هل يمكن أن تنشب حرب مباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة الرباط؟ سؤال بات مطروحاً بشدة بعد تنامي حدة التصريحات والتهديدات في الآونة الأخيرة بين الجانبين.
يبدو أن المغرب مر إلى السرعة القصوى في توجيه اتهامات يقول إنه يملك أدلة عليها، بشأن تسلح جبهة البوليساريو بطائرات مسيرة إيرانية، متوعداً برد قوي وصارم في حالة ما إذا استخدمت هذه الطائرات لمهاجمة مواقع مغربية في الصحراء.
تأتي هذه المستجدات في سياق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2554 الصادر قبل أيام، الذي نص على تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة "المينورسو" في الصحراء لمدة عام كامل.
كما دعم القرار جهود المبعوث الخاص للصحراء ستافان دي ميستورا لإيجاد "حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين على أساس التوافق".
المغرب يتوعد
هذه الاتهامات وعبارات الوعيد جاءت على لسان سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، الذي تحدث صراحة عن تسليح إيران لجبهة البوليساريو بطائرات من دون طيار.
وقال هلال معلقاً على ذلك في تصريحات بمقر الأمم المتحدة في نيويورك إن "هذا تطوراً خطيراً جداً"، وأوضح أن الطائرات المسيرة التي تسلح بها طهران جبهة البوليساريو تصل إلى 22 ألف دولار، ما يعني أن اقتناء طائرة واحدة من هذا النوع يكفي لتغذية 300 شخص وعلاج 500 فرد وتعليم 120 طفلاً لمدة عام كامل في مخيمات تندوف.
ووصف الدبلوماسي المغربي ما سماه تسليح إيران للجبهة بطائرات مسيرة بأنه "تحول جيوسياسي لافت يشكل منعطفاً جديداً على الصعيد العسكري"، مبرزاً أن طهران بعد أن عمدت إلى تقويض استقرار سوريا واليمن والعراق ولبنان، يأتي الدور على شمال أفريقيا لزعزعة استقرار هذه المنطقة.
وتوعد السفير المغربي لدى الأمم المتحدة جبهة البوليساريو برد صارم وقوي في حال استخدمت تلك الطائرات لمهاجمة مصالح الرباط، وقال في هذا السياق "المغرب سيرد بقوة، لكن تحديد شكل الرد متروك للقيادة العسكرية في المملكة".
غير أن الاتهامات المغربية بدعم إيران لجبهة "بوليساريو" بالسلاح والطائرات المسيرة، سبق أن نفتها طهران جملة وتفصيلاً. كذلك نفت "بوليساريو" ما يتردد حول تسليحها، واعتبرت أن هذه الادعاءات مجرد "أكاذيب ودعاية مضللة وباطلة ولا أساس لها من الصحة" وأنها "اتهامات من دون دليل" بحسب قولها، وأكدت أن "الوعيد لا يخيفها".
رد البوليساريو
في سياق متصل، ردت جبهة البوليساريو على اتهامات المغرب على لسان محمد عمار، ممثل الجبهة في الأمم المتحدة والمنسق مع بعثة "المينورسو"، الذي قال إن المختصين أثبتوا بالدليل ان مصدر صنع تلك الطائرات المسيرة هو غير ما يدعيه السفير المغربي في الأمم المتحدة.
وأبرز القيادي في الجبهة أن ما يروجه المغرب هو "دعاية مغرضة تروم إخفاء دوره الموثق توثيقاً جيداً في دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية العابرة للحدود التي تعتمد على القنب الهندي المغربي الصنع وغيره من المخدرات" وفق تعبيره.
وأضاف أن "استقواء" المغرب بأطراف خارجية ومحاولة إرضاء تلك الأطراف بنشر مثل هذا النوع من الدعايات الكاذبة، دليل على تخبط دبلوماسية المملكة وتماديها في سياستها العدوانية التي باتت تهدد أمن المنطقة واستقرارها " على حد قوله.
تجييش وتصعيد
الخبير في الشأن الاستراتيجي والعسكري محمد عصام لعروسي قال، إن التصعيد العسكري خصوصاً من جانب جبهة "البوليساريو" في الاعتماد على محور "الجزائر وإيران" وتهديدها باستخدام الطائرات المسيرة يدخل في إطار التجييش ومحاولة الضغط النفسي، كما أنه رد فعل بعد قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2554 الذي يؤكد استمرار بعثة المينورسو في الصحراء، فضلاً عن الإشارة إلى وجاهة مبادرة الحكم الذاتي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد لعروسي، لـ"اندبندنت عربية"، بأن هذا القرار يعد نجاحاً للدبلوماسية المغربية في المسار الأممي وتثبيتاً للوضع في المنطقة بانتظار جولات المبعوث الأممي دي ميستورا للبحث عن حل سياسي لنزاع الصحراء"، مردفاً أن "تهديد الجبهة بدق طبول الحرب يعد رد فعل طبيعي على قرار مجلس الأمن".
