أصدرت رئاسة الحكومة التونسية الجمعة الخامس من يوليو (تموز) 2019، منشوراً يقضي بمنع كل شخص غير مكشوف الوجه من دخول مقرات الإدارات والمؤسسات والمنشآت العمومية.
وشدد المنشور على حسن تطبيق إجراءات السلامة في المقرات العموميّة، وجاء فيه التالي "في إطار الحفاظ على الأمن العام وحسن سير المرافق العمومية وضمان التطبيق الأمثل لمتطلبات السلامة، يتعيّن اتخاذ الإجراءات الضرورية ومنع أي شخص غير مكشوف الوجه من دخول مقرات الهياكل العمومية".
منع في إطار الحملة الانتخابية
وعلى الرغم من أن المنشور ينص على المنع في المرافق التابعة للدولة فقط، لكن هذه التعليمات أخذت منحى آخر في بعض المؤسسات، إذ بادرت إدارة أحد المراكز التجارية الخاصة في العاصمة بمنع دخول المنقبات.
وقد بدأت بعض المنشآت الحكومية في تونس بتطبيق هذا المنشور الذي رحبت به غالبية الأحزاب الفاعلة في البلاد والممثلة في مجلس النواب، مقابل طلب بعض الأحزاب توسيع مجاله ليصبح قانوناً ساري المفعول، كما وضع البعض قرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضمن حملته الانتخابية.
ورأت فاطمة المسدي، النائب عن حزب "نداء تونس" في مجلس النواب أن "القرار جاء متأخراً"، كاشفةً عن أنه منذ مارس (آذار) 2016، تقدمت مجموعة من النواب بمبادرة في هذا الاتجاه، أي بقانون يمنع النقاب، إلا أنه قوبل بالرفض". وأضافت "لو كان رئيس الحكومة يوسف الشاهد مقتنعاً بهذا القرار، لكان بادر به منذ توليه الحكم"، معربةً عن اعتقادها بأن "أخذ القرار في هذا التوقيت بالذات يدخل في إطار حملته الانتخابية".
من ناحية أخرى، قالت المسدي إن "المنع يجب أن يكون شاملاً لكل المقرات العمومية"، داعيةً لجنة التشريع العام في مجلس النواب إلى إعطاء الأولوية لمشروع قانون يتعلق بمنع تغطية الوجه، ومشددةً على ضرورة الانتقال بصيغة القانون من منشور حكومي إلى قانون يصادق عليه البرلمان، وضبط العقوبات اللازمة في حال الإخلال بمقتضياته".
ظاهرة غريبة
يُذكر أن ثورة يناير (كانون الثاني) أنهت منعاً رسمياً مشدداً للحجاب، ما سمح لعدد كبير من التونسيات بارتدائه، بينما فضّل عدد أقل منهن وضع النقاب، الذي يعتبره علماء الاجتماع في تونس ظاهرة غريبة على المجتمع، جاء به المد السلفي بعد الثورة.
وفي السنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي، كان يُمنع على النساء ارتداء الحجاب الذي كان يوصف بـ"الزي الطائفي".
ومباشرة بعد الثورة، ألغت السلطات الانتقالية المنشور 108، الذي يمنع ما يُسمى "الزيّ الطائفي" داخل المؤسسات الحكومية، علماً أن هذا المنشور صدر عام 1981 في أواخر حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وتواصل العمل به في عهد بن علي منذ اعتلائه سدة الحكم عام 1987.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشكل أمني
عضو المكتب السياسي لحزب "التيار الديمقراطي" محمد عمار رأى من ناحيته أن "التيار أكثر الأحزاب التونسية الملتزمة بالقانون والدستور، وفي جوهر مبادئ التيار حرية الملبس والمعتقد وكل الحريات الفردية، طالما لا تهدد مؤسسات الدولة ولا تتجاوز القانون"، موضحاً أن "مسألة النقاب محسومة منذ عام 2012 عن طريق المحكمة الإدارية وكذلك بالدستور. نعيش اليوم مشكلة أمنية مستمرة مع النقاب، على الرغم من حرصنا في التيار على حرية ملبس الناس، لكن يبدو أن التخفي المطلق قد يستغله من يريد الضرر بالمصلحة العامة". وتابع "بوجود هويات غير محددة في مكان عام، يفترض حد أدنى من الانكشاف في الظروف التي نمر بها من مخاطر أمنية وإرهاب، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات".
