بين وطأة الأزمات السياسية وضعف الرعاية الصحية، يعيش مواطنو دول عربية عدة معاناة مع أمراض وبائية، أبرزها الكوليرا الذي أصاب المئات في لبنان بعدما ظهر في سوريا والعراق واليمن، خلال الأشهر الماضية، ما خلّف مئات المصابين وأدى لوفاة العشرات.
في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عاد مرض الكوليرا ليضرب لبنان، للمرة الأولى منذ عام 1993، وحتى 29 من الشهر نفسه، بلغت حصيلة الإصابات 371 شخصاً إضافة إلى 16 وفاة، ومعظم الحالات في مخيمات إقامة اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية التي يقطنها نحو مليون سوري هربوا إلى لبنان للنجاة من الصراع والحرب الأهلية في بلادهم، بحسب تصريحات سابقة لوزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال في لبنان فراس الأبيض.
الأزمة الاقتصادية
وأكد الوزير اللبناني أن وزارته تقوم بجهود كبيرة لمواجهة انتشار وباء الكوليرا، مشيراً إلى تلقي بلاده وعداً بتأمين اللقاح المضاد للمرض خلال أيام، كما لفت إلى دور الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ ثلاث سنوات في ظهور الوباء، باعتبار أن المياه في خطوط الأنابيب العامة، ليست فقط الموجودة في المخيمات، غير صالحة للشرب من دون معالجة، بينما لا يوجد وقود كافٍ لتشغيل محطات تنقية المياه التابعة للحكومة، في ظل عدم توفر الموارد المالية اللازمة، كما أن تكرار انقطاع الكهرباء وبقاء المياه في محطات التنقية راكدة يعرضها للتلوث.
وكانت الإصابات قد بدأت في شمال لبنان ثم في شرقه، بخاصة في مخيمات النازحين السوريين، قبل أن تتسارع وتيرة الإصابات وتنتقل العدوى عبر المياه والخضراوات الملوثة لتصيب اللبنانيين والسوريين.
وأهدت فرنسا لبنان حوالى 14 ألف جرعة لقاح لوباء الكوليرا ضمن الدفعة الأولى من إحدى شركات الدواء الفرنسية، وبدعم من حكومة باريس، وفق وزير الصحة اللبناني الذي أشار إلى أن الأولوية في التطعيم ستكون للعاملين في القطاع الصحي والأماكن الأكثر تأثراً بالوباء والمكتظة، في وقت أعلنت سفيرة فرنسا لدى بيروت آن غريو أن بلادها ستدعم مشاريع أخرى مثل فحص مياه المدارس للمساعدة على مكافحة المرض.
المياه الملوثة
ووفق وزير الصحة اللبناني، فإن المياه الملوثة هي المصدر الأساس لانتشار الوباء، سواء المستخدمة في البيوت أو مخيمات اللاجئين، وكذلك في ينابيع مياه، إضافة لاستخدام مياه ملوثة لري خضراوات، إلى جانب المخالطة وعدم الالتزام بتعاليم النظافة الشخصية مثل غسل اليدين، مؤكداً أن مستشفيات الدولة وكذلك الخاصة تعمل على استقبال المرضى ومواجهة الأزمة الصحية، لكنه دعا جهات الدولة للتكاتف وتوفير الكهرباء للمساعدة في وقف مصادر انتشار الوباء.
والكوليرا مرض بكتيري ينتقل عادة من المياه أو الطعام أو مياه الصرف الصحي الملوثة، ويسبب إسهالاً وجفافاً شديدين قد يؤديان للوفاة في حال عدم التدخل الطبي العاجل. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الكوليرا يمكن أن تقتل المصابين بها في غضون ساعات إذا لم يتلقوا العلاج لأن معظم من تنتقل إليهم تظهر عليهم أعراض خفيفة أو لا تظهر عليهم أي أعراض.
المصدر سوريا
ظهور الكوليرا بين اللاجئين السوريين في لبنان سبقه انتشار المرض في الأراضي السورية منذ مطلع سبتمبر (أيلول)، حيث أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" بوصول عدد المصابين إلى 13 ألفاً إضافة إلى 60 وفاة حتى 14 أكتوبر الماضي. وذكرت الأمم المتحدة، في بداية ظهور الوباء، أنه مرتبط بالمياه الملوثة قرب نهر الفرات، لكنه انتشر في مختلف أنحاء سوريا، وسجلت في مناطق يسيطر النظام السوري وأخرى تحت حكم قوى المعارضة.
وأشارت "أطباء بلا حدود" إلى أن التفشي هو الأول منذ عام 2007، لافتة إلى أن الصراع المستمر منذ 2011 قوّض بشكل كبير قدرة المواطنين السوريين على الوصول إلى الرعاية الصحية وخدمات المياه والصرف الصحي، بخاصة مع نقص التمويل وضعف إمكانات القطاع الطبي.
