أحياناً ما تضطر هودان، ذات السنوات 13، للذهاب مع أمها سيراً على الأقدام نحو 40 كيلو متراً يومياً، تحت حرارة الشمس الحارقة، بحثاً عن الماء. فتلك الفتاة الصومالية ذات الجسد النحيف اضطرت إلى ترك المدرسة لمساعدة أسرتها في توفير حاجات الشرب اليومية، بعد أن أصبحت مصادر المياه شحيحة نتيجة للجفاف. غير أنه بحسب البنك الدولي فإن قصة هودان ليست فريدة من نوعها بالصومال التي تحتل المرتبة الرابعة من حيث عدم المساواة بين الجنسين، فهناك 56 في المئة من النساء لا يستطعن القراءة، و36 في المئة من الفتيات الصوماليات يتزوجن قبل بلوغهن 18 سنة، و692 من كل 100 ألف امرأة تموت أثناء الولادة، والأرقام تتزايد مع تزايد شدة الجفاف المدمر.
لكن هذه الأرقام ليست قاصرة على الصومال، بل تعكس واقع ما يعرف "بعدم العدالة المناخية" عندما يتعلق الأمر بالنوع الاجتماعي، حيث النساء أكثر تأثراً بعواقب تغير المناخ. يوضح برنامج الأمم المتحدة للمرأة أن في كثير من مناطق العالم تتحمل النساء مسؤولية غير متناسبة في تأمين الغذاء والماء والوقود. فعلى سبيل المثال تشكل الزراعة أهم قطاع توظيف للمرأة في البلدان المنخفضة الدخل وذات الدخل المتوسط المنخفض، ومن ثم فإنه خلال فترات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار تعمل النساء، بصفتهن عاملات مزارعات، بجهد أكبر لتأمين الدخل والموارد لأسرهن. وهذا يضع ضغوطاً إضافية على الفتيات، اللاتي غالباً ما يضطررن إلى ترك المدرسة لمساعدة أمهاتهن في إدارة العبء المتزايد.
النساء الأكثر فقراً وتحملاً للعبء
على سبيل المثال تسهم النساء في الشرق الأدنى بنسبة تصل إلى 50 في المئة من القوة العاملة الزراعية، إذ إنهن مسؤولات بشكل أساسي عن المهمات التي تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب عملاً مكثفاً ويتم تنفيذها يدوياً أو باستخدام أدوات بسيطة. ووفقاً للأمم المتحدة، تشكل النساء 70 في المئة من 1.3 مليار شخص يعيشون في فقر. في المناطق الحضرية 40 في المئة من أفقر الأسر تتحمل مسؤوليتها نساء، وفي حين تهيمن النساء على إنتاج الغذاء في العالم (50 إلى 80 في المئة)، لكنهن يملكن أقل من 10 في المئة من الأرض.
ومن ثم يعد تغير المناخ "عامل مضاعف للتهديد"، إذ يؤدي إلى تصعيد التوترات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في البيئات الهشة والمتأثرة بالصراع. نظراً إلى أن تغير المناخ الذي يؤثر بدوره في توفر المياه والغذاء، يزيد الصراعات في جميع أنحاء العالم، فإن النساء والفتيات يواجهن نقاط ضعف متزايدة أمام جميع أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والاتجار بالبشر وزواج الأطفال وأشكال أخرى من العنف. وتتعرض صحة النساء والفتيات للخطر بسبب تغير المناخ والكوارث من خلال تقييد الوصول إلى الخدمات والرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة الأخطار المتعلقة بصحة الأم والطفل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، كشفت دراسة صادرة عن الاتحاد من أجل المتوسط، منظمة تجمع دول البحر المتوسط، أن "هذه المنطقة من العالم الأكثر تأثراً بظاهرة الاحتباس الحراري، كما أنها ثاني أكثر المناطق بعد القطب الشمالي تأثراً، علماً بأن الأخير غير مأهول بالسكان بينما منطقة البحر المتوسط يعيش فيها 500 مليون نسمة". وأظهرت أن "أحد الآثار المحتملة لذلك، زيادة معدل الفقر المائي فيها إضافة إلى تأثر التنوع البيولوجي وكمية الأسماك". وخلال الأسبوع الماضي، وفي إطار التحضير لقمة الدول الأطراف الإطارية لتغير المناخ "كوب 27"، نظم الاتحاد من أجل المتوسط، في مدريد بإسبانيا، مؤتمراً رفيع المستوى لعام 2022 حول المرأة من أجل المتوسط، إذ التقى وزراء من الدول الأعضاء في الاتحاد، الذي يضم دول جنوب أوروبا وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأردن، لمناقشة تأثير تغير المناخ على النساء في المنطقة الأكثر تأثراً بالظاهرة، والحاجة إلى قيادة المرأة في مجال المناخ بما يشمل التمكين الاقتصادي.
