Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر في مرمى الإشاعات... فما السبب؟

أجمع مراقبون على أن ندرة البيانات الرسمية وغياب الإعلام الجاد والمهني والسوشيال ميديا فاقمت الظاهرة أخيراً

تستهدف الإشاعات زعزعة الثقة بين المواطن والحكومة لا سيما في أوقات الحروب والأزمات (أ ف ب)

ملخص

"إن غياب الإعلام الجاد والمهني الذي يرد على الإشاعات، وينشر الحقائق والمعلومات الدقيقة والموثقة أسهم بدرجة كبيرة في توسيع نطاق انتشارها في مصر"

يوماً تلو الآخر تتعرض مصر لموجة من الإشاعات من مصادر وجهات مختلفة، فلا يكاد يمر يوم من دون أن تصدر الحكومة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها نفياً لأنباء ومعلومات تروج على منصات التواصل الاجتماعي من أفراد أو عبر كتائب إلكترونية مجهولة.

وكان آخر تلك الإشاعات اعتزام الحكومة المصرية بيع المطارات لجهات أجنبية وبيع بحيرة البردويل، إضافة إلى مخطط إخلاء دير سانت كاترين وبيع وتأجير أصول قناة السويس، علاوة على قطع النخيل والأشجار النادرة بحديقة الأورمان التاريخية، وتعويم جديد للجنيه في الفترة المقبلة، التي سارعت الحكومة إلى نفيها جميعاً، مما يطرح بدوره تساؤلات عدة حول أسباب اختراق الإشاعات المجال العام في مصر بصورة مكثفة ومدى انعكاس وتأثير ذلك في حجم الثقة بين المواطن من ناحية والحكومة من ناحية أخرى، وهل غياب الإعلام الجاد ترك فراغاً ملأته منصات السوشيال ميديا؟ وما تأثير تلك المنصات في تفاقم الإشاعات بمصر؟ ولماذا ينساق كثر وراءها؟

ويتفق عديد من المتخصصين والمراقبين ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن الإشاعات تستهدف زعزعة الثقة بين المواطن والحاكم، لا سيما في أوقات الحروب والأزمات، مهددة التماسك الداخلي للمجتمع، مؤكدين أن غياب الإعلام "المهني الجاد" أتاح المجال أمام منصات السوشيال ميديا لتوسيع نطاق انتشار الإشاعات.

وأظهر تقرير للمركز الإعلامي التابع لمجلس الوزراء المصري، صدر في فبراير (شباط) الماضي، زيادة انتشار الإشاعات أكثر من ضعفين خلال الفترة (2023 - 2020) مقارنة بالفترة (2019 - 2016) نتيجة الأزمات العالمية، مشيراً إلى أن الإشاعات ارتبطت غالبيتها بالاقتصاد والتموين والطاقة والوقود والحماية الاجتماعية والصحة.

زعزعة الثقة

إلى ذلك يرى المتخصص في علم الاجتماع السياسي عبدالحميد زيد أن أهمية الإشاعة "تكمن في أهمية الموضوع الذي تدور حوله، فكلما كان الموضوع على قدر من الأهمية والغموض انتشرت الإشاعة بصورة أكبر".

ويلفت زيد إلى أن الإشاعات أصبحت مصدراً رئيساً من مصادر الحروب لتحقيق أغراض مختلفة ما بين التأثير في الرأي العام أو خلق ضغوط على النظام، مشيراً إلى أن المجتمع "يصبح بيئة خصبة لتداول تلك الإشاعات حينما تندر البيانات والمعلومات الصحيحة والمدققة من مصادرها الرسمية".

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أصدر في أغسطس (آب) من عام 2018 قراراً بإنشاء مركز إعلامي لمجلس الوزراء يستهدف تحقيق التواصل الفعال بين الحكومة بكل أجهزتها ووسائل الإعلام المختلفة من خلال توضيح الحقائق للرأي العام ودحض الإشاعات حول مختلف القضايا والموضوعات في إطار من الشفافية والصدقية.

ووفق زيد فإن الحل "يكمن في تحصين المجتمع من خلال بناء الوعي، فكلما بذل المجتمع جهداً في بناء وعي يستطيع فهم وإدراك القضايا الرئيسة يكون لديه القدرة على فرز أي إشاعة"، مؤكداً أن قوة السوشيال ميديا "ساعدت في ملء الفراغ، وأسهمت في إطلاق مزيد من الإشاعات".

 

وعن مدى انعكاس الإشاعة على علاقة الثقة بين المواطن والحكومة يقول زيد، "الإشاعات من ضمن أهدافها الرئيسة زعزعة الثقة بين المواطن من ناحية والمسؤولين من ناحية أخرى وأن تجعل الشك دائماً هو الغالب في العلاقة بينهما، حتى تكون القرارات دائماً محل شك وتثير الإحباط"، مشيراً إلى أن الإشاعات "المتعمدة" هي الأخطر على المجتمع لأنها تستهدف المواطن مباشرة، ويكون لها آثار ودلالات نفسية عليه، لا سيما في أوقات الحروب والأزمات.

وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نبه في أكثر من مناسبة مختلفة من خطورة الإشاعات، إذ حذر في مارس (آذار) 2019 من "حروب الجيلين الرابع والخامس"، التي تقوم، على حد قوله، على "استخدام وسائل الاتصال الحديثة ونشر الإشاعات وتحطيم ثقة الناس بنفسها وببعضها وبقياداتها". وفي أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي حذر السيسي من انتشار الإشاعات والكذب والافتراء خلال الفترة الماضية، قائلاً، "بيقولوا كلام كتير مش مضبوط (ليس صحيحاً)، وأنا صريح وصادق معكم دائماً، سأظل كذلك طوال ممارستي لمهمتي هنا".

في السياق ذاته يعتقد البرلماني والصحافي مصطفى بكري أن انتشار الإشاعات بكثرة داخل المجتمع "أمر طبيعي"، نظراً إلى أن (المؤامرة) ضد مصر "متعددة الوجوه والصور، والإشاعات تعد أحد أساليب الجيل الرابع، وتستهدف تشويه صورة الدولة والتشكيك في مؤسساتها، مثلما حدث في موضوعات عديدة في الآونة الأخيرة".

ويضيف بكري، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الإشاعات تعد إحدى أدوات الاستعمار الجديد، وتسعى إلى إحداث حالة من الفوضى، مما يجعل من الضروري الحرص على توضيح الحقائق ونشر المعلومات الصحيحة، حتى يمكن ردع هذه العناصر، التي تتعمد توظيف الإشاعات لخدمة مخططاتها وأغراضها الخبيثة".

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وجه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال اجتماع بالعاصمة الإدارية الجديدة جميع المسؤولين بالرد على ما يتردد على منصات التواصل الاجتماعي وشرح الأمور للمواطنين، مؤكداً أن هذا الأمر يدخل في صميم دور الحكومة حتى لا يترك المجال لبعض الأخبار غير الصحيحة للانتشار، مشدداً على أهمية مواصلة جهود توضيح الحقائق ودحض الإشاعات.

أين الإعلام المهني؟

"هناك خصوم يستهدفون تحطيم الروح المعنوية للدولة المصرية من خلال نشر مزيد من الإشاعات"، هكذا تعقب عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقاً ليلى عبدالمجيد، مشيرة إلى أن أعداء الوطن (الإخوان المسلمين)، بحسب تعبيرها، دائماً ما يحاولون زعزعة استقرار الدولة المصرية ونشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة والأخبار الزائفة من أجل "إضعاف الاقتصاد الوطني، وتشويه سمعة المسؤولين، وتهديد الأمن القومي".

ومنذ عام 2013 تصنف الحكومة المصرية جماعة الإخوان "إرهابية"، وحظرت نشاطها، وتحفظت على أصولها وأصول عدد من منتسبيها، ويقبع معظم قادتها داخل السجون المصرية بعد إدانتهم بموجب أحكام قضائية في اتهامات تتعلق بارتكاب أنشطة إرهابية والتحريض على العنف ضد مؤسسات الدولة وقوات الأمن.

وأضافت ليلى خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "أخبار منصات السوشيال ميديا أصبحت تنتشر كالنار في الهشيم. والمواطنون في حاجة إلى التعامل مع كل ما ينشر على تلك المنصات بأنها مجال للشك ومحاولة التأكد من تلك الأخبار والمعلومات قبل إعادة نشرها".

 

وأشارت إلى أن وسائل التواصل، "لا ينبغي أن تكون المصدر الوحيد للمعلومات لأن من يستخدمونها ليس لديهم المعايير المهنية والأخلاقية للتحقق وتدقيق المعلومات والأخبار"، موضحة أن بعض الصحافيين، "قد يقعون في الخطأ نفسه باعتمادهم على ما يبث على منصات التواصل الاجتماعي كونه مصدراً للمعلومات الصحيحة"، منوهة أن الإعلام المهني يجب أن يلعب دوراً محورياً في تصحيح المعلومات المغلوطة لتوعية الناس.

