابع من الصندوق خلال ثمان سنوات.
وفي إطار المفاوضات أعلن البنك المركزي المصري خفض قيمة الجنيه في مقابل الدولار، لتخسر العملة المصرية ما يقرب من 25 في المئة من قيمتها في مقابل نظيرتها الأميركية خلال العام الحالي.
خفض جديد لتوقعات النمو
وفي إطار المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي للمرة الثانية على التوالي خلال تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي"، ورجح الصندوق تسجيل نمو قدره 4.4 في المئة مقابل توقعات سابقة في يوليو (تموز) الماضي بنسبة نمو للعام 4.8 في المئة.
وفي أبريل (نيسان) الماضي كان الصندوق يتوقع أن تحقق مصر نمواً يبلغ 5 في المئة قبل تقليصه لاحقاً.
وفي المقابل، رفع الصندوق تقديراته لمعدل نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الماضي إلى 6.6 في المئة من مستوى توقعات سابقة عند 5.9 في المئة خلال يوليو الماضي، بعد أن أعلنت الحكومة المصرية بالفعل نمو الاقتصاد بنسبة 6.6 في المئة خلال العام المالي 2021 - 2022.
ووفق بيان قال نائب رئيس قسم أسواق المال والنقد في صندوق النقد الدولي أنطونيو جارسيا باسكال، إن البنك المركزي المصري رفع الفائدة قبل أشهر عدة، وعليه أن يستمر في هذا النهج لمواجهة التضخم.
ومنتصف الشهر الماضي دعت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا محافظي البنوك المركزية إلى التحلي بالإصرار في محاربة التضخم، معترفة بأن عدداً من الاقتصاديين كانوا مخطئين في توقعهم بتراجع التضخم، وقالت إنه إذا نجحت السياسة المالية والنقدية في كبح التضخم فقد يكون العام المقبل أقل إيلاماً، لكن إذا لم يتم ضبط السياسة المالية بشكل كاف فقد تعمل ضد السياسة النقدية، وهو ما من شأنه رفع التضخم.
ورفع الصندوق بذلك توقعاته لمتوسط معدل التضخم السنوي في مصر خلال العام المالي الحالي 2022 - 2023 من 11 في المئة كان يتوقعها في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في أبريل الماضي.
وتشهد مصر خلال الشهور الأخيرة تسجيل معدلات تضخم مرتفعة تتجاوز الـ 15 في المئة، وهي الأعلى في آخر أربع سنوات، وذلك تأثراً بعوامل عدة ناتجة من تداعيات حرب أوكرانيا وسياسة التشديد النقدي التي انتهجها عدد من البنوك المركزية العالمية هذا العام، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
واستقر معدل التضخم السنوي في مصر لإجمالي الجمهورية لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي عند المستوى نفسه في أغسطس (آب) الماضي مسجلاً 15.3 في المئة، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما صعد معدل التضخم السنوي في المدن خلال سبتمبر إلى 15 في المئة مقابل 14.6 في المئة خلال شهر أغسطس.
وفيما يستهدف البنك المركزي المصري معدل التضخم السنوي في المدن عند مستوى سبعة في المئة (بزيادة أو نقصان بنسبة اثنين في المئة) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، أشار في بيانات سابقة إلى التوقعات بارتفاع معدلات التضخم عن هذا المتوسط بشكل موقت.
كما توقع صندوق النقد الدولي استقرار معدل البطالة في السوق المصرية عند مستوى 7.3 في المئة خلال العام المالي الحالي مقارنة بالعام الماضي والسابق عليه.
ماذا لو لم تتدخل الحكومة لضبط التضخم؟
وفي الوقت نفسه قال البنك الدولي عبر تقرير حديث حول "مراجعة الإنفاق العام في مصر لقطاعات التنمية البشرية"، وعلى رأسها الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة، إن الإصلاحات الرامية إلى ضبط الأوضاع المالية العامة تصدرت الجهود التي بذلتها مصر لتحقيق استقرار بيئة الاقتصاد الكلي خلال السنوات الأخيرة، غير أن الإيرادات الضريبية لا تزال متواضعة على رغم تطبيق إصلاحات مهمة، وأنها أقل من الحد اللازم لتمويل متطلبات الإنفاق على التنمية، فضلاً عن هيمنة الضرائب غير المباشرة على هيكل الإيرادات الضريبية، فيما لا تزال مستويات تحصيل ضرائب الدخل ضعيفة.
وأوضح أن تعدد الضرائب والازدواج الضريبي على بعض الأنشطة الملموسة من ناحية، مع وجود إعفاءات وحوافز ضريبية عدة من ناحية أخرى، تتطلب مراجعة مسار توجيه النظام الضريبي وفلسفته.
وتابع التقرير أن "مستويات الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي متدنية بحسب المعايير الدولية، كما أن القيمة الحقيقية لهذا الإنفاق تتناقص تدريجياً على رغم تطلعات مصر كما هو وارد في الدستور للوصول إلى مستويات كافية من الإنفاق على التنمية البشرية".
أما في قطاع الصحة فقد أشار البنك الدولي إلى أن ضعف الإنفاق الحكومي وتناقصه أديا إلى زيادة الأعباء المالية التي تتحملها الأسر، وتمثل عدم القدرة على تحمل تلك الكلفة حاجزاً أمام الحصول على الخدمات الصحية، فالمرضى يصرفون من أموالهم الخاصة أكثر من 60 في المئة على الإنفاق الصحي، وتعد تلك النسبة من بين أعلى المعدلات عالمياً.
ورجح البنك الدولي أن تحقق مصر أعلى معدل نمو بين أهم اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عند مستوى 4.8 في المئة خلال العام المالي الحالي، وهو أفضل معدل بين أهم اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأظهر التقرير التوقعات لأهم المؤشرات الاقتصادية، إذ سجلت توقعات العجز الكلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 6.7 في المئة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في مقابل 7.3 في المئة خلال شهر أبريل 2022، بينما جاءت توقعات عجز الحساب الجاري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عند مستوى 4.1 في المئة خلال شهر أكتوبر، مقارنة بنحو خمسة في المئة خلال أبريل الماضي.
وأوضح أن التوقعات تشير إلى تحقيق مصر معدل نمو بنسبة 6.6 في المئة خلال العام المالي 2021 - 2022، وهو أعلى مما كان متوقعاً في أبريل حين بلغ 5.5 في المئة.
وأشار إلى أن متوسط معدل التضخم بلغ خلال الفترة الربع الثاني من العام الحالي متوسط 14.3 في المئة، مؤكداً أنه لولا تدخل الحكومة للسيطرة على التضخم لوصل إلى 18.4 في المئة.