تحت هذا العنوان، اعتبر المعلق البارز توماس فريدمان في مقالة في "نيويورك تايمز" أن عام 2022 تاريخي بامتياز جراء التداعيات المترتبة على أربعة تطورات: أولاً، تضعضع اقتصاد بريطانيا بسبب خروجها "المتهور" من الاتحاد الأوروبي، وثانياً، فك ارتباط روسيا بالغرب بسبب محاولة الرئيس فلاديمير بوتين "المجنونة" محو أوكرانيا عن الخريطة، وثالثاً، "العدوى" التي ألمت بالحزب الجمهوري الأميركي إثر تصديق "الكذبة الكبرى" التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترمب حول سرقة الانتخابات الرئاسية، ورابعاً، سعي الصين بقيادة الرئيس شي جينبينغ إلى طي صفحة أربعة عقود من تكامل الاقتصاد الصيني مع الغرب. وكتب يقول إن ترجيح أي تطور هو الأهم من بين هذه التطورات الأربعة صعب، لكنه اختار التطور الرابع.
وقال: "شهدنا أربعة عقود من التكامل الاقتصادي الأميركي الصيني الذي أفاد في شكل كبير المستهلكين الأميركيين. لقد أتاح فرص تصدير لبعض الأميركيين وأصاب بالبطالة بعضهم الآخر، وفق القطاع الذي كانوا يعملون فيه. وساعد في إخراج مئات الملايين من الصينيين من الفقر المدقع. وروض التضخم وأسهم في الحؤول دون نشوب أي حروب بين القوى العظمى. وفي شكل عام سيفتقد العالم هذه المرحلة بعد أفولها الآن، لأن عالمنا سيكون أقل ازدهاراً وأقل تكاملاً وأقل استقراراً على الصعيد الجيوسياسي". ولفت إلى أن استطلاعاً أجراه مركز بيو للبحوث في أكتوبر (تشرين الأول) أظهر أن 80 في المئة من الأميركيين ينظرون نظرة غير إيجابية إلى الصين، مقارنة بـ40 في المئة عام 2012.
وكتب فريدمان في "نيويورك تايمز" يقول: "لو كانت حكومة ديمقراطية تحكم الصين، لا بد من أن أحدهم هناك كان ليسأل اليوم: ’ كيف خسرنا أميركا؟‘". وأشار إلى أن أميركا منذ الحرب العالمية الثانية لم تواجه منافساً على المستوى الجيو سياسي يضاهيها على المستويين الاقتصادي والعسكري. ولم ترتح يوماً إلى التحديات الناجمة عن صعود الصين". ورفعت لواء ما كانت واشنطن ترفعه: الكد والانجاز والادخار. لكن الصين خسرت أميركا أيضاً على رغم امتلاكها كبرى مجموعات الضغط وأقواها في واشنطن، وهي مجموعة ضغط أميركية صينية مشتركة تتمثل فيها الشركات الأميركية الكبرى المتعددة الجنسيات وضغطت منذ أربعة عقود من أجل مزيد من التجارة مع الصين ومزيد من الاستثمارات المتبادلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واليوم، أضاف، تغير الوضع بفعل أربعة عوامل: تعرقل الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2003 وعلى رغم هذا الانضمام، دخول الشركات الأميركية إلى أراضيها نزولاً عند ضغوط المقاطعات الداخلية التي رأت في الخطوة ضرراً لشركاتها على خلاف شركات المقاطعات الساحلية، وتعمل الصين منذ انتفاضة ساحة تيان أنمين عام 1989 على لجم طموحات شبابها إلى الديمقراطية بسياسات مفرطة في القومية، وتمارس الصين سياسة خارجية عدوانية تحاول فرض هيمنة البلاد على بحر الصين الجنوبي كله بما يقلق البلدان المجاورة الرئيسة اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والهند وتايوان، وأخيراً تعتمد بكين على إغلاق مدن بكاملها للجم "كوفيد-19" بدلاً من استيراد لقاحات فاعلة مصنوعة في الغرب.
وقال فريدمان عن العامل الأخير إن شي يبدو كأنه يحاول قمع كل من "كوفيد" والحرية. ولفت إلى أن ما يبدو أن الرئيس الصيني لا يفهمه هو أن التكنولوجيات المتقدمة في القرن الحادي والعشرين في معظمها، مثل أشباه الموصلات واللقاحات المستندة إلى الحمض النووي الريبوزي المرسال، تتطلب سلاسل إمداد عالمية معقدة "فما من بلد يستطيع أن يكون الأول في كل من العناصر المعقدة لهذه التكنولوجيات". لكن سلاسل إمداد كهذه تقتضي تعاوناً وثقة ضخمين بين الشركاء "وهذان الأمران هما بالضبط ما ضيعهما شي في العقد الأخير". ذلك أن "إيمانه بأن الصين تستطيع أن تكون الأفضل في كل شيء وحدها يشبه الإيمان بأن فريق كرة السلة الصيني يستطيع التغلب على فريق مؤلف من نجوم العالم في هذه اللعبة".
وخلص إلى القول: "لا أحب أن أستخدم عبارة ’الصين‘. أفضل أكثر بكثير عبارة ’سدس البشرية الناطق بالصينية‘. فالعبارة الثانية ترصد في شكل أفضل الحجم الحقيقي لما نتعامل معه. وأنا أريد للشعب الصيني أن يزدهر، فذلك لصالح العالم. لكنه يسير في المسار الخطأ اليوم. وحين يسلك سدس البشرية مسلكاً خطأ [غير مناسب] في عالمنا الذي لا يزال شديد الترابط – لا تزال الصين، مثلاً، تحمل سندات دين صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية بقيمة تريليون دولار تقريباً – سيشعر الجميع بالألم" ويتحمل الجميع التبعات ويكابدون أضرار هذا المنحى.