فيما تتجه البنوك المركزية على مستوى العالم نحو تشديد السياسات النقدية لاحتواء أكبر موجة تضخم وارتفاعات أسعار يشهدها العالم خلال أربعة عقود، يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على دفع البنك المركزي التركي إلى خفض أسعار الفائدة وتيسير السياسة النقدية، مما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم في البلاد إلى أعلى مستوى خلال 25 عاماً.
ووفق البيانات الرسمية فقد وصل معدل التضخم السنوي في تركيا إلى مستوى 85.51 في المئة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مسجلاً بذلك أعلى مستوى له منذ العام 1997. وفي المقابل يدافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن سياساته غير التقليدية في مواجهة أزمة كلف المعيشة.
المصارف المركزية
وبينما ترفع المصارف المركزية في أنحاء العالم معدلات الفائدة في مسعى إلى السيطرة على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، عارضت تركيا الاتجاه العالمي وشدد أردوغان على أن معدلات الفائدة المرتفعة هي "أكبر عدو" له. وبسبب توجيهاته يواصل البنك المركزي التركي خفض أسعار الفائدة على رغم الارتفاعات العنيفة التي تشهدها الأسعار في السوق التركية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات المقررة العام المقبل، يصر أردوغان على أن معدلات الفائدة المرتفعة تؤدي إلى التضخم لا العكس، في تحد للنظريات الاقتصادية التقليدية.
وبلغ معدل ارتفاع سعر السلع الاستهلاكية 83.45 في المئة خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وأشاد أردوغان بوضع الاقتصاد ضمن خطاب ألقاه أمام نواب حزبه "العدالة والتنمية" في البرلمان الأربعاء الماضي، وقال إن "عجلة الاقتصاد تدور". وأضاف، "نموذجنا الاقتصادي الذي لخصناه كنمو عبر الاستثمار والتوظيف والإنتاج والتصدير والفائض في الحساب الجاري يؤتي ثماره"، لكن في المقابل يشكك عديد من الأتراك في مدى صدقية البيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة. وبحسب دراسة شهرية تحظى باحترام واسع نشرها خبراء اقتصاد مستقلون من معهد "إي إن إي جي" التركي للأبحاث والدراسات، فقد بلغ المعدل السنوي لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مستوى 185.34 في المئة خلال شهر أكتوبر الماضي في مقابل نحو 85 في المئة وفق البيانات الرسمية.
خفض مستمر لأسعار الفائدة
وفاجأ البنك المركزي التركي الأسواق نهاية الشهر الماضي بخفض الفائدة 150 نقطة أساس لتصل إلى 10.5 في المئة، مواصلاً سلسلة خفض الفائدة التي تتفق مع رغبة الرئيس أردوغان، وكانت التوقعات خفضاً بمقدار 100 نقطة أساس فقط.
وهذا الانخفاض الأخير في سعر الفائدة هو الثالث على التوالي، إذ قرر المركزي التركي خفض الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس في أغسطس (آب) الماضي للمرة الأولى منذ بداية العام، ثم خفضها بالمقدار نفسه في سبتمبر الماضي على رغم ارتفاع التضخم لمستوى 85 في المئة، وهو أعلى معدل خلال ربع قرن.
وتسببت هذه السياسة النقدية التيسيرية من البنك المركزي التركي في تراجع حاد لليرة التي فقدت ما يقرب من 28 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي هذا العام، وهو ما أسهم أيضاً في قفزة التضخم المتأثر بزيادة أسعار الطاقة والغذاء.
وعبّر الرئيس التركي أكثر من مرة عن رغبته في انخفاض الفائدة إلى ما دون 10 في المئة، إذ يرى أن الفوائد المنخفضة تسهم في دفع الإنتاج والتصدير.
وتعهد الرئيس التركي خلال الشهر الماضي أن يواصل البنك المركزي خفض أسعار الفائدة كل شهر طالما بقي في السلطة، في اتجاه معاكس لتحركات معظم البنوك المركزية حول العالم لمكافحة التضخم.
وحقق الاقتصاد التركي نمواً خلال الربع الأول من العام بنسبة 7.3 في المئة بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي الصادرة في مايو (أيار) الماضي، وسجل نمواً بنسبة 7.6 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني من العام الحالي بزيادة طفيفة عما كان متوقعاً، مدفوعاً بزيادة الصادرات وانتعاش السياحة والطلب المحلي والأجنبي.
وخلال الشهر الماضي رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني توقعاتها في شأن نمو الاقتصاد التركي لعام 2022 إلى مستوى 5.2 في المئة، و2.8 في المئة لعام 2023، مع استمرار تحسن قطاع السياحة في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سبتمبر الماضي أعلنت الحكومة التركية استعدادها لإجراء جولة جديدة من القروض الرخيصة للشركات من خلال برنامج مدعوم من الحكومة، وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ"، ووعدت بدفعة جديدة من التحفيز قبل انتخابات العام المقبل لدعم النمو في اقتصاد معرض لخطر التباطؤ، كما كشفت عن خطط لتقديم قروض في إطار صندوق ضمان الائتمان في اجتماع مغلق عقده وزير الخزانة والمالية نور الدين النبطي في أنقرة.
وسمح الصندوق الذي أعيد إحياؤه بعد محاولة انقلاب عام 2016 للحكومة بضمان المليارات في شكل ائتمان جديد للشركات من خلال تمكين البنوك التجارية من مشاركة بعض أخطار الإقراض مع وزارة الخزانة، وسيكون التحفيز الجديد من بين أكثر الخطوات طموحاً حتى الآن من قبل السلطات للحفاظ على النمو في الاقتصاد البالغ نحو 830 مليار دولار مع اقتراب عام الانتخابات.
ودفع التهديد بحدوث تباطؤ البنك المركزي التركي إلى خفض مفاجئ لأسعار الفائدة خلال أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، وفي محاولة لخفض كلفة الائتمان وتوجيه الأموال إلى القطاعات ذات الأولوية، تم أيضاً تعديل القواعد التي تتطلب من البنوك الاحتفاظ بضمانات في مقابل القروض التجارية التي تقدمها.
نتائج عكسية
ووفق وكالة الصحافة الفرنسية فقد اعتمدت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تاريخياً على تعزيز الاقتصاد من خلال إشباعه بالائتمان كسياسة طالما فضلتها، وأدى هذا النهج إلى نتائج عكسية في السابق إذ تسببت القروض الجديدة في زيادة سخونة الاقتصاد وتضخم عجز الحساب الجاري، مما أسهم في انهيار الليرة في أغسطس 2018.
وخلال هذا العام استمر الاقتصاد في العمل على رغم ارتفاع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة لأكثر من عقدين. وتفوق نمو تركيا على معظم أقرانها هذا العام على خلفية قوة الاستهلاك والصادرات، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.6 في المئة سنوياً خلال الربع الثاني، لكن خطر حدوث ركود اقتصادي في أوروبا، الوجهة الرئيسة للشحنات التركية في الخارج، وارتفاع أسعار الطاقة، يعدان من بين العوامل التي يمكن أن تكبح الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة.