مع العد التنازلي لإطلاق صافرة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، يتجدد سؤال يؤرق القطريين حول ما إذا كانت الدولة الخليجية قادرة على إدارة 32 منتخباً يمثلون بلداناً مختلفة ونحو 1.2 مليون مشجع بسلام؟
بدأ السؤال للمرة الأولى عام 2010 حين أعلن جوزيف بلاتر أن الأنظار ستتجه إلى أصغر دولة تستضيف المونديال في تاريخه.
لكن مع اقتراب أبرز حدث ضمن أحداث العام 2022 على الإطلاق، تزداد على كاهل القطريين أسئلة عادة ما يقابلها المسؤولون القطريون برسائل طمأنة، ليس آخرها ما قاله أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حين وقف قائلاً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي مؤكدا "لقد تطلب التحدي الذي أقدمنا عليه منذ 12 عاماً تصميماً وعزماً حقيقيين، وكثيراً من التخطيط والعمل الجاد".
وهو الحديث الذي جاء على أرض كانت تنافس بلاده على نيل شرف الاستضافة، الولايات المتحدة، والتي لطالما شكك مسؤولوها بأحقية الدوحة في الظفر بالصفقة العالمية، ولكن في وقت مضى.
واليوم تواجه الدولة المكتنزة أرضها بالمال والغاز مصيراً تؤكد أنها ستتخطاه بكل اقتدار، إذ يقول أميرها "ها نحن اليوم نقف على أعتاب استضافة منتخبات العالم وجماهيرها، ونفتح أبوابنا لهم جميعاً من دون تمييز ليستمتعوا بكرة القدم وأجواء البطولة المفعمة بالحماسة، وليشهدوا النهضة الاقتصادية والحضارية في بلادي".
لكن الدولة التي يمثل الأجانب النسبة الأكبر من تعدادها السكاني البالغ 2.9 مليون نسمة، تواجه جملة من التحديات والانتقادات يزيدها العدد غير المسبوق الذي يتوقع أن يصل إلى 1.2 مليون زائر خلال البطولة، إذ يمثل أكثر من ثلث تعدادها السكاني.
أسئلة وتطمينات
ثمة تحديات تتنازعها أعراف "فيفا" وقيم السكان المنظمين للمونديال، مثل "إباحة الشرب المطلق" والمثلية مثلاً والجنس خارج نطاق الزواج التي تعتبر أمورا محظورة في بلد مسلم.
كل هذه الأمور وإن واجهتها البلاد بقوانين مرنة، كما يقول مسؤول قطري، إلا أنها قد تكون مبعث خوف لدى البعض.
فبعيداً من وعود القطريين واستباقاً للحدث، بدد الاتحاد الدولي لكرة القدم التكهنات بالتأكيد قائلاً إن رفع أعلام "مجتمع الميم" سيكون مسموحاً في الملاعب، وهو ما يأمل فيه السفير الأميركي لدى قطر تيمي ديفيس الذي قال إن قطر "يجب تكون أكثر تسامحاً".
مضيفاً "حين تدعو العالم للحضور فعليك أن تكون منفتحاً على العالم وأن تتحلى بالشفافية في الطريقة التي تعتني من خلالها بالزوار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمن المونديال
يبرز أيضا التحدي الأمني في البطولة، وتحسباً لأي مكروه قد يفسد عرس البلد الذي اتخذ من ثرواته قوة ناعمة من خلال شراء الأندية العالمية، بدأت الدوحة أخيراً في تنظيم تمرين عسكري شارك فيه أكثر من 13 دولة وأطلق عليه "تمرين وطن".
وقالت اللجنة المنظمة لكأس العالم إنه يأتي في إطار تأكيد الجاهزية الأمنية والاستعداد لاستضافة المونديال، إذ يعد "الأكبر من نوعه من حيث عدد الجهات العسكرية والمدنية والدول المشاركة".
قضية السكن
في جانب آخر وفي إطار التحدي المتعلق بالسكن فقد تقاسمت قطر مع جيرانها تأشيرة "هيّا"، البطاقة التي يمكن العبور بها من السعودية أو دبي نحو قطر لمشاهدة مباراة كرة القدم والعودة في اليوم نفسه.
كما يرى مراقبون أن دولاً خليجية ومنها سلطنة عمان ستنتعش فيها الحياة الاقتصادية والسياحية مدة شهر وأكثر أيضاً بفضل المونديال.
ومع وجود خيارات محدودة للإقامة والترفيه، آثر كثير من المشجعين الإقامة في دبي والسفر إلى الدوحة يوم المباراة، وهو نهج اختارته الرابطة الرسمية لمشجعي المنتخب الألماني التي حجزت 300 موقع في فندق بدبي.
ورفضت الرابطة الكشف عن عدد المشجعين الذين سيسافرون إلى قطر، ولكن حتى باحتساب الجماهير التي لا تنتمي إلى الرابطة فإن الأرقام تبدو أقل بكثير من 62 ألف ألماني اشتروا تذاكر لحضور مباريات في روسيا قبل أربع سنوات.
أما في الأحساء والخبر، المدينتين السعوديتين اللتين تقعان على مقربة من قطر، فثمة خيارات عدة لفك الخناق عن الملايين القادمين لمشاهدة آخر نسخة من نظام الـ "32 منتخباً"، إذ من المقرر زيادة عدد المنتخبات المشاركة في النسخة المقبلة إلى 48 منتخباً عام 2026 بالشراكة بين أميركا وكندا والمكسيك.
كما كشف المنظمون البريطانيون، بحسب تقارير صحافية، عن تهيئة مقار إقامة جماهير المنتخب الإنجليزي في السعودية خلال بطولة كأس العالم.
تحديات أخرى
لأن كل شيء يبدو مختلفاً في مونديال 2022، فقد جاء تغيير موعد البطولة التي عادة ما تقام في العطلات الصيفية بين يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) إلى توقيت شتاء نصف الكرة الشمالي، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة في قطر لتنتهي البطولة قبل أسبوع من أعياد الميلاد، لكنه تحد تجاوزته الدوحة بالملاعب الثمانية المجهزة بأنظمة تكييف متطورة.
ومن التحديات كذلك مواجهة قطر انتقادات من منظمات حقوقية إلى جانب منظمات غير حكومية وجهات سياسية ووسائل إعلام غربية قالت إن "حقوق العمال ليست على ما يرام"، وهي اتهامات قللت من شأنها الدوحة، كما أكدت مراراً أنها توصلت إلى إدخال تحسينات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك فرض حد أدنى للأجور وتخفيف جوانب كثيرة من نظام الكفالة الذي كان يمنح أصحاب العمل سلطات على العمال في تغيير وظائفهم وحتى مغادرتهم البلاد.
ومنذ نحو 10 أيام قادت وسائل الإعلام القطرية حملة منسقة ضد انتقادات أوروبية لقطر على خلفية سجلها الحقوقي، فاعتبرت صحيفة "الشرق" في عددها الصادر في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) أن هناك "تآمراً إعلامياً ضد أية دولة غير أوروبية تستضيف المونديال"، كما انتقدت "الحملة الإعلامية الممنهجة من طرف إعلام بعض الدول الأوروبية" في وقت يتناسى هذا الإعلام "الظروف المزرية التي يعيشها العمال في أوروبا".