وحول ما إذا كانت ستنشب حرب بالفعل بين المغرب وجبهة البوليساريو، استبعد لعروسي ذلك بسبب وجود بعثة "المينورسو" في الصحراء، وبسبب موقف القوى الدولية الداعم بشكل أو بآخر لمقترح المغرب لحل نزاع الصحراء متمثلاً في مبادرة الحكم الذاتي.
وأشار إلى أن التهديد باستخدام طائرات مسيرة إيرانية ضد المغرب ليس سوى محاولة للتصعيد، وأن ما تروج له الجبهة من حرب وهمية لا أساس له من الصحة، لا سيما بعد سيطرة المغرب على معبر الكركرات سنة 2018، والأدوار العسكرية التي تقوم بها الرباط شرق الجدار الأمني في الصحراء، ومنع أي هجوم عسكري للبوليساريو، إلا من مناوشات فردية لا تدخل في إطار الحرب المباشرة.
الحرب المباشرة لن تقع
ويرى لعروسي أن حرباً مباشرة بين المغرب و"البوليساريو" سيناريو مستبعد على رغم أن الجبهة تحاول الدفع بهذا الخيار أكثر من مرة، جراء عدم قدرتها على فرض إيقاعها والترويج لمطلب الانفصال في أفريقيا والعالم.
وقال إن هذا التراجع يقابله المغرب بعديد من المبادرات على المستوى الإقليمي، خصوصاً الربط بين قضية الوحدة الترابية ومسألة الانفصال في منطقة الساحل جنوب الصحراء المعروفة بهشاشتها، كونها خاصرة ضعيفة للقارة الأفريقية.
ولفت لعروسي إلى أن البوليساريو لا تملك من الإمكانات والقدرات العسكرية ما تستطيع به مجابهة الجيش المغربي النظامي المؤهل بعديد من العتاد والأسلحة المتطورة، التي اقتناها بموجب صفقات مع أميركا وإسرائيل لتعزيز قدراته الدفاعية والهجومية.
وخلص المتحدث إلى أنه بسبب الاعتبارات الإقليمية والدولية، وأيضاً لكسب المغرب عديداً من الدول المؤيدة لحل الحكم الذاتي في الصحراء، ولاعتبارات عسكرية واستخباراتية، فضلاً عن عدم رضا واشنطن عن وجود الجزائر ضمن محور "روسيا وإيران"، فإنه من المستبعد نشوب أي حرب مباشرة بين المغرب والجبهة.
سيناريو الحرب
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة (شرق) خالد شيات، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن مجرد حصول جبهة البوليساريو على طائرات مسيرة هو أمر يثير تساؤلات استراتيجية.
وشدد شيات على أن "الجبهة بمثل هذ التسلح لم تعد جماعة تحررية كما تدعي، بل جماعة عسكرية تخدم أجندة إقليمية ودولية"، كانت في الماضي تستخدم صواريخ يوغوسلافية وكوبية وكورية شمالية، واليوم انكشفت الأوراق أكثر بحصولها على مسيرات إيرانية.
وأضاف أن دخول إيران على خط الصراع في شمال أفريقيا هو دخول استراتيجي رهيب جداً يدفع بالمنطقة إلى تحولات كبيرة، إذ لم يعد الصراع قائماً فقط على المستوى الإقليمي بين المغرب والجزائر، بل أضحت هناك رهانات إقليمية ودولية على مستوى أوسع".
ويرى شيات أن هناك خطراً بشأن تدويل الصراع بين المغرب والجزائر، تدخل فيه أطراف متعددة بما فيها إيران و"حزب الله" اللبناني الشيعي، وصبغته بطابع عقائدي ومذهبي في الأمدين المتوسط والبعيد.
وذهب الأستاذ الجامعي إلى أن "المسيرات الإيرانية في الحرب الأوكرانية تم استخدامها من طرف روسيا لاستهداف منشآت اقتصادية"، مشيراً إلى أن "البوليساريو تمهد لهذا الأمر أيضاً من خلال التهديد بضرب الاستثمارات الأجنبية ومواقع ذات طبيعة إنتاجية واقتصادية في المناطق الجنوبية".
واعتبر المتحدث أن للمغرب القدرة على التعامل مع هذه "المسيرات الحربية" التي تكون لها تأثيرات تخريبية على منشآت مدنية وطاقية واقتصادية، مردفاً أن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير سيدفع جبهة البوليساريو للهروب إلى الأمام، ما قد ينذر ببداية حرب شاملة.
وزاد شيات بأن المغرب سيعتبر الهجوم بهذه الكيفية هجوماً إقليمياً ببعد دولي يشمل إيران بالخصوص، كما أنه سيضطر للتعامل بشكل قوي وفعال ومناسب مع تحول الحرب في هذا الاتجاه، مع سعيه الدائم نحو حل سلمي متوافق عليه وقابل للتنزيل بخصوص قضية الصحراء المفتعلة هذه.