بعد وقت قصير من اختتام المعرض العسكري الروسي السنوي في أغسطس (آب) الماضي، توقع ألكسندر ميخيف، رئيس وكالة تصدير الأسلحة الحكومية في البلاد، أن تنخفض عائدات صادرات الأسلحة الروسية في عام 2022 بنسبة 26 في المئة مقارنة بالعام الماضي. ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، لا تزال روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة. وسوف يتطلب الأمر انخفاضاً أكبر بكثير في الإيرادات لتغيير ذلك. ولكن أصبح من الواضح أنه منذ قرار موسكو الكارثي بغزو أوكرانيا في فبراير (شباط)، أدت حاجة الجيش الروسي إلى استبدال معداته، والعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، ومخاوف المشترين بشأن أداء المعدات الروسية في ساحة المعركة، إلى التقليل من قدرة روسيا على تصدير الأسلحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ففي الوقت الذي تهيمن فيه واشنطن على السوق العالمية الخاصة بالأسلحة المتطورة العالية التقنية، صنعت روسيا لنفسها مكاناً باعتبارها أكبر مورد في العالم للأسلحة العالية الكفاءة والفعالة من حيث الكلفة، ولكن الأقل تطوراً من الناحية التقنية التي توصف أحياناً بأنها "أسلحة جيدة غير مكلفة" Value Arms. وهي تشمل أنواعاً جديدة من المعدات السوفياتية والروسية على غرار دبابات "تي-72"، و"تي-80"، وقطع المدفعية المقطورة مثل "دي-30"، ومدافع الهاوتزر الذاتية الدفع مثل "2أس1 فوزديكا" (2S1 Gvozdika) و"2أس19" مستا (2S19 Msta)، وقاذفات الصواريخ المتعددة الذاتية الدفع مثل "بي أم-27 أوراغان" (BM-27 Uragan) و"بي أم-30 سميرتش" (BM-30 Smerch) ونظام الدفاع الصاروخي "أس-"300 (S-300) وناقلات الجنود المدرعة مثل "بي أم بي-3" (BMP-3) و"بي تي أر-70" (BTR-70).
وعلى رغم أن بلداناً ذات الدخل المنخفض مثل زيمبابوي وزامبيا وميانمار تشتري أسلحة من هذه الفئة فقط، إلا أن بلداناً أخرى ذات دخل متوسط مثل البرازيل والهند وتايلاند التي تشارك في قطاعات سوق شراء الأسلحة المتطورة العالية التقنية والثمن، تقوم بشراء إمدادات كبيرة من هذه الأسلحة غير المكلفة أيضاً. في عام 2022، بلغ إجمالي الإنفاق الدفاعي في الدول الآسيوية وأميركا اللاتينية والبلدان الأفريقية التي تشكل سوق هذا النوع من الأسلحة 246 مليار دولار أميركي.
ونظراً إلى أن الشركات الأميركية غير قادرة على المنافسة عادة في سوق الأسلحة غير الباهظة الثمن، أدت الصعوبات التي تواجهها روسيا إلى خلق فراغ، ويبدو أن الدولة التي تستعد لملئه هي الصين. سوف يكون بإمكان بكين الآن استخدام مبيعات المعدات الدفاعية، إذا تركت من دون أي رادع، لبناء علاقات أقوى مع النخب الحاكمة وتأمين قواعد أجنبية، ما قد يقيد قدرة الجيش الأميركي على المناورة في جميع أنحاء العالم. كما أن توسيع مبيعات الأسلحة الصينية من شأنه أن يقوض النفوذ الأميركي في المنافسة الجيوستراتيجية المستمرة [بين البلدين]، بيد أن هذه النتيجة ليست حتمية بعد. لا يزال هناك متسع من الوقت أمام الولايات المتحدة وحلفائها من أجل تقديم بدائل للأسلحة الروسية بأسعار معقولة بالتالي إحباط طموحات الصين.
مستعدة للسيطرة
تمتلك الصين ستاً من أكبر 25 شركة دفاعية في العالم، على رغم أن حصة الصين الحالية البالغة خمسة في المئة من سوق الأسلحة العالمية هي نسبة أقل بكثير من حصة روسيا البالغة 19 في المئة، إلا أن هذا يشير إلى قدرة الصين على توسيع حصتها السوقية، إذ إنها تتمتع بكثير من المزايا الواضحة التي يمكن أن تسمح لها بالسيطرة على سوق الأسلحة غير المكلفة.