وتطالب عميد كلية الإعلام بضرورة تدريس برامج التربية الإعلامية والرقمية في المدارس والجامعات وكذلك تعليم المواطن المفاهيم النقدية والتحليلية للتعامل مع المعلومات المغلوطة وفرزها. مضيفة أن هناك برامج وتطبيقات باستخدام الذكاء الاصطناعي تستخدم لكشف الأخبار المزيفة والمفبركة.

وشددت ليلى عبدالمجيد على أن الدولة المصرية عليها مسؤولية الرد السريع والفوري على أي إشاعات مغلوطة يجري تداولها من خلال نشر الحقائق الموثقة لتجنب الوقوع في فخ الأكاذيب، مؤكدة أن هناك عديداً من القوانين والعقوبات التي تجرم وتحظر انتشار تلك الإشاعات ومن يروجون لها.

وألزم قانون العقوبات المصري في نص المادة رقم 80 (د)، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه (2.04 دولار) ولا تجاوز 500 جنيه (10.22 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين "كل مصري أذاع عمداً في الخارج أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد". وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن حرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السوشيال ميديا تملأ الفراغ

فيما يقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم، "إن غياب الإعلام الجاد والمهني الذي يرد على الإشاعات، وينشر الحقائق والمعلومات الدقيقة والموثقة أسهم بدرجة كبيرة في توسيع نطاق انتشار الإشاعات"، منوهاً بأن وسائل الإعلام التي تلتزم المعايير المهنية والصدقية "كانت تقوم في فترات سابقة بدور رئيس في دحض الإشاعات وتفنيدها قبل انتشارها، لكن هذا الدور غائب حالياً".

ويوضح العالم خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "السوشيال ميديا أسهمت بصورة رئيسة في انتشار الإشاعات وتقوم بدور خبيث حالياً لأنها تتعمد إتاحة الفرصة لعديد من المغرضين لنشر المعلومات والبيانات من دون شواهد حقيقية أو صدقية"، مضيفاً أن بعض الدول "تستغل السوشيال ميديا في نشر معلومات مغلوطة وتستخدم وسائل وأساليب ملتوية وطرقاً احتيالية لتحقيق أغراضها مثل الأبعاد العاطفية".

 

وكشفت دراسة برلمانية أعدتها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، نشرت في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2017، عن أن هناك 53 ألف إشاعة أطلقت داخل مصر خلال 60 يوماً، وتحديداً في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) 2023، من خلال وسائل مختلفة، كانت النسبة الأكبر منها عبر منصات التواصل الاجتماعي، موضحة أن بعض وسائل الإعلام "نقلت نسبة تصل إلى 30 في المئة من هذه الإشاعات على أنها أخبار حقيقية، دون تأكد من صحتها".

ويرى المحاضر بالجامعة الأميركية ومستشار الإعلام الرقمي فادي رمزي أن هناك عوامل عدة رئيسة تسببت في انتشار الإشاعات بصورة هائلة خلال الآونة الماضية أبرزها "القوة الكبيرة التي باتت تتمتع بها السوشيال ميديا في الوقت الراهن واستخدام ملايين من الفئات العمرية المختلفة لتلك المنصات، إضافة إلى غياب وسائل التحقق والتحري عن صحة المعلومات والبيانات"، موضحاً أن 99 في المئة من المعلومات على تلك المنصات "مجهلة وغير موثقة، وعلى رغم ذلك يميل عديد من المواطنين لتصديقها، علاوة على السرعة الهائلة في انتشار تلك المعلومات بسبب تزايد أعداد مستخدمي تلك المنصات".

ويضيف رمزي خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "السوشيال ميديا أصبحت أقوى وسيلة للتواصل اللحظي في الوقت الراهن وملأت الفراغ في ظل غياب المعلومات الصحيحة والموثقة والمدققة"، مشيراً إلى أن الجهات الحكومية والرسمية بالدولة تحاول جاهدة مجابهة ذلك السيل من الإشاعات من خلال نشر الوعي المجتمعي وتوجيه المواطنين إلى الآليات والأدوات الصحيحة للحصول على المعلومات الصحيحة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير