عادت وفود "أوبك+" من فيينا إلى بلدانها منذ أسبوعين وما زال قرارهم بخفض حصص إنتاج النفط الذي دعموه وأكدوا إجماعهم عليه في الأيام الماضية يستأثر بمعظم التركيز في البيت الأبيض ودوائر صنع القرار في واشنطن.
ومن ضمن 23 دولة في تحالف "أوبك+" من بينها عدوان علنيان لواشنطن هما روسيا وإيران، كانت السعودية البلد الذي تلقى نصيب الأسد من الهجوم الأميركي وهو ما دفع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الذي عمل سفيراً لبلاده في واشنطن إلى التعبير عن استغرابه من الاتهامات الموجهة للسعودية بأنها تقف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا، في وقت تشكر أوكرانيا الرياض على دعمها كييف وتصويتها مع قرارات الأمم المتحدة المنددة بممارسات موسكو.
استغلال القطاع الخاص
ولا يبدو أن الحملة الشرسة التي شنها البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس الديمقراطيون على الرياض وقفت عند التصريحات الهجومية والتهديدات، فبعد أن ألقى الرئيس جو بايدن اللوم في شأن ارتفاع أسعار المنتجات التي تعمر موائد الأميركيين وتحرك سيارتهم على السعودية البعيدة منهم آلاف الأميال، يبدو أن إدارته بحثت أخيراً في خيارات أخرى غير الدبلوماسية للضغط على الرياض لتغيير موقفها، ومن بين هذه الخيارات بحسب شبكة "أن بي سي"، القطاع الخاص الأميركي، إذ كشفت الشبكة الأميركية نقلاً عن مسؤولين في واشنطن عن أن إدارة بايدن تبحث حث الشركات الأميركية على عدم تعزيز علاقاتها التجارية مع السعودية في محاولة لتغيير موقف الرياض من خفض حصص إنتاج النفط بعد فشل الضغط الدبلوماسي من دون الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وفق مسؤولين أميركيين.
وذكرت المصادر أن إدارة بايدن لن ترسل ممثلين لها إلى قمة "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أن هذه الخطوة اتخذت قبل قرار "أوبك+" وهو ما يعكس رمزيتها وعدم تأثيرها في المنتدى الذي تستضيفه السعودية سنوياً للكشف عن أبرز مشاريعها وأوضح مسؤول في الإدارة أن غياب واشنطن عن المؤتمر سببه مشكلات في الجدولة.
فات الأوان
لكن ومع ذلك من المقرر أن يكون للشركات الأميركية حضور كبير في مؤتمر "مستقبل الاستثمار" كغيرها من الشركات المدفوعة برغبتها في الاستثمار في المشاريع الكبرى التي تبنتها السعودية خلال الأعوام الماضية والتي تتنوع ما بين تطوير البنية التحتية الحالية في البلاد وبناء مدن جديدة.
وبحسب الشبكة الأميركية أقر المسؤولون الأميركيون بفوات الأوان على التأثير في إقبال رجال الأعمال وكبار التنفيذيين الأميركيين في مؤتمر هذا العام الذي يفتتح أعماله في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في الرياض.
لكن يبدو أن الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن اقتصرت على خطوات رمزية غير مؤثرة كخفض التمثيل الحكومي كما فعلت العام الماضي حين اكتفت الإدارة الديمقراطية بإرسال نائب وزير التجارة بعدما اعتادت إدارة دونالد ترمب إرسال وزير الخزانة إلى منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" وأكدت وزارة التجارة أن نائب الوزير لن يحضر النسخة الحالية من المؤتمر.
في المقابل أكد الرئيس التنفيذي لمؤسسة "مبادرة مستقبل الاستثمار" ريتشارد أتياس ترحيبهم بالجميع، بمن فيهم المسؤولون الأميركيون وقال في تصريحات لقناة "العربية" إن "علاقتنا مع الوفود الأميركية قوية، وفي غضون أيام قليلة سنرحب بوفود أميركية مكونة من 450 شخصاً، كما أن 25 في المئة من المتحدثين من الولايات المتحدة".