وقال عمار "شخصياً أنا مع منعه ولو مؤقتاً، حتى في الأماكن العامة أي الشارع والمقاهي والمطاعم، فيمكن الحد من هذه الحرية لحماية البلاد من أي خطر داهم، لأن ذلك قد يضع المسار الديمقراطي كله على المحك"، وختم عضو أهم الأحزاب المعارضة في تونس، مؤكداً "نحن نسير ببطء، لكن ديمقراطيتنا ستنجح".
وعلى الرغم من عدم تقديم رئاسة الحكومة تفاصيل بخصوص أسباب إصدار المنشور، فإن غالبية المتابعين للشأن الأمني والسياسي في تونس، ربطوا بينه وبين التفجيرين الإرهابيين اللذين شهدتهما العاصمة الأسبوع الماضي، وتواتر معطيات حول تعمّد الإرهابيين التنكر بالنقاب لإبعاد الشبهات عنهم.
النقاب رمز لاضطهاد المرأة
في هذا السياق، قال الكاتب الصحافي والمهتم بالشأن الحقوقي الهادي يحمد "ثبت بما لا يدعو إلى الشك أن الجماعات الإرهابية تستعمل النقاب كوسيلة للتخفي من الملاحقة الأمنية، كما يستعمل في المراقبة ونقل الأسلحة والأحزمة الناسفة. وأصبح هذا اللباس يثير قلق الأجهزة الأمنية ليس في منطقتنا العربية فقط، بل في العديد من البلدان الأوروبية التي منعته في الأماكن العامة"، مضيفاً "الأخطار الأمنية التي يفرضها هذا النوع من اللباس تستدعي منعه، هذا فضلاً عن اعتباره رمز اضطهاد للمرأة واستعبادها وهذا موضوع آخر".
كما رأى يحمد أن "المدافعين عن النقاب باعتباره حرية فردية، يعلمون أن اللواتي يرتدينه والعقيدة التي يحملنها، لا تؤمن بالحريات الفردية بل هن معاديات لكل مقولات الحريات الفردية عندما يتعلق الأمر بقضية منع النقاب".
كذلك، أعرب يحمد عن اعتقاده بأنه "إذا تحوّل النقاب إلى خطر على المجتمع وإلى وسيلة يتخفّى بها الإرهابيون ومن يريدون شراً لهذه البلاد، حينها يجوز منعه"، وتابع "عمليات أمنية كشفت عن أن بعض الإرهابيين يستغلون هذا الزي للتنقّل بحرية وبالتالي يتحوّل الأمر إلى مصدر خطر على أمن المجتمع وسلامته".
"ليس هناك حرج في منع النقاب لا شرعاً ولا قانوناً"
وفي تصريح إعلامي أدّى إلى إقالته من منصبه عام 2015 من جانب الإسلاميين الذين حكموا البلاد بعد الثورة وتفرّغه بعد ذلك للإفتاء، كان الوزير السابق للشؤون الدينية عثمان بطيخ قال إن "ليس هناك حرج في منع النقاب لا شرعاً ولا قانوناً"، مفسراً "الدين طلب ستر الجسد بلباس مقبول ومحترم ولم يفرض النقاب كما يعتقد البعض"، مضيفاً "نتحدّث عن الحرية الشخصية عندما لا يكون هناك تهديد لحرية الغير ولحياته وأمنه. نحن رأينا صغيرات دون سن البلوغ ومن دون تكليف شرعي، فُرض عليهن النقاب في اعتداء صارخ على طفولتهن وبراءتهن".