والجدير بالذكر أن نهج الصين في التعامل مع صادرات الأسلحة يقوم على أسلوب الصفقات، فهي لا تتقيد بمخاوف بشأن حقوق الإنسان أو استقرار نظام. وفي الواقع لا تتبادل الصين الأسلحة في مقابل ربح مالي فحسب، بل أيضاً من أجل الوصول إلى موانئ الدول المتلقية ومواردها الطبيعية. على سبيل المثال من خلال إمداد فنزويلا وإيران بأسلحة غير مكلفة مثل الرادارات والصواريخ والعربات المدرعة، بشكل جزئي أمنت بكين حصولها على النفط من تلك الدول بشكل مستدام.
نهج الصين في التعامل مع صادرات الأسلحة هو أسلوب صفقات، لا تقيده مخاوف بشأن حقوق الإنسان أو استقرار النظام
وأدت تجربة الصين باعتبارها منتجاً مرخصاً إلى أنواع معينة من المعدات العسكرية الروسية إلى زيادة جذب العملاء في سوق الأسلحة غير المكلفة. على سبيل المثال بعد أن وقعت الصين وروسيا اتفاق شراكة استراتيجية في عام 1996، حصلت الأولى على ترخيص يخولها إنتاج طائراتها المقاتلة الروسية سوخوي سو 27 فلانكر بي (Su-27Sk Flanker B). وقد ساعدت مثل هذه الترتيبات في جعل الصين ثاني أكبر مورد لأنغولا ونيجيريا وأوغندا وأكبر مورد لبنغلاديش وميانمار، أي جميع الأماكن التي تمارس فيها روسيا أعمالاً مزدهرة.
وحتى قبل الصعوبات الحالية التي تواجهها روسيا، كانت الصين نوعت عروض منتجاتها، مقلدة الاستراتيجية الروسية في إنتاج بدائل ميسورة الكلفة للأسلحة الغربية العالية التقنية. وتستخدم دول جنوب صحراء أفريقيا بمعظمها أسلحة صينية، لكن المبيعات إلى المنطقة لا تشكل سوى 19 في المئة من الصادرات الصينية. في المقابل، يذهب أكثر من 75 في المئة من الصادرات الصينية إلى الدول الآسيوية، إذ بدأت الصين في توسيع شبكة الإنتاج الصناعي الخاصة بها. باكستان، على سبيل المثال، تشارك الآن في إنتاج عدد من أنظمة الأسلحة الصينية، مثل الدبابة من طراز "الخالد" (Al-Khalid) والطائرة المقاتلة "جي - إف 17 ثاندر" (JF-17 Thunder). في الآونة الأخيرة، إضافة إلى الأسلحة غير المكلفة، بدأت الصين في بيع أنظمة أسلحة أكثر تطوراً لعملاء بارزين. ففي أبريل (نيسان) الماضي، بدأت تبيع صواريخ مضادة للطائرات إلى صربيا، وبعدها في يونيو (حزيران) أبدت الأرجنتين اهتماماً بالطائرات المقاتلة "جي - إف 17". وتعد الصين الآن أكبر مصدر للطائرات من دون طيار في العالم، وقد بدأت في بيع طرازات "وينغ لونغ" (Wing Loong) و"سي أتش-4" (CH-4) للعملاء الذين اعتادوا شراء الصناعات الأميركية والفرنسية والبريطانية والروسية، وهي قائمة تتضمن دولاً متعددة من بينها مصر والعراق والأردن.
وتجدر الإشارة إلى أن تقليد الصين الطويل في الحصول على التكنولوجيا الأجنبية يمنحها أفضلية في سوق الأسلحة غير المكلفة. وفي ذلك الإطار، طرحت في عام 2006 نهجاً رسمياً يسمى "الإدخال والاستيعاب والدمج وإعادة الابتكار"، الذي يشجع الشركات الصينية على "اكتساب التكنولوجيا الأجنبية ثم 'إعادة ابتكار' تلك المنتجات للأسواق المحلية". وتقلل تلك الجهود من تكاليف التطوير، كما تساعد في تحسين جودة الأسلحة الصينية الصنع.
