من الممكن جداً أن تقرأ هذا التقرير وأنت تستمتع بأحد المشروبات الغازية الشهيرة، ولكن قبل أن تكمل العبوة، هل تابعت التفاصيل على خلفية العبوة لتعرف كم تحتوي على السكر؟ تحتوي عبوة الـ"بيبسي كولا" على 41 غراماً من السكر، وعبوة الـ"كوكاكولا" على 39 غراماً منه، بينما تحتوي عبوة "سفن أب" و"سبريت" على 38 غراماً من السكر، في حين أن عبوة "كندا دراي" تحتوي على 35 أو 36 غراماً حسب نكهتها. ويتعايش نحو 537 مليون شخص بالغ حول العالم مع مرض السكري الذي يحصد حياة شخص واحد كل خمس ثوانٍ، مما يشكل تحدياً للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية لجهة تعزيز النظم الصحية. وما يؤكد أهمية تكاتف الجهود للتصدي لهذا المرض توقع التقرير العاشر الصادر في عام 2021 للاتحاد الدولي للسكري بارتفاع عدد المصابين به إلى 784 مليوناً بحلول عام 2045 وسط تحذيرات دولية من انتشاره بفعل عوامل الوراثة وسوء التغذية وقلة الحركة واختلال عمل البنكرياس. ويضيف التقرير أن هذا المرض تسبب في إنفاق دول العالم نحو 699 مليار دولار أميركي خلال الـ15 سنة الماضية للتصدي له، ويشمل ثلاثة أنواع هي "الأول" و"الثاني" و"سكر الحمل". ويحل اليوم العالمي لمرضى السكري في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، وذلك منذ 20 ديسمبر (كانون الأول) 2007.
تحذيرات جدية
ليس السكر وحده السبب الرئيس للإصابة بمرض السكري، إلا أن زيادة السكر في الطعام من العوامل الرئيسة للبدانة أو الوزن الزائد. ويعد الوزن الزائد أحد أهم أسباب الإصابة بالمرض كالنظام الغذائي غير الصحي. وتحتل السمنة، بحسب تصريح منظمة الصحة العالمية، المرتبة الخامسة بين عوامل الخطر التي تؤدي إلى الوفاة. أما عن الأطفال، فتمثل سمنة الأطفال إحدى أهم الكوارث المعاصرة التي تتفرع بدورها إلى مجموعة ضخمة من الأضرار على المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية. وبحلول عام 2016 كان عدد الأطفال تحت الخامسة المصابين بفرط الوزن 41 مليون طفل، نصفهم يعيش في آسيا، وربعهم في أفريقيا، مما ينبئ بمشكلة من نوع جديد تماماً تواجه البشر حالياً. وتصف الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) ورابطة القلب الأميركية (AHA) المشروبات السكرية بأنها تهديد خطر لصحة الطفل، داعية إلى اتخاذ إجراءات للمساعدة في مكافحتها، بما في ذلك وضع الضرائب غير المباشرة والقيود المفروضة على التسويق للأطفال والحوافز المالية لشراء المشروبات الصحية المصممة لتقليل استهلاك الأطفال من المشروبات السكرية. ويستهلك الأطفال والشباب كمية كبيرة من اللترات المعبأة بالمشروبات السكرية كل عام، بما في ذلك المشروبات الرياضية والمشروبات بنكهة الفواكه والمشروبات الغازية. وأوصت الإرشادات الغذائية للأعوام 2015-2020 الأميركيين بأن يستهلك الأطفال والمراهقون أقل من 10 في المئة من السعرات الحرارية من السكريات المضافة، لكن البيانات تظهر أن الأطفال والمراهقين يستهلكون الآن 17 في المئة من السعرات الحرارية من السكريات المضافة، نصفها تقريباً يأتي من المشروبات وحدها. وبالنسبة إلى الأطفال فإن أكبر مصدر للسكريات المضافة فى كثير من الأحيان ليس ما يأكلونه، بل ما يشربونه. ويضيف البيان أن المراهقين يتعرضون كثيراً للتسويق حول المشروبات السكرية في إشارة إلى تقرير لجنة التجارة