عاد الحديث مجدداً عن حقوق الإنسان في الجزائر على خلفية انعقاد دورة مجلس حقوق الإنسان في جنيف السويسرية. وعلى الرغم من أن وزير العدل عبد الرشيد طبي الذي قاد الوفد قدم تقريراً حول الوضعية في بلاده، فإن الانتقادات جاءت قوية وقد أثارت نقاطاً عدة تعتبرها الجزائر من "الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها"، ما فتح أبواب الشكوك حول ملاحظات المقررين الأمميين.
انتقادات ورد
وانقسمت الآراء بين من وصف الأسئلة التي تلقاها وزير العدل رشيد طبي بالضغوط الهادفة إلى تطويع الجزائر بسبب بعض المبادئ أو ربما هي ممارسات انتقامية على بعض المواقف، ومن اعتبر أنها لفتة أممية ضرورية لتسليط الضوء على بعض التجاوزات، هذا وتحدث متابعون عن "حرب حقوقية تكون جهات دولية قد أعلنتها ضد الجزائر، لا سيما أن الانتقادات مست مواضيع لا تقبل النقاش لدى الجزائريين".
وأبدى ممثلو الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا وإيرلندا وغيرهم، عدم رضاهم عن المادة "87 مكرر" التي توسع مفهوم الإرهاب، واعتبروا أنها لا تنسجم مع التعريف الدولي للإرهاب وأوصوا بإلغائها، كما طالبوا بإلغاء عقوبة الإعدام لكونها عقوبة تتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية، فيما انتقدت الدول الاسكندنافية تجريم المثلية الجنسية، ودعت إلى إلغاء المواد المتعلقة بهذا الشأن، التي تعتبر مخالفة لحقوق الإنسان.
ولا يبدو أن الجزائر تسير في اتجاه الأخذ بالانتقادات، بعد أن رد وزير العدل على الملاحظات بشكل "سلبي"، ما ينذر بمعركة حقوقية مع دول غربية قد تأخذ أبعاداً متوترة، بحسب خبراء حقوقيين. وقال الوزير في شأن عقوبة الإعدام، إن الجزائر تلتزم فعلياً بتجميد تنفيذ هذه العقوبة منذ 30 عاماً، إلا أنها تحتفظ بها كعقوبة لبعض الجرائم الخطيرة، بينما اعتبر تجريم المثلية يستند لاعتبارات دينية اجتماعية مرتبطة بقيم المجتمع، وعليه فالجزائر لا تعتزم رفع التجريم عن هذا الفعل. وأضاف في ما يتعلق بالمادة "87 مكرر"، فهي منسجمة مع قرارات مجلس الأمن ولا تتناقض مع ثلاث لوائح أممية في الجانب الخاص بالوسائل والأدوات المستخدمة في الأعمال الإرهابية. وشدد على أنه "لا يوجد تعريف موحد للإرهاب، ما يترك للدول الحرية لتحديد ما يمكن إدراجه ضمن الفعل الإرهابي".
الأسئلة منتظرة ولا انتقام
في السياق، يعتقد الدبلوماسي الجزائري وأحد الممثلين السابقين داخل المجلس الحقوقي الأممي في جنيف محمد خدير، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الأسئلة أو الانتقادات الموجهة للجزائر حول وضعية حقوق الإنسان، كانت منتظرة من ممثلي بعض الدول وهي تخص مختلف التقارير المقدمة، لذلك فهي ليست انتقاماً أو أي شيء آخر، وقال "صحيح أن الجزائر في الآونة الأخيرة تواجه تشديداً من ناحية حقوق الإنسان، لكن ما حدث داخل المجلس يحدث مع الجميع"، ولفت إلى أن قرارات مجلس حقوق الإنسان ليست ملزمة لأي دولة، وسيخرج بتوصيات ستقوم الجزائر بتنفيذها وفق ما يخدم مصالحها.
وتابع خدير "ملفات حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة لم تعد هاجساً مثلما كان عليه الوضع سابقاً، لأنه حتى الدول الديمقراطية التي طالما احترمت الحريات باتت لا تراعي حقوق الإنسان، وهو ما تم تسجيله في الأسابيع الماضية داخل أوروبا من تعد على حقوق الإنسان بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية حيث تم منع بعض القنوات التلفزيونية من النشاط، وهو ما يعتبر مساساً بحرية التعبير، وعليه لم يعد الملف وسيلة ضغط". وختم أنه "لا يمكن لمجلس حقوق الإنسان أن يطرح أسئلة أو ملاحظات غير موجودة، أكيد هناك بعض الحقائق وهناك جهات رفعت شكاوى لدى الهيئة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحسين الوضع الداخلي
على العكس، يرى الحقوقي سليمان شرقي، أن انضمام البلد للمجلس يفرض عليه واجب الالتزام بضوابطه ومعاييره، وهو مسؤول أمام الأعضاء بتقديم توضيحات في شأن وضعية حقوق الإنسان، بغض النظر عن الجهة المتسائلة وغرضها من طرح الانشغال، سواء للإحراج أو للمزايدة. وأوضح أنه "يبقى على دبلوماسيتنا الرد على الأسئلة وتوضيح سياقاتها وضبط المعايير الداخلية مع التزاماتها الدولية".
ويواصل شرقي أن رد وزير العدل فيه نوع من قبول ضمني بالانتقادات بكونها مقاييس تشمل الجميع، بما فيها الدول المتسائلة، مشيراً إلى أهمية تكثيف العمل الدبلوماسي في مثل هذه المنتديات، وكذا الضغط من أجل فرض آليات أكثر عدلاً في مجال الرقابة تشمل الجميع، وإن كان الأفضل مطلقاً تحسين الوضع الداخلي.
رسائل مشفرة
ورأت أوساط سياسية أن الجزائر بعثت برسائل مشفرة إلى بعض الحضور في "تحول يكشف عن مرحلة جديدة في سياستها الخارجية تتميز بالندية"، بعد أن أكد وزير العدل الجزائري خلال الجلسة "التزام الدولة الجزائرية الثابت بالعمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الجزائر وفي أي مكان في العالم، بما في ذلك صالح الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية أو الأجنبية من منطلق واجب التضامن مع الضحايا ومن لا صوت لهم أو أولئك الذين يفتقدون مكاناً تحت الشمس". وشدد على أن بلاده "تؤمن بالتعددية، وتؤيد مبدأ عالمية حقوق الإنسان، وترفض أي فرض لنموذج واحد وموحد لتنظيم اجتماعي أو سياسي أو نظرة أحادية لقيم أجنبية لا تعترف بالخصوصيات الفلسفية والحضارية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والدينية للدول"، موضحاً أن "احترام الأديان السماوية ورموزها يجب ألا ينتهك بذريعة حرية الرأي والتعبير احتراماً لمعتقدات الشعوب".