بات تعديل أو مراجعة اتفاق جوبا للسلام الذي وقع بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي تضم عدداً من حركات الكفاح المسلح في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، حاضراً في النقاش الدائر في إطار العملية السياسية أو ما يسمى التسوية بين "قوى الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) والمكون العسكري برعاية الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد)، وذلك من خلال المحافظة على إيجابيات الاتفاق والتخلص من سلبياته وأخطائه.
لكن ما مكامن القصور التي تستوجب تعديل هذا الاتفاق حتى يكون فاعلاً؟
ثغرات وخلل
في هذا الوقت، قال رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحالف الوطني السوداني اللواء معاش كمال إسماعيل أحمد إن "السلام غاية مطلوبة لتحقيق الاستقرار ووقف الحرب وتحقيق أهداف الثورة السودانية، لكن بالنظر إلى اتفاق السلام الذي وقع في جوبا، نجد به ثغرات، إضافة إلى عدم تنفيذ بنود مهمة فيها مثل الترتيبات الأمنية التي تنص على تكوين جيش قومي مهني واحد، مما سبب خللاً كبيراً وواضحاً في أمن واستقرار البلاد، وأدى ذلك إلى نشوء نزاعات مسلحة في دارفور والنيل الأزرق وغيرها من المناطق، وكذلك وجود مسلحين داخل المدن وتحديداً في العاصمة الخرطوم". وأضاف "لذلك يجب قبل تعديل هذا الاتفاق تنفيذ البنود الخاصة بالترتيبات الأمنية وهي دقيقة، وليست بها ثغرات تستحق التعديل مما يستوجب تنفيذها فوراً، وبعد ذلك يتم تعديل نسب المحاصصة للحركات وإلغاء المسارات فلا حاجة إليها، بل هي تزيد من تعقيدات المشهد". وتابع "بالطبع عملية سلام جوبا غير شاملة، وهذا خلل كبير يجب تداركه بضم الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان التي يرأسها عبدالواحد محمد نور، وذلك بترتيب حوار لتقريب وجهات النظر مع هاتين الحركتين للوصول إلى السلام الشامل".
وختم رئيس المكتب التنفيذي لحزب التحالف الوطني السوداني "نحن ننظر إلى الواقع الماثل ونتساءل هل السلام المنشود تم أم لا؟ الآن، الحروب دائرة في كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وهذا يتطلب بالتأكيد مراجعة الاتفاق ككل، فهذه الحركات التي تهدد بالعودة إلى الحرب في حال تم المساس باتفاق سلام جوبا، فشلت في تحقيق السلام، بالتالي، فإن التهديدات الصادرة منها لا تؤثر في حقيقة قصور وفشل السلام الذي وقع بالفعل".
تجربة إنسانية
وقال وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق في السودان نصر الدين مفرح إن "السلام بات حلم جميع السودانيين المتأثرين بالحرب وغيرهم، لما للحرب من تأثيرات في الأمن والاقتصاد والسياسة والمجتمع، بالتالي، مهما كانت كلفة السلام فإنها لن تكون بأي حال أعظم من كلفة الحرب". وأضاف "في اعتقادي أن اتفاق سلام جوبا له إيجابيات كثيرة، من أهمها أنه حقق وقف إطلاق النار وأمن أكثر من 80 في المئة من المواطنين، إلى جانب عودة بعض النازحين إلى قراهم التي هجروها والبدء في ممارسة حياتهم الطبيعية بخاصة في جانب الزراعة، كما أنه أشرك قادة الحركات المسلحة في موضع القرار من خلال إعادة الدولة المدنية، بل جعلهم يحكمون السودان لفترة أكثر من سنتين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع "مع ذلك، نجد هناك قصوراً صاحب هذا الاتفاق، لا لشيء سوى أنه تجربة إنسانية خاضعة للخطأ والصواب والتقصير، منها عدم تمكنه من اختراق عملية تنفيذ الترتيبات الأمنية، إضافة إلى فشل الحركات المسلحة في الوصول إلى قواعدها لشرح نصوص الاتفاق، فضلاً عن عدم وضع برنامج زمني للترتيبات الأمنية من أجل توفيق أوضاع منتسبي الحركات الموقعة عليه، مما أدى إلى حال تذمر داخل أوساطها، وبلا شك إذا استمر الوضع كما هو عليه، فمن شأنه أن يحدث انقسامات وتفلتات داخل مكونات هذه الحركات".
وعزا وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق في السودان السبب في ما حدث من قصور لهذا الاتفاق إلى الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ضد شركائه في الحكم "قوى الحرية والتغيير" في 25 أكتوبر 2021، مما عطل كل مفاصل الدولة بما في ذلك توقف العمل في تنفيذ اتفاق جوبا الذي كان وُضع له إطار زمني للترتيبات الأمنية والإدارية. وأشار إلى أنه لا بد من الإسراع في إنهاء انقلاب البرهان، والعودة إلى المسار الديمقراطي، ومن ثم العمل على إجراء التعديلات اللازمة إلى اتفاق سلام جوبا حتى يكون فاعلاً.
خط أحمر
في المقابل، قال القيادي في الجبهة الثورية السودانية الناطق الرسمي باسم تجمع "قوى تحرير السودان" فتحي عثمان "صحيح هناك أصوات تنادي بمراجعة اتفاق جوبا للسلام في إطار العملية السياسية الجارية الآن، لكن من حيث المبدأ، فإننا كأطراف سلام نمثل الجبهة الثورية نرفض هذه الخطوة جملة وتفصيلاً، كما نرى أن أي اتجاه لفتح اتفاق السلام من أجل حذف أو إضافة نصوص هو بمثابة اختراق واضح لهذا الاتفاق، فالمعروف عرفياً أن الاتفاقات لا تمس، لكن يمكن إدراج ملاحق لها من دون التعرض للاتفاق المبرم من قريب أو بعيد".
وبين عثمان أن هناك ضرورة ملحة لالتحاق الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) برئاسة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان جناح عبدالواحد محمد نور بركب السلام من خلال ابتدار حوار ونقاش يقود إلى هذه الخطوة، لكننا لا نرى أن هناك جوانب سلبية في اتفاق جوبا، وعلى الذين يدعون إلى مراجعة الاتفاق أن يحددوا البنود محل السلبية حتى لا يكون الحديث فضفاضاً لا معنى له. وشدد على أن اتفاق السلام يعد خطاً أحمر، وفي حال مسه، فإنهم كحركات كفاح مسلح سيلجأون للقانون، بخاصة أن الاتفاق محروس من قبل الدول الإقليمية ودول الجوار والمجتمع الدولي ممثلاً في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والنرويج وغيرها، لكن في كل الأحوال لن يلجأوا إلى خيار الحرب لأنه صعب ومكلف. وتابع القيادي في الجبهة الثورية أن "الاتفاقات لها قوانين وأعراف، وسنتبع كل الخيارات والوسائل السلمية من خلال الحوار السوداني، لأننا نؤمن إيماناً قاطعاً بأن بلادنا في حاجة ماسة إلى الحكمة، والعودة إلى الحرب أمر غير مرحب به بتاتاً".