نتيجة احتدام الأوضاع في اليمن إلى الحال التي تدفع نحو فرض القناعات بالقوة في بلد تمزقه الحروب المركبة والولاءات المتعددة والسلاح المنفلت تسببت حرب من نوع آخر في سقوط عدد من القتلى والجرحى في محافظة مأرب النفطية (شرق البلاد).
وأدت خلافات على أراضٍ استحدثتها قوات عسكرية تتبع سلطات مأرب، الجمعة، إلى مقتل زعيم قبلي في اشتباكات بين القوات العسكرية التابعة لألوية الحماية الرئاسية، ومسلحين من قبائل الدماشقة، قدمت من محافظة أبين بعد إعادة تموضع القوات، وفقاً لمسرح العمليات العسكرية.
وتقود مجموعة من زعماء قبائل مأرب والجوف وساطة قبلية لوقف الحرب الدائرة التي سادها الهدوء في ظل بقاء أسباب اشتعالها مجدداً خلال الساعات المقبلة.
وقال الشيخ سعيد بن جلال، وهو المعني بقيادة الوساطة التي قتل على أثرها قريبه، إن الأحداث جاءت عقب استحداث معسكر تابع لأحد ألوية الحماية الرئاسية في بلاد الدماشقة.
وأوضح أن من يقع على رأس القوة الرئاسية القائد بن معيلي الذي تقع قبيلته (آل معيلي) على خلاف وحروب سابقة مع قبائل الدماشقة، وهو ما فهم على أنه استقواء بالجيش لتحقيق أغراض خاصة، فنتج من ذلك التوتر الذي بلغ حد الاقتتال.
تداخل مهام الدولة والقبيلة
وأشار ابن جلال في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى أنه عقب وصول القوة الرئاسية أبلغتهم قبائل الدماشقة برفضها وجود هذه القوة كونها منطقة تابعة لهم، وأمهلوهم 10 أيام للانسحاب، كما أبلغوا رئاسة الأركان والمحافظ العرادة موقفهم، والأرجح أنه رفض الانسحاب وانتهت المهلة فاشتبكت مع الدماشقة قوات الحماية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وليس بغريب أن تسمع عن اشتعال حرب ضروس تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة بين رجال قبليين وقوات الجيش النظامي، فهذا ما اعتاده اليمنيون منذ عقود مضت، حدت منه الحرب الدائرة بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي المدعومة من إيران منذ ثماني سنوات مسببة أسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد انشغال الجميع بالميليشيات التي رفعت عصاها الغليظة فوق الجميع.
وكما جرت الحالة في مثل هذه الأحداث، فالوساطات القبلية هي التي يمكن لها أن تعمل على تهدئة هذا النوع من الخلافات.
ووفقاً لابن جلال فقد تحركت وساطة أهلية يقودها محمد بن محسن بن جلال لإيقاف المعارك بعد إبلاغ الطرفين بوصوله، لكنه تعرض لإطلاق نار أدى إلى مقتله هو وشخصين كانا معه من شباب قبيلته.
حلف المصلحة
ونتيجة لاحتدام حدة التوتر في البلد الذي تغيب فيه مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية عن القيام بواجباتها تعززها نوازع النفوذ المتزايد في المحافظة الغنية بالنفط اشتركت قبائل آل معيلي مع قوات الحماية الرئاسية في قتالهم ضد الدماشقة، وتمكنوا بحسب ابن جلال من اثنين منهم، إضافة إلى مقتل أكثر من 15 قتيلاً من قوات الجيش الرئاسي، وهو ما يفسر حالة التحالفات التي تتهدد استقرار البلد المنهك بصراعاته.
وأدت الاشتباكات إلى خروج المحطة الغازية عن الخدمة وانقطاع الكهرباء عن محافظة مأرب منذ مساء الخميس الماضي. وأفاد مصدر في كهرباء مأرب بأنه تعثر وصول الفرق الهندسية إلى مناطق الطاقة بسبب الاشتباكات، مؤكداً أن التيار الكهربائي لن يعود إلى العمل كون خطوط نقل الطاقة تعرضت لأضرار كبيرة قد تؤخرها لساعات قادمة.
ثغرة ينفذ منها الحوثي
وبين الحين والآخر تندلع مواجهات دامية بين قوات الجيش وقبيلة الدماشقة القريبة من المنشآت النفط وخطوط إمداد الطاقة، تسببت في مرات سابقة بقطع الخط الدولي الرابط بين منفذ الوديعة مع السعودية ومدينة مأرب التي تتعرض منذ عامين لهجوم حوثي ضاغط نتج عنه تقدم ملحوظ للميليشيات المدعومة من إيران مستغلة حالة الشتات والانقسام الذي يعصف بالشرعية اليمنية ويتهددها في آخر معاقلها الاستراتيجية شمالاً.
وتلعب القبيلة دوراً بارزاً في رسم صورة المشهد السياسي العام في اليمن منذ فترة طويلة، بل إن القبيلة أضفت طابعها الخاص على الدولة برمتها حتى باتت تتعاطى مع الأعراف القبلية باعتبارها فوق القانون، ولهذا لا يستغرب أن تجد انتشاراً لمسلحين قبليين في طريق عام بحثاً عن ممتلكات أو عناصر حكومية لاحتجازهم للمساومة بهم في مطالب معينة بعضها غير قانونية.