العمل مع النساء لدرء الخطر
طالما حذر الخبراء والمعنيون من ضعف تمثيل النساء في القرارات المناخية، ومن ثم فإن السبيل لإيجاد الحلول الدائمة لأزمة المناخ من دون تضمين أصوات نصف سكان العالم يجعل خطط الحكومات عرضة للفشل. فضعف تمثيل النساء في صنع القرار المتعلق بالمناخ، يؤدي إلى عمليات تتجاهل احتياجاتها الخاصة وإسهاماتها الحاسمة، فضلاً عن أن خبرة المرأة وابتكاراتها وقيادتها على جميع المستويات أساسية لتحقيق أهداف اتفاق باريس وأداء الأعمال المناخية. هذه القضية كانت المحور الأساسي لمؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط، وفي هذا الإطار تحدث عدد من المشاركين في المؤتمر لـ"اندبندنت عربية". وقالت آنا دورانغريتشيا، المتخصصة في دراسات النوع الاجتماعي والمساواة لدى الاتحاد، إن "عدم مراعاة احتياجات المرأة في استراتيجية التخفيف والتكيف مع تغير المناخ هي أحد أوجه غياب العدالة المناخية، لذا هناك حاجة إلى العمل مع النساء ومن أجل النساء، وهو ما يعني وجود نساء في مناصب قيادية"، مشيرة إلى أن "تغير المناخ يؤثر في النساء بشكل مختلف عن الرجال، سواء أكان ذلك في المدينة أم المناطق الريفية وكذلك المهاجرات والنساء ذوات الإعاقة".
إدراج النساء ضمن خطط العمل الوطنية للمناخ، كانت واحدة من مواضيع النقاش في مؤتمرات الأطراف المناخية السابقة التي أكدت ضرورة أن تتبنى الدول ضمن خطط العمل الخاصة بالمناخ مسألة تمكين النساء من الأدوار القيادية، غير أنه وفقاً لدورانغريتشيا فإنه "للأسف على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الأقل، لم يلتزم سوى عدد محدود من الدول بهذه المسألة، كما أن عدداً قليلاً من الدول وضعت تدابير وتمويلاً لدعم المرأة في مجال المناخ". وأضافت أن "هناك حاجة إلى تضمين النساء في خطة العمل الوطنية لتغير المناخ وإشراكهن كجزء من لجان اتخاذ القرار، إضافة إلى التمويل والاستثمار لدعم النساء العاملات في الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الأزرق بما يتضمنه هذا الاقتصاد من جميع القضايا المتعلقة بتغير المناخ".
لا يزال ضمان تمثيل عادل للنساء على صعيد استراتيجية الأمم المتحدة للمناخ يمثل تحدياً كبيراً، ففي طاولات المفاوضات يبقى تمثيل المرأة ضعيفاً وكذلك في جميع صناديق واستثمارات المناخ بخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوضح دورانغريتشيا أن "دور المرأة القيادية يعني أنه يجب الاعتراف بأنها خبيرة وذات معرفة، على سبيل المثال يجب الاعتراف بحق المرأة في اتخاذ القرار على المستويين السياسي والاقتصادي، في حين يمثل هذا الأمر تحدياً يتعلق بالقيادة في جميع المجالات وليس فقط تغير المناخ، ففي نحو 50 منظمة دولية رئيسة تعمل في مجال الأمن الغذائي فإن 25 في المئة فقط من النساء يشغلن مناصب قيادية، حتى لو اعتمدت تلك المنظمات جميعاً سياسة النوع الاجتماعي يبقى هناك فجوة في المناصب القيادية، فضلاً عن أن الموجودات لهن سمات معينة مثل أنهم من البيض أو قادمون من خلفيات اقتصادية محددة".