الفيدرالية لعام 2012 الذي ينص على أنه في عام 2009، أنفقت شركات المشروبات الغازية 395 مليون دولار على الإعلانات الموجهة للشباب، 97 في المئة منها كانت موجهة إلى المراهقين. وقال البيان إنه "على غرار شركات التبغ يهدف مصنعو المشروبات السكرية إلى جذب الأطفال والمراهقين عبر ربط منتجاتهم بالشهرة والسحر والهدوء". وقالت طبيبة الأطفال ناتالي موث حاملة شهادة دكتوراه في الطب، وهي المؤلفة الرئيسة للدراسة، إنه "في المتوسط يستهلك الأطفال أكثر من 30 غالوناً (الغالون الواحد يساوي أربعة ليترات) من المشروبات السكرية كل عام، وهذا يكفي لملء حوض الاستحمام، ولا يشمل السكريات المضافة من الطعام". وأضافت، "كطبيب أطفال أشعر بالقلق لأن هذه المشروبات المحلاة تشكل مخاطر حقيقية، ويمكن الوقاية منها على صحة أطفالنا، بما في ذلك تسوس الأسنان والسكري والسمنة وأمراض القلب، نحن بحاجة إلى حلول عامة للسياسة العامة للحد من وصول الأطفال إلى المشروبات السكرية الرخيصة". فهل يمكن اعتبار أن أضرار المشروبات الغازية توازي أضرار السجائر؟ وهل ستوضع قيود وضرائب على إعلاناتها في المستقبل؟
"سكرها زيادة"
تسمى تلك المشروبات أيضاً المشروبات الخفيفة أو الناعمة (soft drinks). وتعود بداية ظهورها إلى نهاية القرن الـ18 كمستحضر طبي مع اختراع مستحضرات الكربون وإدخالها إلى المياه المعدنية. وفي القرن الـ20 باتت منتجاً دولياً تديره استثمارات وشركات كبرى. ظهرت المشروبات الغازية بشكلها الطبي في عام 1767، حيث اخترع كاربوناتها عالم إنجليزي اسمه جوزيف برستلي، لكنها تطورت إلى مشروب تجاري واسع الانتشار لخلوها من الكحول وسعرها الرخيص، وكان أشهرها "شفيبس"، ثم اكتشفت مادة الكولا فبات المشروب دولياً. ويدور بطبيعة الحال جدل علمي اجتماعي عالمي حول تأثيرات المشروبات الغازية على الصحة العامة. وتعد "كوكا كولا" و"بيبسي" من الشركات التي تحتوي مشروباتها على نسبة عالية من السكر، وترجع الشركتان ذلك لتفضيل المستهلكين. وهناك دول تنبهت لمخاطر المشروبات السكرية كالسعودية، حيث تطبق الهيئة العامة للزكاة والدخل في السعودية ضريبة 50 في المئة، من سعر بيع التجزئة للمستهلك النهائي للسلع الانتقائية، على المشروبات المحلاة ذات الضرر على الصحة، وذلك منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019. كذلك تعهدت كبرى شركات إنتاج المشروبات الغازية في أستراليا، بما فيها "كوكا كولا" و"بيبسي" بخفض استخدام السكر في هذه الصناعة بنحو الخمس على مدى سبع سنوات، وذلك لمكافحة البدانة في بلد يعاني ثلث سكانه مستويات خطيرة من السمنة، وذلك منذ عام 2018. وتعهد المنتجون هذا الخفض في ظل ضغط السلطات لفرض ضريبة سكر مماثلة لتلك التي كانت قد فرضتها بريطانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفرضت المملكة المتحدة منذ 2018 ضريبة على المشروبات التي تتجاوز كمية السكر فيها خمسة غرامات لكل مئة مليلتر، حيث ثار غضب الشركات المنتجة حينها بسبب الخطة التي تدعو الصناعة إلى تقليص السكر في منتجاتها التي تستهدف الأطفال، قائلة إن ثلث من تتراوح أعمارهم بين عامين و15 عاماً يعانون زيادة في الوزن أو البدانة، إضافة إلى دول مثل بلجيكا وفرنسا والمجر والمكسيك والدول الاسكندنافية، وهي دول فرضت كل منها شكلاً من أشكال الضريبة على المشروبات التي يضاف إليها السكر.
