تنامت نداءات جمعيات ومهنيين لتعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب، في خضم تسجيل نقص فادح في عدد المتبرعين مما يفضي إلى ارتفاع وفيات المرضى.
ويعزو مراقبون ضعف ثقافة التبرع إلى عوامل رئيسة منها دوافع ثقافية واجتماعية وقانونية أيضاً، بينما يرى آخرون أن السبب الحقيقي هو ضعف التواصل مع المواطنين لشرح فوائد التبرع الذي يمكن أن ينقذ حيوات عديد من المرضى والمصابين.
أرقام مخجلة
وتفيد أرقام غير رسمية كشفت عنها رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلى آمال بورقية، أن 1200 شخصاً فقط هو عدد المسجلين في سجلات التبرع بعد وفاتهم بالأعضاء والأنسجة البشرية في المحاكم الابتدائية بالمغرب.
وكمثال على ضعف عملية التبرع وزرع الأعضاء البشرية، أشار المصدر نفسه إلى أن عدد الأشخاص المتبرعين بالكلى في حياتهم بلغ 610 أشخاص، في وقت وصل عدد مرضى الفشل الكلوي إلى 34 ألف مريض عام 2022.
وطالبت الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلى بضرورة تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب عبر محورين، الأول إجراء حملات تواصلية لتغيير العقلية الاجتماعية ذات الرواسب الثقافية والمعتقدات الدينية المرتبطة بالتبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة، والثاني وفق المصدر ذاته، يتمثل في تغيير الترسانة القانونية من أجل دفع المواطنين إلى التبرع بأعضائهم البشرية بطريقة أكبر لإنقاذ كثير من المرضى.
وعلى رغم التطور الطبي والتكنولوجي في عدد من المستشفيات المغربية، فإن عدد المتبرعين بالأعضاء البشرية لا يزال ضعيفاً إلى درجة وصف بورقية هذا الواقع بـ"المخجل"، مما يستدعي إطلاق نقاش مجتمعي لبحث الطرق الكفيلة بحث المغاربة على التبرع بالأعضاء.
فقدان الثقة
ويعزو الباحث في السياسات الصحية الطيب حمضي ضعف التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب إلى "اعتبارات ثقافية وتخوف المواطنين ومنها ما هو مقبول ومنها ما هو غير مبني على أي أساس، فضلاً عن أسباب قانونية.
ويرى حمضي في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أنه في ما يخص الاعتبارات الثقافية لا توجد توعية كافية في المجتمع المغربي لهذا النوع من التبرع، مردفاً أنه "في مثال التبرع بالدم وعلى رغم أنه أسهل وليست فيه إشكالات، غير أنه في المغرب يوجد فقط 10 متبرعين من كل 1000مواطن، بينما في الدول المتقدمة يوجد 40 متبرعاً بين كل 100 مواطن".
وأما في ما يخص تخوف الناس فقال حمضي إنها تخوفات تظل مفهومة لكنها غير مبررة، فالمواطن لا يثق في المنظومة الصحية بشكل عام، إذ يخاف من ألا تكون الظروف التي تتم فيها عملية التبرع سلمية وآمنة، ومن ثم فهو لن يقدم على التبرع بأحد أعضائه سواء خلال حياته أو بعد مماته.
تخوفات من التبرع
واسترسل الباحث، "هناك أيضاً خوف غير مشروع، فالمواطن قد يتخوف من أن يحصل تلاعب في عملية بيع أعضائه"، مبرزاً أن "المغرب لديه ترسانة قانونية صعبة جداً تمنع التلاعب بالأعضاء البشرية، إذ لم تسجل أبداً أية حالة".
وتابع حمضي أن "المغرب عرف أول قانون عام 1950 يسمح بأخذ أنسجة المتوفى في المستشفيات، وبدأ أول بنك للتبرع بقرنية العين عام 1985 من طرف جمعية معترف بها"، مضيفاً أن المغرب لديه ماض في هذا المجال لكن من دون تراكمات إيجابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت حمضي إلى أن "هناك أسباباً قانونية تقف وراء ضعف التبرع بالأعضاء البشرية"، وأنه يجب تعديل القانون المنظم للتبرع بالأعضاء البشرية، لأنه لا يسمح بالتبرع بالنسبة إلى الأحياء إلا داخل أفراد الأسرة نفسها، كما لا يسمح للقاصرين إذا احتاجوا إلى التبرع مثلاً بالنخاع العظمي.
