وسط آمال عربية معقودة على وثيقة "إعلان الجزائر" المنبثقة عن مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية، اعتبرت القوى السياسية والفصائل أن اتفاق المصالحة الوطنية الموقع يعد "إنجازاً تاريخياً"، لكن على رغم هذا التفاؤل الكبير، فإن هناك كثيراً من العقبات الحقيقية أمام هذا الاتفاق بين حركتي "فتح" و"حماس".
وخلصت الجزائر التي صاغت بنفسها اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تعمل عليه منذ أشهر عدة إلى التوصل لوثيقة مبادئ أساسية يجب أن تنفذها جميع القوى السياسية، وبموجبها ينتهي الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس". وتضمن "إعلان الجزائر" تسعة بنود أساسية، لكن لم يشمل الاتفاق آليات تنفيذ وتطبيق فعلي يجري على أرض الواقع.
اتفاق من دون آليات تنفيذ
عدم التوصل إلى آليات واضحة في تنفيذ اتفاق المصالحة، قد يفتح الباب مرة جديدة للتناحر بين الفصائل الفلسطينية ويزيد من الانشقاق الذي يمزق القضية الفلسطينية، ويفرغ الوثيقة من مضمونها، وبهذا يرى مراقبون سياسيون أن المجتمع الفلسطيني قد خسر حاضنته العربية التي منحته فرصاً كثيرة على مدار 15 عاماً، ولا تزال تحافظ على دعمها المتواصل للقضية على رغم الانقسام.
وعقب بدء مغادرة الفصائل الفلسطينية الجزائر بدأت الحديث عن نقاط الخلاف في الاتفاق الأخير، وتحذر من عدم التزام حركتي "فتح" و"حماس" في تطبيقه أو التهرب منه ووضع عقبات أمام تنفيذ بنوده التي تهدف فعلياً إلى إنهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حول ذلك، يقول عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية ماهر مزهر الذي شارك في حوارات الجزائر، إن عدم إيجاد خطوات عملية لتنفيذ وثيقة المصالحة ووثيقة إعلان الجزائر، يجعل الاتفاق عرضة للانهيار، منوهاً بأن الأزمة التي يخشى منها جميع الأحزاب هي أن تكون حركتا "فتح" و"حماس" غير جادتين، لذلك يجب أن يكون الجميع صادقاً للتغلب على الفئوية الحزبية، وأن يجري العمل من خلال خطوات عملية حقيقية لتقديم ما هو جديد لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة هذه المرة.
بينما رأى عضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض أن اتفاق الجزائر الذي لا يتضمن تشكيل حكومة موحدة تعمل على توحيد المؤسسات الرسمية وتحضر لإجراء انتخابات، يعد مراوغة من حركتي "فتح" و"حماس"، ويدلل على عدم جدية الفصيلين في إنهاء الانقسام، وهذا الاتفاق سيكون مجرد ذر للرماد في العيون فقط.
حذف حكومة وحدة وطنية
وفي التفاصيل، فقد بدأت الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" في لقاءات حوار "إعلان الجزائر"، إذ اختلفا حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، فالأولى تريدها تعترف بقرارات الشرعية الدولية، بينما "حماس" ترفض ذلك، ولحل الأزمة قررت الجزائر إزالة هذا البند من الاتفاق.
يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، إن "تعديلات جرت على المسودة الجزائرية في آخر لحظة، أبرزها حذف البند المخصص لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بسبب الاختلاف حول تبني مفهوم الشرعية الدولية".
وحذرت الجبهة الديمقراطية حركتي "حماس" و"فتح" من ذلك. يقول عضو اللجنة المركزية فيها وسام زغبر، إن إلغاء البند الذي ينص على تشكيل حكومة وحدة يدلل على النظرة الفئوية الضيقة بين "فتح" و"حماس"، وحذف هذا البند سيضيع فرصة ثمينة على الشعب الفلسطيني، وهو ما قد لا يتكرر في المستقبل القريب لتقديم الدعم العربي، لذلك على الأطراف إعادة النظر في ذلك الأمر.