وفي تقرير نشرته مجلة "إيت ذيس نوت ذات" الأميركية (Eat This, Not That) تقول الكاتبة سامانتا بوش، إنه "إضافة إلى المخاطر الصحية هناك آثار سلبية أخرى للصودا، غير معروفة على نطاق واسع، من شأنها أن تحفزنا على التوقف عن تناول المشروبات الغازية". وفي تقرير لموقع “Drinks Insight Network” نشر في أغسطس (آب) 2018، جاء باختصار "إن مخاطر تناول المشروبات المحلاة والمشروبات الغازية بات لا يقل عن مخاطر تناول المشروبات الكحولية، مما دفع الغالبية العظمى من الشركات إلى تقديم مزيج منخفض السعرات الحرارية ومضاف إليه عناصر صحية مثل الفيتامينات والزنجبيل لمواجهة تحول الجمهور العدائي تجاه السكر. وما يمنع انهيار مبيعات المشروبات المحلاة هو حيرة المستهلكين بين البحث عن مشروبات صحية دون المساومة على المتعة أكثر من اللازم، وهو ما يفسر استمرار الإقبال الكبير على مشروب الصودا، على رغم أوجاع زيادة الضرائب عليها".
ويقول الشريك الإداري فى بارفلاي “Barfly” مايك سبيرلينغ، وهي شركة استشارات مشروبات استراتيجية تساعد العلامات التجارية على النمو، إن "ضريبة السكر البريطانية أدت حتى الآن إلى خفض أكثر من 50 في المئة من الشركات المصنعة لمحتوى السكر من المشروبات منذ الإعلان عنها في مارس (آذار) 2016، أي ما يعادل 45 مليون كيلوغرام من السكر كل عام". وأضاف أنه "مع ذلك لم تعد بعض الشركات ترتيب أوضاعها ويجب الآن رفع الضريبة على هذه المشروبات كما حدث بصورة تدريجية لضريبة التبغ بحيث تخفض الحكومة الحد الحالي البالغ خمسة غرامات وثمانية غرامات لكل 100 مليلتر تدريجاً، ويزيد مبلغ الرسوم المدفوعة تدريجاً أيضاً. كما يجب إدخال اللبن المخفوق بنسبة سكر عالية مثله مثل عصائر الفاكهة إذا لم يتم تقليل نسبة مواد التحلية بحلول عام 2022. ويعد استهلاك مشروبات الطاقة في المملكة المتحدة مشكلة متنامية أيضاً، بخاصة بين الأطفال والمراهقين بين فئة 10 و14 عاماً، وتحتوي على مستويات مذهلة من السكر والكافيين المرتبط بالفقدان المزمن للقدرة على النوم والإدمان بدرجة قد تصل إلى تسمم الدم. وحظر عديد من محلات السوبرماركت الكبرى بيع مشروبات الطاقة إلى الأطفال دون سن 16 عاماً، لكن المتاجر الصغيرة تبيع كميات كبيرة منها، بينما تدعو منظمات الصحة الإنجليزية إلى إصدار قانون ملزم بحظر بيعها لأقل من 16 عاماً من جميع المنافذ.
سياسة التسويق "الناجحة"
وفي حادثة أثارت الجدل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أبعد النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو زجاجات مشروب "كوكا كولا" خلال مؤتمر صحافي، في يونيو (حزيران) 2021، وقام بحركة تدعو إلى شرب الماء في إشارة منه إلى أن لتلك المشروبات الغازية مضار صحية عديدة، ولكن رونالدو نفسه كان قد ظهر في إعلان ياباني سابق لـ"كوكا كولا"، بحسب صحيفة "ماركا" الإسبانية. ومع هذا معروف عن هذا النجم كرهه للمشروبات الغازية، حيث اعتاد مهاجمتها في عديد من أحاديثه ولقاءاته الإعلامية، ففي إحدى المرات قال لصحيفة برتغالية، "لا أعلم فيما إذا كان ابني سيصبح لاعب كرة قدم جيداً، أحياناً يتناول مشروبات غازية، ويأكل رقائق البطاطس على رغم معرفته أن ذلك يزعجني كثيراً".