عمل النساء يزيد الناتج القومي
وفي هذا الصدد قال ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن "حكومات المنطقة تعمل حالياً على النظر في كيفية زيادة حجم انخراط المرأة في الأنشطة الاقتصادية والاستفادة من واقع أن النساء اللاتي ينخرطن في دراسات علمية في مجتمعنا جنوب المتوسط يفوق عدد الرجال، في حين لا يحظين بنصيب عادل من الوظائف في هذه المجالات، لذا ينصب الاهتمام على توفر إطار تشريعي يضمن فرصاً عادلة للنساء وتعديل الاقتصاد الرقمي الذي يدعم النساء المعيلات ممن يرغبن العمل عن بعد، ودعم مساعدة رائدات الأعمال ممن ينخرطن في مشاريع صغيرة ومتوسطة ومساعدة أولئك في النفاذ للأسواق من خلال الرقمنة لزيادة درجة انخراطها في الحياة الاقتصادية".
وفي حين تبقى العادات أو المفاهيم المجتمعية حول أهمية عمل المرأة والأعراف الاجتماعية والثقافية من بين التحديات التي تواجه نساء المنطقة سواء على صعيد العمل المناخي أو المجالات الأخرى، وفي هذا أشار كامل إلى دراسة للبنك الدولي تؤكد زيادة الناتج القومي الإجمالي للمنطقة بمشاركة النساء في العمل. ويقول "هذا مؤشر مهم لرسالتنا للمجتمع بما فيهم رجاله وشبابه أن انخراط المرأة في الحياة الاقتصادية حاجة ملحة للنمو الاقتصادي بشكل عام وتنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع وليس المرأة فقط".
يجري الاتحاد من أجل المتوسط نظام مراجعة دوري للدول الأعضاء من الاتحاد الأوروبي وجنوب وشرق البحر المتوسط التي من جانبها تقدم تقارير دورية حول عدد من المؤشرات التي تتعلق بتمكين المرأة سياسياً واقتصادياً وما يتعلق بقضايا مثل العنف ضد المرأة والصور النمطية، وهي تحديات تعانيها نساء الجنوب والشمال على حد سواء بدرجات متفاوتة، بحسب كامل. وأشار إلى منهجية موحدة للتعاطي مع هذه التحديات تقوم على محاور عدة، حيث الإطار التشريعي المتوائم مع المتطلبات لتمكين المرأة والتعاطي مع تمكين المرأة من منظور التعميم وليس كملف قائم بذاته بل جزءاً من جميع السياسات المتعلقة بمناحي تنظيم الاقتصاد والمجتمع والإطار التشريعي.
إدارة النساء للموارد الطبيعية
عقد مؤتمر هذا العام استناداً للتقارير التي تلقاها الاتحاد من الدول الأعضاء في عامي 2020 و2021 التي بحسب كامل "أظهرت تراجعاً عاماً في أوضاع النساء نتيجة لجائحة كوفيد-19، وزادتها الآثار السلبية لحرب روسيا وأوكرانيا مما تسبب في تراجع التقدم المحرز قبلاً لأن النساء يتأثرن بشكل أكبر في الكوارث والأزمات، إذ كانت خسائر النساء في سوق العمل أكبر بالنظر إلى تركزهن في مجالات أكثر تأثراً من مجالات أخرى، مثل قطاع السياحة والخدمات المنزلية وغيرها، بالتالي فإن الوضع الهش لنوعية المهن التي تشتغل بها النساء أدى إلى أنهن أكثر تأثراً بالأزمات الصحية والاقتصادية الأخيرة".
على رغم من أوضاعهن الهشة، يمكن اعتبار النساء عوامل فاعلة وفعالة وداعمات للتكيف والتخفيف في ما يتعلق بتغير المناخ، وذلك من خلال إدارتهن المختلفة للمصادر الطبيعية عن نظرائهن من الرجال. فتاريخياً طورت النساء المعارف والمهارات المتعلقة بالمياه وتخزينها، وحفظ الأغذية وتجزئتها وإدارة الموارد الطبيعية. وتقول دورانغريتشيا إن "النساء أكثر مسؤولية إذا نظرنا على صعيد الحياة اليومية وفي ريادة الأعمال وما يتعلق بالاقتصاد الأخضر وإعادة تدوير البلاستيك، وحتى على صعيد مصايد الأسماك فإنهن يهتممن أكثر بالحصول على مياه عميقة نظيفة، وهن أكثر التزاماً بالحفاظ على التنوع البيولوجي".