وسارعت المنظمات الدولية إلى دعم القطاع الصحي في سوريا بهدف تجنب السيناريو الأسوأ، وأرسلت منظمة الصحة العالمية طائرتين محملتين بعشرات الأطنان من الإمدادات الطبية إلى دمشق. ووصف المدير الإقليمي للمنظمة أحمد المنظري انتشار الكوليرا بـ"التهديد لسوريا والمنطقة والعالم"، وأضاف في تصريحات صحافية أن 55 في المئة من مرافق الرعاية الصحية لا تعمل، في وقت 30 في المئة من المستشفيات لا تعمل أحياناً بسبب نقص الكهرباء، ويضاف لذلك نقص الكوادر الطبية بسبب مغادرة كثير منها في السنوات الأخيرة الماضية.
انعدام المياه
إضافة للكوليرا، أدى انقطاع المياه أو محدوديتها في مخيمات النازحين السوريين شمال غربي البلاد إلى الإبلاغ عن أمراض جلدية وحالات تسمم والتهابات في الأمعاء، وسط غياب معونات المنظمات الإنسانية التي أوقفت دعمها المخيمات بالمياه النظيفة، إلى جانب ارتفاع سعر صهاريج المياه وعدم قدرة الأسر على دفع ثمنها، ما اضطرهم للجوء إلى المجاري المائية التي غالباً ما تكون ملوثة بمياه الصرف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر بيان لفريق "منسقو استجابة سوريا" أن سكان أكثر من 658 مخيماً للنازحين يعانون انعدام المياه، بعد توقف دعمهم من جانب المنظمات الإنسانية العاملة بالمنطقة، كما أن 63 في المئة من المخيمات تشهد انتشاراً للصرف الصحي المكشوف وقلة عدد دورات المياه.
وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" قد حذرت، في أكتوبر من العام الماضي، من مغبة نقص المياه في مناطق اللاجئين السوريين، وأشارت في تقرير في ذلك الوقت إلى أن خفض التمويل دفع كثيراً من المنظمات الإغاثية العاملة في مناطق شمال غربي سوريا إلى وقف نقل المياه بالشاحنات إلى عدد من المخيمات. وأشارت المنظمة إلى زيادة الأمراض المنقولة عبر المياه بنسبة 47 في المئة بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2021، لافتة إلى زيادة شديدة في حالات الجرب المتكررة والإسهال المائي الحاد.
معاناة اليمنيين
وفي اليمن، عاد وباء الكوليرا للظهور عام 2017، في ظل تردي الأوضاع الصحية بخاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وحتى منتصف عام 2021 كان قد تم تسجيل نحو 2.5 حالة اشتباه.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية حال الاستعداد لمواجهة الأمراض، بخاصة تلك المنقولة عبر المياه والنواقل مثل الملاريا والكوليرا، ووسعت المنظمة نطاق عملها على إثر الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في أغسطس.
وبالتزامن مع ذلك، نقلت تقارير إعلامية تحذيرات أطباء في صنعاء من تداعيات تراكم مياه الأمطار ومجاري الصرف الصحي وتكدس القمامة، ما قد يساهم في انتشار الأمراض، في ظل تهالك شبكة الصرف الصحي منذ استيلاء الحوثيين على السلطة.
شلل الأطفال
كذلك، عاد مرض شلل الأطفال للظهور في اليمن عام 2019 بعد 10 سنوات من القضاء عليه، بعدما ظهرت إصابة واحدة في محافظة صعدة التي يسيطر عليها الحوثيون، وبلغت الإصابات نحو 830 حالة في أول ثمانية أشهر من العام الجاري، وفق اعتراف الحوثيين، في وقت حذر وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني من تضييق الحوثي على حملات التطعيم، وحمل الجماعة المسؤولية عن تفشي تلك الأمراض. كما قال وزير الصحة في الحكومة الشرعية قاسم بحبيح، إن الحوثيين مسؤولون عن تفشي الإصابات بسبب رفضهم دخول لقاحات شلل الأطفال للمناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ونتيجة ضعف مستوى الرعاية الصحية في اليمن لا يزال عديد من مسببات الأمراض المعدية عالية الخطورة مستوطناً في اليمن، ويستمر في تشكيل تهديد للصحة العامة للسكان. وتُظهر بيانات منظمة الصحة العالمية، لعام 2020، أن الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا هي من أكثر الأمراض انتشاراً في اليمن إضافة إلى فيروس كورونا ما أدى إلى ارتفاع معدلات الاعتلال والوفيات بين السكان.