نقاط الخلاف
وفيما يخص البند السادس في وثيقة "إعلان الجزائر" الذي ينص على إجراء انتخابات تشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد أدخل عليه تعديلات عدة، حتى أصبحت صياغته الأخيرة "الإسراع في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس، مع تحديد مدة زمنية لا تزيد على عام من توقيع هذا الإعلان"، من دون تحديد آليات إجراء الاقتراع في القدس الشرقية والحلول إن رفضت إسرائيل ذلك الأمر.
يقول أستاذ العلوم السياسية أيمن الرقب، إن إعلان الجزائر فيه كثير من الغموض، وحذف بند تشكيل حكومة وحدة وطنية يعقده أكثر، إذ كيف سيجري التحضير للانتخابات دون حكومة تعمل في الأراضي الفلسطينية، وكيف سيجري توحيد مؤسسات السلطة في غزة والضفة من دون هذه الحكومة، مستدركاً "عدم وجود هذا البند يعني عدم جدية الفصائل في إنهاء الانقسام".
ويضيف "العقبة الثانية أمام الاتفاق أن إجراء عملية اقتراع في القدس الشرقية أمر غير ممكن، فهي الآن خاضعة تحت السيطرة الإسرائيلية التي ترفض تنفيذ هذه الخطوة، لذلك من الضروري إيجاد حلول عملية، وكان يجب تضمينها في الاتفاق، ومن دون العمل على ذلك فإن وثيقة المصالحة لن تنجح".
ويتابع "العقبة الثالثة أمام الاتفاق أن الجزائر تكفلت بحل أزمة موظفي (حماس) الحكوميين، وهذا الأمر يعد أصعب نقاط الخلاف مع (فتح)، ولا يوجد له حل فعلي أو جذري، لذلك من الضروري أن يكون هناك خطوات حقيقية من الفصيلين لإيجاد آليات لدمج العاملين الحكوميين، ومن دون تحقيق ذلك لن تنجح المصالحة".
ويشير الرقب إلى أن العبقة الرابعة تتمثل في الارتباطات الإقليمية والدولية لبعض الفصائل التي من شأنها أن تدمر أي اتفاق مصالحة، ولم تتعهد "فتح" ولا "حماس" في تجنب التدخلات الخارجية أثناء تنفيذ الاتفاق، لذلك نرى أن المجتمع الفلسطيني غير متفائل، ولديه خوف كبير من خسارة العمق العربي الذي تعهد دعم القضية الفلسطينية.
تفاؤل "حماس" و"فتح"
لكن على رغم هذه العقبات التي تراها فصائل ومراقبون سياسيون ويحذر الجميع من عدم تجاوزها، فإن حركتي "فتح" و"حماس" بدا التفاؤل عليهما، وأكدا في أكثر من مرة أنهما يعملان بشكل حقيقي لكسب الفرصة العربية الممنوحة لهما.
ومن جهة "حماس"، يقول عضو المكتب السياسي فيها موسى أبو مرزوق "لدينا آمال كبيرة على الالتزام بالاتفاق والتطبيق العملي هو الاختبار الحقيقي، ونحن جادون على تطبيق كل ما ورد في إعلان الجزائر، والمطلوب من الرئيس محمود عباس أن يلتزم بما تم التوقيع عليه، والبدء الفعلي في تطبيقه، كما أننا قدمنا مرونة كبيرة للوصول إلى ذلك".
أما حركة "فتح"، فقد تعهد المتحدث باسمها جمال نزال أن يتحول اتفاق الجزائر من حبر على ورق إلى واقع عملي، حتى يكسب الفلسطينيون ما تعهده العرب من دعم إذا ما جرى إنهاء الانقسام السياسي مع "حماس".
ويقول نزال إن "وضع القضية الفلسطينية على قمة سلم الأولويات العربية يعطي حركتنا دفعة إلى الأمام لتطبيق ما جرى الاتفاق عليه، وما دمنا نثق في النيات العربية التي ستسهم في تنفيذ المصالحة فإن هذا يدفعنا للعمل بشكل حقيقي حتى يكتب النجاح لنا، على رغم وجود عقبات ومخاوف من تعثر سير الاتفاق في غزة.