يجلس كريم أمام شاشة السينما مع والديه لمشاهدة فيلم الكرتون المفضل لديه. تلاحظ الأم استمراره في تضييق حدقتي عينيه ليتمكن من رؤية الشاشة الكبيرة التي تفصلهم عنها أمتار قليلة. تتوتر الأم من تكرار الفعل نفسه طوال مدة الفيلم فتوبخ الطفل ظناً منها أنه يلعب. أما الطبيب، فيؤكد إصابته بقصر نظر شديد ويقول إن حاله تأخرت كثيراً بسبب غياب الكشف المبكر، مشدداً على ضرورة ارتدائه نظارة طبية ليتمكن من رؤية الأشياء البعيدة.
بحسب دراسة أجراها معهد "إنديا" للعلوم الطبية في نيودلهي بالهند، فإن طفلاً واحداً من كل ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين خمسة و15 سنة يعاني قصوراً في النظر، وتحذر الأكاديمية الطبية للعيون في أميركا من ازدياد أعداد الإصابات بقصر النظر، بخاصة لدى الأطفال، وتنصح بوجوب فحص العين فحصاً كاملاً كل خمسة أعوام.
أما منظمة الصحة العالمية، فنبهت من وصول معدلات انتشار ما سمته "الوباء المقبل" إلى 50 في المئة من سكان العالم بحلول 2050، لافتة إلى أن 2.2 مليار شخص مصابون بضعف البصر أو العمى منهم أكثر من مليار كان من الممكن إنقاذهم.
جائحة تضرب التلاميذ
تقول ابتسام السيد والدة الطفلة جنات إن ابنتها أصيبت بقصر النظر في السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية وترتدي نظارة طبية منذ أعوام عدة، موضحة أن أخويها آدم وهو الابن الأصغر ولينا الابنة الوسطى يرتديان نظارة طبية أيضاً بسبب إصابتهما بالمرض نفسه.
مجلة "إيكونوميست" تؤكد أن قصر النظر يتزايد بطريقة تجعله "وباء العصر"، لافتة إلى أن أكثرية المصابين أطفال في المدارس ويعود السبب في ذلك إلى أسلوب التعليم والجلوس في الفصول الدراسية لعدد كبير من الساعات من دون التعرض لضوء النهار.
وأشارت المجلة إلى أن دول العالم تشعر بالقلق إزاء هذا الوضع من تزايد أعداد الإصابات بشكل سريع كالوباء، بخاصة أن تفاقم الإصابة يؤدي إلى حدوث مشكلات صحية أكثر خطورة تصل إلى الإعتام والعمى في المراحل التالية من حياتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استشارية جراحات العيون صفاء محمود تقول إن "أعراض الإصابة بقصر النظر تبدأ حين تصبح هناك مشكلة في رؤية الأشياء البعيدة مع حاجة المصاب إلى تضييق حدقة العين باستمرار للتمكن من الرؤية، لافتة إلى أهمية خضوع الطفل للفحص السريع بمجرد ملاحظة تلك الأعراض كي لا تتفاقم إصابته.
وشرحت محمود أن "العوامل الوراثية أيضاً لها دور في الإصابة، لكن الدور الأكبر يقع على عاتق التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها شاشات التلفونات المحمولة والأجهزة اللوحية"، مضيفة أنه "يجب توعية المجتمع بأخطار الممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى الإصابة بالمرض".
من جانبه يبرز استشاري جراحات العيون إبراهيم الطماوي سبباً آخر للإصابة بقصر النظر وهو التدخين السلبي فضلاً عن زيادة تلوث البيئة، مشيراً إلى أن "منظمة الصحة العالمية يجب أن تضع على رأس أولوياتها في المرحلة المقبلة السيطرة على أعداد المصابين المتزايدة باستمرار".
العمى خطر محتمل
تقول والدة الطفلة "س. م" ذات الست سنوات إن ابنتها مصابة بقصر نظر شديد وتظن أن السبب وراء ذلك هو جلوسها طوال الوقت أمام جهازها اللوحي، مما أدى إلى إصابتها بالتوحد وصعوبة الرؤية.
التعرض للشاشات لفترات طويلة ربما يسفر عن زيادة خطر الإصابة بقصر النظر بنسبة تصل إلى 80 في المئة، بحسب دراسة أجراها معهد أبحاث الرؤية والعيون في جامعة "أنغليا روسكين" البريطانية، بحيث أكد الباحثون الارتباط الوثيق بين قضاء ساعات طويلة أمام شاشات الهواتف والأجهزة اللوحية وزيادة درجة الخطورة، وذلك بعد تحليل بيانات 3000 دراسة سابقة.
في هذا السياق يحذر أستاذ جراحة العيون أحمد متولي من أن تفاقم حالات قصر النظر الشديد ربما يؤدي إلى الإصابة بالعمى غير القابل للعلاج، كما يجعل المصابين عرضة للإصابة بعدد من أمراض العيون الأخرى، ويوضح أن "التعرض لضوء النهار أمر ضروري لسلامة عيون الأطفال"، منبهاً من المذاكرة تحت الإضاءة الخافتة ومشدداً على ضرورة أن يبقي الوالدان أطفالهما في الضوء الطبيعي نهاراً قدر الإمكان كالجلوس في الشرفة أو تصميم منافذ المنزل بمساحة أكبر وأيضاً الاهتمام بوحدات الإضاءة الداخلية.
أما طبيب جراحة العيون حامد جودة، فيؤكد أن الأطفال الذين يعانون قصر النظر معرضون بشكل أكبر لخطر الإصابة بمرض إعتام عدسة العين، لافتاً إلى أن "جراحات إزالة هذا المرض محفوفة بالأخطار والأفضل هو تجنب تفاقم الوضع، بخاصة لدى المصابين بقصر نظر شديد وأفضل الطرق الوقائية هي المحافظة على ارتداء النظارات والعدسات الطبية".
آسيا في المقدمة
وتتربع آسيا، والصين على الأخص، على رأس قائمة الأكثر إصابة بقصر النظر عالمياً، كما تشير الدراسات إلى أن المعدلات تتراوح بين 20 و40 في المئة في دول أوروبا، وبين 17 و19 في المئة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، أما الدول العربية، فجاءت في مستويات متوسطة.
وأكدت الدراسات أن العمل الجماعي للمؤسسات الدولية ووضع حلول مختلفة لتجنب بقاء الأطفال في قاعات الدراسة طوال النهار يعالجان سبباً رئيساً في الأزمة، بحيث أجريت تجربة الدراسة في الهواء الطلق على أطفال المدارس في تايوان وأسفرت عن نتائج مهمة في تقليل معدلات الإصابة بالمرض.