مع دخول قرار حظر الدول الأوروبية استيراد النفط الروسي المحمول بحراً في ناقلات، ضمن حزم العقوبات الغربية على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا حيز التنفيذ في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تسعى أوروبا إلى تأمين شحنات النفط من مصادر أخرى مثل الخليج والولايات المتحدة.
وبحسب تقرير من "غلوبال كوموديتيز إنسايتس" التابعة لمؤسسة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز"، تشير بيانات أسواق النفط والبيانات من شركات متابعة شح الناقلات إلى أن السعودية بدأت التوجه نحو تصدير النفط إلى أوروبا بدلاً من تركيز اهتمامها على الأسواق الآسيوية، ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه في الزيادة العام المقبل 2023.
ومنذ قررت أوروبا الحزمة الأخيرة من العقوبات على روسيا، تعمل الدول الأوروبية على تعويض غياب "خام الأورال" الذي تعمل عليه معظم مصافي النفط في أوروبا، بخامات مشابهة وبخاصة من منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه تسعى الدول المصدرة للنفط تقليدياً إلى أوروبا، بخاصة الولايات المتحدة والدول الافريقية، إلى زيادة صادراتها للاتحاد الأوروبي.
وتشكل واردات النفط من روسيا نحو 20 في المئة من الاستهلاك الأوروبي، ومع بدء تخلي أوروبا عن واردات النفط الروسية تتجه تلك الواردات إلى المستهلكين في آسيا مثل الصين والهند. ويرصد التقرير توجه السعودية لزيادة الصادرات إلى أوروبا مع زيادة زبائنها الآسيويين الكبار مشترياتهم من النفط الروسي بأسعار تفضيلية منخفضة جداً.
أسواق جديدة
وبحسب بيانات الشحن الناقلات من شركة "كبلر" وبيانات "غلوبال كوموديتيز إنسايتس"، فقد زادت الصادرات النفطية السعودية إلى أوروبا خلال هذا العام ووصلت شحنات النفط السعودي للدول الأوروبية إلى أعلى مستوياتها خلال عامين في شهر أغسطس (آب)، لتصل إلى 777 ألف برميل يومياً بحسب بيانات شركة "كبلر".
وفي المتوسط العام ارتفعت شحنات النفط السعودي إلى أوروبا هذا العام لتصل إلى أعلى مستوى منذ عام 2019 عند متوسط 600 ألف برميل يومياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتم نقل النفط السعودي إلى الدول الأوروبية إما بحراً بالشحن على الناقلات من منافذ التصدير السعودية في رأس تنورة وينبع، أو من سيدي كرير في مصر عبر خط أنابيب النفط "سوميد".
وخلال العام الحالي كانت وجهات الصادرات النفطية السعودية الرئيسة في أوروبا هي هولندا وبولندا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وكل تلك الدول هي من المستوردين الدائمين للنفط من روسيا. كما اشترت دول أوروبية مثل كرواتيا وألمانيا واليونان وليتوانيا وتركيا وبريطانيا أيضاً شحنات من النفط السعودي هذا العام.
وبحسب تقديرات الشركة التابعة لمؤسسة "ستاندرد أند بورز" في تقريرها، فإن الصادرات النفطية إلى أوروبا قد لا تشكل حالياً أكثر من 10 في المئة من صادرات النفط الخام من السعودية، لكن أوروبا مرشحة لتكون جهة أكبر للصادرات النفطية السعودية خلال العام 2023.
وينقل التقرير تصريحاً سابقاً لوزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قال فيه "نحن على تواصل مع كثير من الحكومات مثل ألمانيا وبولندا وجمهورية التشيك وكرواتيا ورومانيا، وتقوم تلك الدول بتعديل سلاسل التوريد وأنظمة الامدادات لديها بما يضمن دخولنا أسواقها".
ويتوقع أن تكفي الواردات الأوروبية من مناطق أخرى لتعويض التخلي عن النفط الروسي، كما يقول توني ستاريك المحلل في "غلوبال كوموديتيز إنسايتس". ويضيف، "كانت توقعاتنا دائماً أن صادرات النفط من الشرق الأوسط وغرب أفريقيا والولايات المتحدة ستكون كافية لتعويض نقص الإمدادات الروسية إلى أوروبا، مع تقدير أن كميات النفط الروسي ستعتمد على تنفيذ السياسات".
الأسعار والمواصفات
ويشير التقرير إلى سياسة التسعير السعودية التي تستهدف الاستفادة من فرص السوق الأوروبية، وفي الوقت نفسه عدم التخلي عن أسواقها التقليدية في آسيا، فبحسب تسعير خامات التصدير التي أعلنتها شركة "أرامكو" مطلع هذا الشهر لخاماتها تسليم شهر ديسمبر يلاحظ خفض أسعار خامات النفط إلى آسيا بهدف المنافسة مع صادرات النفط الروسي المنخفضة الأسعار بشدة، وفي الوقت ذاته زيادة الأسعار للخامات المصدرة لغرب أوروبا.
ورفعت الشركة أسعار "الخام العربي الخفيف" بنحو 80 سنتاً للبرميل ليصبح سعره أعلى من متوسط "خام برنت" القياسي بنحو 1.7 دولار للبرميل، بينما تبيع روسيا "خام الأورال" بخصم كبير يصل إلى 23.6 دولار للبرميل عن سعر "خام برنت" القياسي.
وفي مذكرة أصدرتها "غلوبال كوموديتيز إنسايتس" تشير الشركة إلى أن "زيادة الأسعار لأسواق غرب أوروبا تهدف إلى الاستفادة من حظر النفط المنقول بحراً بدءاً من الخامس من ديسمبر المقبل، وهو ما يمكن أن يزيد الطلب على أنواع الخام السعودي في أوروبا".
ويصنف "خام الأورال" الروسي على أنه من نوعية متوسطة الحمضية ومنخفضة الكبريت، ومع أن معظم مصافي التكرير الأوروبية تعمل على نوعية "خام الأورال" إلا أن الخام العربي الخفيف والمتوسط الذي تنتجه السعودية وحتى "خام البصرة" الثقيل يمكن خلطها للتوصل إلى مستويات حمضية ومحتوى كبريت مشابه، بحيث تعمل عليه المصافي الأوروبية.
ويشير التقرير إلى أن فرصة السعودية لزيادة حصتها من سوق النفط الأوروبي هي الأكبر، ليس فقط لأنها أكبر مصدر للنفط ضمن "أوبك" وحلفائها، بل بسبب سعة الإنتاج الإضافية لديها، فالسعودية قادرة على زيادة إنتاجها بشكل فوري إلى نحو 12 مليون برميل يومياً، وإن كانت تنتج حالياً بمقدار أقل عن هذا المستوى بنحو مليون برميل، كما أن السعودية ستخفض إنتاجها الشهر المقبل بحسب اتفاق "أوبك+" الأخير.
وبحسب بيانات المسح الشهري لشركة "بلاتس" التي تتابع إنتاج النفط حول العالم، فقد خفضت السعودية إنتاجها خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 10.9 مليون برميل يومياً من إنتاج شهر سبتمبر (أيلول) البالغ 11.02 مليون برميل يومياً.