في سياق متصل، يشيع بين مصنعي المشروبات الغازية مواءمة أنفسهم مع المنظمات الرياضية والرياضات. بالنسبة إلى شركات مثل "كوكا كولا" تعد المشاركة في الرياضة جزءاً من استراتيجية تسويق متعددة الأوجه مصممة لجذب عملاء جدد، والأهم من ذلك، الحفاظ على المبيعات للعملاء الحاليين. إن مشاركة "كوكا كولا" في الرياضة، وبخاصة كرة القدم، موثقة توثيقاً جيداً، كجزء من صفقات الرعاية العديدة مع المنظمات الرياضية، حيث يظهر شعارها على لوحات إعلانية حول جوانب الملاعب، وعلى البضائع المتعلقة بالرياضة، وبجانب اللاعبين والرياضيين أثناء إجراء المقابلات معهم. في الواقع، سيظهر شعار "كوكا كولا" قريباً إلى جانب كأس الدوري الإنجليزي الممتاز في جولة على مستوى البلاد، وخلال المباريات، وذلك بحسب كارولين سيرني من اتحاد الصحي للسمنة، في دراسة لها نشرت على موقع Healthy Stadia. وتقول، "إذا شاهدت لعبة كرة القدم على التلفزيون مع أطفالك، فمن المحتمل أن يروا شعار كوكا كولا مرات عدة. وينشئ العرض المتكرر الإلمام بالعلامة التجارية التي ترتبط ارتباطاً إيجابياً بنيّة الفرد لشراء منتج، أي كلما شاهدته أكثر، زادت احتمالية شرائه. إذا لم يتمكن الأطفال من شرائه بأنفسهم، فسيطلبون منك ذلك".
قد يكون لهذا تأثير غير مباشر من حيث تكرار الاستهلاك، وفي حالة المشروبات عالية السكر مثل "كوكا كولا"، والتي تحتوي على تسع ملاعق صغيرة من السكر في علبة 330 مليلترا، يمكن أن يؤدي الاستهلاك المفرط إلى مشكلات حادة مثل تسوس الأسنان والمشكلات طويلة الأمد كزيادة الوزن، لذلك من المهم أن تسن الحكومات تشريعات فعالة لحماية الأطفال والشباب من تسويق الوجبات السريعة والمشروبات الغازية. وفي هذا الخصوص تعطي كارولين سيرني أمثلة عن سياسة التسويق، مثلاً بالنسبة إلى عديد من الشباب، فإن "فيفا" ليست الهيئة الدولية الحاكمة لكرة القدم، وليست كأس العالم، بل هي أولاً وقبل كل شيء لعبة فيديو. وبحلول سبتمبر 2018، باعت EA Sports، مطور الألعاب الرقمية، 24 مليون نسخة من لعبة فيديو محاكاة كرة القدم على مستوى العالم عبر ستة منصات مختلفة لألعاب الفيديو، حيث تتفاخر بوجود 3.5 مليون لاعب يومياً. على الرغم من عدم وجود بيانات استخدام في المجال العام، فمن الآمن القول إن نسبة كبيرة من هذا الجمهور ستكون من الأطفال والشباب. ويمكنك لعب "فيفا 2018" بطرق مختلفة، لكن أحد أوضاع اللعبة المثيرة للاهتمام هو FIFA Ultimate Team هنا، ويمكن للاعبين إنفاق أموال حقيقية على حزم البطاقات الرقمية مع فرصة الفوز باللاعبين والأطقم المرغوبة، بما في ذلك قمصان تحمل علامة "كوكا كولا" وعناصر أخرى لتخصيص وإدارة فريقهم. من هنا وفي عام 2007، أدخلت هيئة معايير الإعلان البريطانية قواعد لتقييد جدولة الإعلانات التي تروج للمنتجات التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح والسكر في وسائط الأطفال وهو إجراء صارم بالنسبة إلى شركات المشروبات الغازية والمشروبات المحلاة. ومنذ عام 2018، وسع القانون المنظم لهذه القواعد ليشمل الأنشطة الإعلانية المرتبطة بغير البث مثل وسائل التواصل الاجتماعي و"يوتيوب" التي تجاوزت التلفزيون من حيث كيفية استهلاك هذه الجماهير للمحتوى. ويشمل ذلك أيضاً إعلانات الشركات على مواقعها الإلكترونية الخاصة ومساحات التواصل الاجتماعي. وتراجع تعرض الأطفال لجميع إعلانات التلفزيون والمشروبات الغازية فى بريطانيا حالياً بنسبة 40 في المئة عما كان عليه عام 2010، ومع ذلك لم تنخفض معدلات السمنة فى مرحلة الطفولة بالمستوى نفسه.