ودعا المتحدث إلى أن يكون هناك سجل بعد التبرع، بمعنى أنه إذا أراد الشخص عدم التبرع بأعضائه فيذهب إلى المحكمة ليسجل نفسه في قائمة الرافضين للتبرع، وبالتالي إذا لم يسجل فيمكن تلقائياً الاستفادة من أعضائه الحيوية بعد موته.
وزاد حمضي أنه "في إسبانيا يسجل المواطنون في قائمة عدم المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة لأسباب أيديولوجية أو اجتماعية أو ثقافية، لكن يطبق عليهم القانون نفسه، أي أنهم لا يستفيدون من الأعضاء البشرية إذا احتاجوها خلال حياتهم".
القانون بريء
من جهته، يقول المحامي بهيئة الجديدة رشيد وهبي إن "المغرب يعتبر من الدول الأولى التي عمدت إلى إخراج قانون يتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية عام 1999، حاول به تنظيم جميع العمليات المتعلقة بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية".
واستطرد وهبي في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أن هذا القانون "حدد العقوبات الزجرية التي تنتج من خرق العمل في هذا المجال وفق الضوابط التي حددها، إذ قد تصل العقوبة في الفصل الـ (35) من هذا القانون إلى 20 سنة، إذا ما تم أخذ عضو من أعضاء شخص قاصر على قيد الحياة أو شخص راشد قيد الحياة يكون محل إجراء من إجراءات الحماية القانونية، حتى ولو تم الحصول على موافقة الشخص المعني أو ممثله القانوني".
ورداً على من يرجع ضعف التبرع إلى عوامل قانونية، أفاد وهبي بأن "القانون المغربي ليست به أية تعقيدات تعسر سبيل من يريد التبرع بأعضائه أو من يسعى إلى الاستفادة منها"، مردفاً أن هذا القانون جاء محفوفاً بحملة إعلامية بسيطة، ووقت قصير ومحدود في الزمن لم يجعل فكرة التبرع النبيلة تصل إلى الجميع".
وعزا المحامي ذاته ضعف التبرع بالأعضاء البشرية في المغرب إلى جهل معظم المغاربة بهذا القانون الذي يحفظ حقوق كل الأطراف وكرامتهم، داعياً إلى إطلاق حملة إعلامية لتشجيع المغاربة على تجريب كرم التبرع بالأعضاء يشارك فيها أطباء وعلماء دين وعائلات متبرعون متوفون يحكون تجربة التبرع ووصية المتبرع وحياة من تم التبرع له وحياته التي تحسنت بعد التبرع.
استثمار الجانب الروحاني
ولفت وهبي إلى أن السجلات الموضوعة بالمحاكم الابتدائية وتضم أسماء من قرروا التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم تظل قليلة، مضيفاً أن "جعل القانون مقر هذه السجلات في المحاكم يمكن أن يجعل كثيرين لا يرضون التوجه إليها للتبرع بأعضائهم تكاسلاً أو تبرماً من دخول المحاكم التي لا ينظر إليها من طرف المواطن المغربي دائماً بشكل إيجابي"
واقترح الباحث القانوني ذاته أن يكون مقر هذه السجلات في المستشفيات العمومية الكبيرة والمتوسطة، والنص على وجود مساعدات اجتماعية بهذه المستشفيات التي بها سجلات المتبرعين، يكونون قريبين من المرضى الذين هم في حال خطرة لا شفاء يرجى منها لكي يقنعوهم أو يقنعوا عائلاتهم بالتبرع بالأعضاء.
ويرى وهبي أن عدد المتبرعين بالأعضاء البشرية في المغرب لا يزال نادراً، وأن القانون لا دخل له في ذلك، بل إن خطط تشجيع الناس هي التي فشلت في الوصول إلى أكبر عدد من المغاربة وإقناعهم بالفكرة".
ووفق المتحدث فإن "المواطن المغربي سخي بطبعه ويمكنه أن يكرم المريض بأحد أعضائه طمعاً في كسب الحسنات ودخول الجنة، وهو جانب روحاني يمكن أن تركز عليه الدعاية للتبرع بالأعضاء لزيادة المتبرعين وإقناعهم"، مشدداً على ضرورة استثمار الموروث الديني في الحث على التبرع بالأعضاء.