نفي أميركي
في غضون ذلك سارع البيت الأبيض إلى نفي تقرير "أن بي سي" الذي أثار أحاديث حول استغلال إدارة بايدن القطاع الخاص الأميركي كوسيلة للضغط على السعودية، وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أدريان واتسون إن الإدارة لم تتواصل مع الشركات الأميركية لثنيها عن مواصلة نشاطها التجاري في المملكة، مضيفة في بيان "نحن لا نتواصل مع الشركات لتقديم مثل هذه الطلبات... في كل مكان تتخذ الشركات الأميركية قراراتها الخاصة في شأن وجودها وأين تستثمر مع مراعاة مجموعة من العوامل، بما في ذلك القيود القانونية وبيئة الأعمال والمخاوف المتعلقة بالسمعة".
تهديد بخفض العلاقات
إلى ذلك نقلت الشبكة الأميركية عن مسؤول كبير في إدارة بايدن قوله إن الإدارة تخطط لخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع الرياض، واصفاً تهدئة العلاقات التي من المرجح أن تستمر حتى تعقد قيادة "أوبك+" اجتماعها المقبل في 4 ديسمبر (كانون الأول) الذي سيكون الاجتماع الوزاري الـ34 لـ"أوبك" والمنتجين المستقلين.
وتكمن أهمية الاجتماع المقبل في كونه سيعقد في اليوم الذي يسبق دخول حزمة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا حيز التنفيذ وستشمل الحزمة حظراً جزئياً على النفط الروسي وحظراً على استيراد النفط الخام الروسي من البحر، كما ستقيد العقوبات دول الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى إعادة بيع النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية.
ووصف المسؤول الأميركي اجتماع "أوبك" المقبل بأنه سيكون "اختباراً مهماً" بالنظر إلى أن "مليون برميل من النفط الروسي" ستغادر السوق نتيجة للعقوبات الأوروبية، وأضاف "نتيجة اجتماع ديسمبر ستكون محورية لمستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية".
لكن وعلى رغم مرور أسابيع على التهديدات الأميركية بخفض التعاون الدفاعي، إلا أن إدارة بايدن اكتفت حتى الآن بتصعيد لهجة خطابها من دون أن تتخذ قراراً ملموساً يضرب عمق العلاقة مع الرياض. ولم يتأثر التعاون العسكري إلا بقرارات رمزية مثل إلغاء مجموعة العمل الأميركية – الخليجية التي تختص بتعزيز التعاون الدفاعي ضد التهديدات الإيرانية.
وتحدثت "اندبندنت عربية" الأسبوع الماضي إلى مسؤوليْن أميركيين سابقين استبعدا أن تشهد العلاقة بين البلدين "تغييراً جذرياً" في الأولويات، ورجح ديفيد دي روش وهو مسؤول سابق في "البنتاغون" أن ينحصر تأثير الخلاف الحالي على التعاون العسكري في قرارات رمزية، لافتاً إلى أن التعاون العسكري بين البلدين استمر في عهد الإدارات الجمهورية والديمقراطية على مر التاريخ، حتى إدارة باراك أوباما التي كان بايدن الرجل الثاني في هرميتها.
تحت ضغط الانتخابات
ولفت مراقبون إلى وجود دوافع سياسية وراء هجوم إدارة بايدن على قرار "أوبك+" وتصعيدها ضد السعودية، بينما يحاول الرئيس الأميركي وحزبه الحفاظ على غالبيتهم في الكونغرس المهددة بارتفاع أسعار الطاقة على المستهلك الأميركي.