أما الميزة النهائية، فتتعلق بالعناصر الأرضية النادرة، وهي مجموعة من 17 معدناً بما في ذلك الإربيوم والنيوديميوم، تعتبر ضرورية لتصنيع بعض أحدث المعدات الدفاعية. ونظراً إلى أن التعدين ومعالجة العناصر الأرضية النادرة يخلف كميات كبيرة من النفايات السامة، فقد ساعدت الأنظمة البيئية المتساهلة في الصين في السيطرة على التجارة العالمية لهذه المعادن، ففرضت قيوداً على مبيعات العناصر الأرضية النادرة من أجل إكراه دول أخرى في الماضي وهددت بتقييد عمليات البيع للولايات المتحدة في عام 2019 رداً على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على البضائع الصينية. فإذا ما قامت الصين بتقييد صادرات العناصر الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، فيمكن أن يعيق هذا إنتاج الأنظمة المتطورة، بما في ذلك طائرة "أف-35" (F-35)، ناهيك عن الذخائر الموجهة والطائرات وعدد من التقنيات الأخرى التي يعتمد إنتاجها على هذه المعادن.
أخطار تهدد الولايات المتحدة
ويمكن أن تؤدي المشاركة الصينية الموسعة في سوق الأسلحة غير المكلفة إلى توسيع نطاقها الجيوسياسي مع الحد من وصول الولايات المتحدة إلى الموانئ والقواعد الأجنبية، فلقد سبق وأن استخدمت الصين مبيعات الأسلحة لتأمين حقوق إنشاء القواعد العسكرية وإعادة توجيه الحكومات المتلقية [المستلمة] بعيداً من النفوذ الأميركي. في ذلك السياق إن رفض جزر سليمان السماح بدخول السفن البحرية الأميركية والبريطانية إلى الموانئ في أغسطس الماضي، بعد بضعة أشهر فقط من توقيع اتفاق أمني مع الصين في أبريل، يمكن أن ينبئ بعصر جديد يتم فيه تحدي قدرة الولايات المتحدة على المناورة العالمية بشكل متزايد.
ومن أجل إحباط طموحات الصين في سوق الأسلحة غير المكلفة، يجب على الولايات المتحدة مساعدة شركائها في تطوير قدرات الإنتاج الخاصة بهم. في الواقع، لا تحتاج الشركات الأميركية إلى المشاركة بشكل مباشر في سوق الأسلحة غير المكلفة، ولكن يمكن للحكومة الأميركية العمل بشكل وثيق مع الدول الحليفة من أجل تلبية احتياجات تلك السوق.
وبهدف السماح للولايات المتحدة وحلفائها بالمنافسة في سوق الأسلحة غير المكلفة، على الولايات المتحدة إصلاح أجزاء من لوائح الاتجار الدولي بالأسلحة (ITAR)، وهو نظام رقابي يقيد تصدير التقنيات العسكرية. في حين تظل حماية التفوق التكنولوجي الأميركي أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى الأمن القومي، يجب على الولايات المتحدة أن تضع معايير لإنهاء العمل بـ "لوائح الاتجار الدولي بالأسلحة "من أجل تسهيل تصدير الأسلحة القديمة والسماح لشركائها بالبدء في إنتاجها. وبغية تسهيل الشراكات بين الشركات الأميركية والصناعات الدفاعية الأجنبية، يجب على الولايات المتحدة أيضاً إنشاء نظام التماس تطلب بموجبه إزالة قيود "لوائح الاتجار الدولي بالأسلحة" على المنتجات الفردية. واستطراداً، فإن التعامل الأميركي مع الشركات المصنعة الحليفة يسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بوجودها في سوق الأسلحة غير المكلفة عندما تكون المشاركة المباشرة صعبة. ويمكن أن تساهم إصلاحات "لوائح الاتجار الدولي بالأسلحة" المستهدفة في تسهيل إنشاء تحالف يضم الدول المنتجة للأسلحة التي تتفوق على الصين في سوق الأسلحة غير المكلفة.
