تبين أن نساء الـ "نياندرتال" Neanderthal [يعتقد أن هذا الإنسان أقرب أقربائنا القدامى]، اللاتي سكن جبال سيبيريا منذ نحو 54 ألف سنة، غادرن مساكنهن كي يلتحقن بشركائهن في مجتمعات أخرى، بينما بقي الرجال في المنطقة نفسها.
ويشير تحليل لـ "الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسجين" (دي أن أي) DNA إلى أن نحو 60 في المئة أو أكثر من الإناث اللاتي كن يعشن في الكهفين "تشاجرسكايا" و"أوكلادنيكوف" الكائنين في جبال "ألتاي" في سيبيريا بروسيا، غادرن المكان كي ينضممن إلى أزواجهن مما أدى إلى بناء صلة بين هذه المجتمعات المحلية الصغيرة.
وقال الباحثون إن النتائج التي خلصوا إليها ونشرت في مجلة "نيتشر" العلمية Nature، تسهم في إلقاء الضوء على التركيبات الاجتماعية التي كانت سائدة لدى هذا الإنسان المنقرض الذي يعتبر أقرب أقربائنا القدامى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطرق إلى النتائج الدكتور بنجامين بيتر، من "معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية" في ألمانيا، وهو أحد الباحثين الذين نهضوا بالدراسة فقال إن الأخيرة "تقدم صورة ملموسة عن الشكل المحتمل لمجتمع إنسان الـ ’نياندرتال‘".
وبفضل الدراسة "يبدو البشر البدائيون أكثر إنسانية بالنسبة إليّ"، أضاف الدكتور بيتر.
فيما يعتقد أنها الدراسة الوراثية الأكبر عن إنسان الـ "نياندرتال" المعلنة حتى الآن، حلل الباحثون بيانات من بقايا 11 إنسان "نياندرتال" من كهف "تشايرسكايا" واثنين من كهف "أوكلادنيكوف".
تعود البقايا إلى سبعة ذكور وست إناث، ثمانية منهم من البالغين وخمسة من الأطفال والمراهقين الصغار.
وجد الباحثون أنه داخل مجتمعات الـ "نياندرتال" تلك كان التنوع الجيني للكروموسومات "واي" Y التي تنتقل عبر الذكور، أقل بكثير من نظيره الموجود في الحمض النووي "دي أن أي" المخزن داخل "الميتوكوندريا" mitochondrial DNA الموروث من الأمهات.
ووفق فريق البحاثة تشير هذه النتيجة إلى أن النساء كن أكثر ميلاً إلى مغادرة مجتمعاتهن مقارنة مع الرجال، ويعتقد الباحثون أنه داخل هذه المجتمعات الصغيرة المكونة من 10 إلى 30 فرداً لكل مجموعة، يحتمل أن نحو 60 في المئة من الإناث هاجرن للانضمام إلى شركائهن.
كذلك وجد الباحثون أن بعض أفراد كهف "تشاجرسكايا" كانت تربطهم علاقة قرابة وثيقة، بما في ذلك أب وابنته المراهقة، إلى جانب زوج من الأقارب من الدرجة الثانية، ربما ابن عم وعمة أو جدة.
ويشير تحليل الـ "دي أن أي" إلى أن بعضهم ربما عاش في الفترة الزمنية عينها تقريباً.
كذلك خرجت الدراسة باكتشاف آخر وصفه الباحثون بـ "المذهل"، وهو التنوع الجيني المنخفض جداً داخل مجتمع إنسان الـ "نياندرتال" الذي يكون موجوداً عادة لدى الأنواع الحية المهددة التي على وشك الانقراض.
ومع ذلك نبه الباحثون إلى أن حجم العينة التي خضعت للدراسة صغير، مؤكدين ضرورة النهوض ببحوث إضافية من أجل إلقاء مزيد من الضوء على الحياة الاجتماعية لهؤلاء الأشخاص.
إنسان الـ "نياندرتال" أو إنسان الـ "نياندرتالنسيس" neanderthalensis، عاش في شتى أنحاء أوروبا وجنوب غربي آسيا وآسيا الوسطي بين 400 ألف و40 ألف سنة مضت.
وبحسب الباحثين كان أبناء الـ "نياندرتال" الذين سكنوا كهفي "تشاجرسكايا" و"أوكلادنيكوف" يصطادون الوعل والخيول وثور البيسون وغيرها من حيوانات هاجرت عبر وديان الأنهار التي يطل عليها الكهفان.
وقد جمعوا المواد الخام لأدواتهم الحجرية من على بعد عشرات الكيلومترات من الكهفين.
وقال الباحثون إن المواد الأخرى التي شوهدت في الكهفين كليهما تدعم أيضاً البيانات الجينية التي تشير إلى أن المجموعات التي سكنت تلك المناطق جمعتها علاقة قرابة وثيقة.
© The Independent