وكتب الباحث في مركز "بلفر" للعلوم والشؤون الدولية التابع لجامعة "هارفارد" محمد اليحيى في مقالة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" أن بايدن يريد السعودية "كبش فداء لأزمة الطاقة التي خلقها" لصرف الانتباه عن فشل إدارته في ضمان انتقال ناجح إلى الطاقة النظيفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما تتهم إدارة بايدن الرياض بدفعها "أوبك+" إلى بناء قرارها على دوافع سياسية تستهدف الولايات المتحدة وتخدم روسيا، رفض المسؤولون السعوديون تلك الاتهامات وقالت وزارة الخارجية السعودية، الخميس 13 أكتوبر (تشرين الأول)، إن "مخرجات اجتماعات أوبك+ يتم تبنيها من خلال التوافق الجماعي بين الدول الأعضاء ولا تنفرد فيها دولة من دون بقية الدول الأعضاء".
في غضون ذلك طالب النائب الجمهوري توم تيفاني رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بعقد جلسات استماع للتحقيق في ما إذا كانت إدارة بايدن انتهكت القانون بعد طلبها السعودية خفض إنتاج النفط شهراً واحداً.
فوربس يحذر بايدن
وفي خضم التصعيد الأميركي ضد الرياض والتلويح بعواقب تستهدفها بعد قرار "أوبك+"، حذر رئيس تحرير موقع "فوربس" ستيف فوربس، بايدن من تمزيق العلاقات السعودية – الأميركية، واصفاً ذلك بأنه "خطأ كبير" لأهمية المملكة في الشرق الأوسط، وقال إن إدارة بايدن يجب أن تدرك من هم "الأعداء الحقيقيون" للولايات المتحدة، مذكراً بأن "الاختيار بين إيران والسعودية ليس خياراً على الإطلاق" وأضاف "في ما يخص أوبك يجب على بايدن أن يوقف هجمات إدارته على صناعة النفط والغاز وأن يترك الولايات المتحدة مستقلة في مجال الطاقة وهو ما كان عليه الأمر قبل توليه منصبه".
معاقبة الأصدقاء ومكافأة الأعداء
الباحث الأميركي في معهد "هدسون" مايكل دوران ذهب إلى أبعد من تحذير إدارة بايدن من الإضرار بالعلاقة مع السعودية وقارن بين رد فعل واشنطن تجاه قرار "أوبك+" والدعم الإيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا وذكر ضمن مقالة في صحيفة "نيويورك بوست" أنه عندما خفضت السعودية إنتاج النفط قالت إدارة بايدن إن الرياض تقف في صف روسيا وأعلنت نيتها عن "إعادة تقييم العلاقة"، في المقابل تقف إيران بالفعل مع موسكو وتبيع لها طائرات "كاميكازي" المسيّرة التي تقتل المدنيين الأوكرانيين فيخرج البيت الأبيض بتصريح تقريباً لا يقول شيئاً.
واعتبر دوران سياسة إدارة بايدن دلالة على رغبتها في إرضاء التقدميين داخل الحزب الديمقراطي، مشيراً إلى أن الإدارة تصور سياساتها على أنها ردود عقلانية وعملية للواقع، لكنها في الحقيقة متجذرة في تفكير التيار التقدمي المتشدد في الحزب وهذا انعكس على حد رأيه في إعاقتها لصناعات الوقود الأحفوري الأميركية ورفضها الاستفادة من الاحتياطات الهائلة من النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة على رغم أن "ذلك من أبسط الطرق وأكثرها فاعلية لخفض سعر الطاقة على مستوى العالم".
وشرح الخيار الذي لجأ إليه الرئيس الأميركي، "يجب على بايدن احترام صفقة ضمنية مع التقدميين لتأخير تطوير صناعات الوقود الأحفوري الأميركية... إذا خالف الصفقة وهاجم التقدميين، فإنه سيخسر الأصوات، لكن إذا دخل في معركة السعوديين، فإنه يبقي قاعدته السياسية سعيدة. لهذه الأسباب، يعامل فريق بايدن حليفنا السعودي كعدو وعدونا الإيراني كصديق محتمل".