من أجل إحباط طموحات الصين في سوق الأسلحة القيمة، يجب على الولايات المتحدة مساعدة شركائها في تطوير قدرات الإنتاج الخاصة بهم
كذلك، ينبغي أن تقدم الولايات المتحدة الحوافز، كخفض الضرائب أو إلغائها، للشركات الأميركية من أجل تشجيعها على المشاركة في إنتاج أسلحة عالية الجودة وبأسعار معقولة مع البلدان الشريكة. في ذلك الإطار، يمكن للولايات المتحدة العمل مع كوريا الجنوبية والهند على تحسين الطائرات النفاثة التدريبية والمقاتلة الخفيفة من طراز "غولدن إيغل" (Golden Eagle) و"تيجاس" (Tejas)، ومدافع الهاوتزر "كاي9 ثندر" (K9 Thunder) الكورية الجنوبية، والدبابة الهندية الخفيفة من أجل سوق الأسلحة غير المكلفة.
واستكمالاً، حري بالولايات المتحدة أن تدعم بنشاط مشاركة الشركات الأميركية في سوق الأسلحة غير الباهظة الثمن. ففي عام 2018 على سبيل المثال قررت وزارة الدفاع عدم شراء الطائرة المقاتلة "سكوربيون" (Scorpion) التابعة لشركة "تيكسترون" (Textron)، وهي طائرة نفاثة مصممة للقيام بعمليات هجوم خفيفة ومراقبة مسلحة. عندما توقفت القوات الجوية الأميركية عن العمل على تصريح استخدامها، أظهرت واشنطن عن غير قصد عدم كفاءة الطائرة، الأمر الذي أدى على الأرجح إلى إبعاد العملاء الدوليين. على رغم أنه قيل إن البنتاغون أراد طائرة ذات دعم توربيني يمكن شراؤها بثمن أقل، إلا أن تشغيل طائرة سكوربيون لم يكن مكلفاً نسبياً وكانت على الأرجح قادرة على المنافسة في سوق الأسلحة غير المكلفة. في هذه الحالة وفي حالات أخرى، كان من المفيد لو منحت حكومة الولايات المتحدة تصريحاً بالطيران لطائرة "سكوربيون"، ولو أسدت وزارة التجارة للحكومات الأجنبية نصيحة باستخدامها.
إضافة إلى ذلك، ستعمل مشاركة الولايات المتحدة في سوق الأسلحة غير المكلفة أيضاً على تعزيز سلسلة التوريد الخاصة بها وقاعدتها الصناعية من خلال دعم صناعات الشركاء، وتنويع الموردين الأميركيين، والتعاون سياسياً مع المستوردين في تلك السوق. في عام 2022، قامت جمعية الدفاع الوطني الصناعية (National Defense Industrial Association)، وهي جمعية تجارية لمقاولي الدفاع الأميركيين، بتصنيف القاعدة الصناعية الأميركية على أنها غير مرضية للمرة الأولى. وتم إلقاء اللوم في ذلك على عدد من العوامل، على غرار اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن جائحة كورونا، ونقص العمالة الماهرة، وهشاشة التزام الكونغرس بالموازنة، ونقاط الضعف المتعلقة بالأمن السيبراني. إذاً، ستعمل الإصلاحات المقترحة أعلاه على تسهيل صمود القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية، وتقوية الحلفاء، ومواجهة التوسع الصيني.
إن قبضة الصين المتزايدة على سوق الأسلحة غير المكلفة [الرخيصة وغير الباهظة الثمن] ستسمح لها بتحدي المصالح الأميركية من خلال زيادة وصول الصين إلى النخب السياسية في الجزء الجنوبي من العالم، وتوسيع حق الوصول العسكري لجيشها عبر القواعد ومنشآت الموانئ، وتحسين الصناعة الدفاعية. لكن ومن خلال تعميق التعاون الصناعي مع حلفائها وتشجيعهم على الانضمام إلى سوق الأسلحة غير المكلفة، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على التفوق الاستراتيجي على منافستها الرئيسة فحسب، بل ستتمكن أيضاً من تعزيز الروابط مع أصدقائها.
*فاسابجيت بانيرجي أستاذ مشارك في العلوم السياسية بجامعة ولاية ميسيسيبي ومؤلف كتاب "التراجع عن الثورة: مقارنة تخريب النخبة لتمرد الفلاحين".
**بنجامين تكاش هو أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة ولاية ميسيسيبي ومؤلف كتاب "تعاقد العمليات الخاصة: مقاربات القرن الحادي والعشرين لاكتساب الخدمات والتكنولوجيا".
مترجم من فورين أفيرز، تشرين الأول (أكتوبر) 2022