يواجه رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أول معارضة جادة من داخل حزبه الحاكم، مع اصطفاف سلفيه ليز تراس وبوريس جونسون في معارضة اقتراحه بتعديل قوانين التنظيم والتراخيص المدنية، إذ وقع رئيسا الوزراء السابقان على مسودة تعديل لقانون "التجديد والتقدم" تتضمن إنهاء الحظر المفروض على بناء توربينات الطاقة من الرياح على اليابسة.
وكانت حكومة ريشي سوناك قد اضطرت إلى تأجيل التصويت على تعديل سياسة التخطيط والتصاريح بعد تمرد نحو 50 من نواب حزب المحافظين الحاكم على التعديل. وربما تعاود الحكومة طرح التعديل على سياسة التخطيط العام في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتستهدف الحكومة من تعديل سياسة التخطيط إعطاء مزيد من الحرية للمطورين العقاريين لبناء البيوت والمساكن حتى في حال اعتراض السكان ومناصري البيئة والمحافظين على الرقعة الزراعية والمساحات الخضراء، إذ تعتبر حكومة سوناك من أولوياتها زيادة عدد المساكن المتوفرة في البلاد لحل مشكلة نقص العرض في السوق العقارية البريطاني.
تمرد وتصعيد
كان يفترض طرح التعديل للتصويت، الثلاثاء الماضي، لكن معارضة هذا العدد الكبير من نواب الحزب الحاكم أدت إلى تأجيل الحكومة طرح القانون للتصويت خشية أن تمنى بهزيمة في البرلمان. وفي اليوم التالي أعلن سايمون كلارك، وزير التجديد والتقدم في حكومة ليز تراس التي لم تستمر ستة أسابيع في الحكم، عن مسودة لقانون التخطيط تتضمن رفع الحظر المفروض على إقامة محطات توليد الطاقة من الرياح على الأرض.
واعتبر الاقتراح من الوزير السابق، الذي كان مؤيداً للحظر على بناء توربينات الرياح على اليابسة، تصعيداً في دعم التمرد على حكومة ريشي سوناك. وحتى الآن وقع على مسودة كلارك 18 نائباً من حزب المحافظين يتقدمهم رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يذكر أن حظر بناء توربينات الرياح على اليابسة فرضته حكومة المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون بعد اعتراض المزارعين في أنحاء من بريطانيا تعد معاقل لحزب المحافظين في التصويت بالانتخابات. ولكسب أصوات هؤلاء قررت حكومة كاميرون فرض الحظر.
وحتى في ظل أزمة الطاقة، والحاجة إلى تعزيز مصادر الطاقة المتجددة، لم تغير حكومة بوريس جونسون الحظر، وإن أعلنت ضمن خططها التوسع في بناء محطات الرياح في مياه البحر. حتى سايمون كلارك كان من المؤيدين لاستمرار الحظر، ولم يفعل ذلك وهو وزير مسؤول عن التخطيط في حكومة ليز تراس. إنما وجد معارضو ريشي سوناك، من أنصار جونسون وتراس في المسألة فرصة لتصعيد التمرد على رئيس حكومة وربما إزاحته من السلطة، حيث يرى مؤيدو بوريس جونسون أن استقالة سوناك من حكومة بوريس جونسون هذا الصيف كانت الشرارة التي أدت إلى استقالات بالعشرات من الحكومة ما اضطر بوريس جونسون للاستقالة. وخلفته ليز تراس في انتخابات داخل الحزب شهدت تبادل الانتقادات والاتهامات بينها وبين منافسها حينذاك ريشي سوناك.
جونسون وتراس
لا تقتصر المعارضة لريشي سوناك على أنصار بوريس جونسون وليز تراس، بل إن جاكوب ريس – موغ الذي يمثل المجموعة الأكثر "يمينية" في الحزب الحاكم أبدى اعتراضه على الميزانية التي طرحها وزير الخزانة جيريمي هانت قبل أيام. وعلى رغم قوله إنه سيصوت لصالح زيادة الضرائب إلا أنه أكد أنه يعارض هذا التوجه "ليس من مبادئ حزب المحافظين"، لكنه لا يريد شقاقاً في دعم الحزب لحكومته.
وفي تقرير نشرته الجمعة، ترى صحيفة "ديلي تليغراف" المقربة من حزب المحافظين أن اصطفاف رئيساً الحكومة السابقين ضد ريشي سوناك يعطي المعارضة للحكومة زخماً داخل الحزب الحاكم، بخاصة أن حزب العمال المعارض قد يصوت لصالح التعديل الذي اقترحه سايمون كلارك والذي يتعارض مع سياسة حكومة ريشي سوناك.
ومن الواضح أن الحرب داخل الأجنحة المختلفة في حزب المحافظين لم تنته، على رغم مما بدا من أن الحزب يعطي حكومته بقيادة ريشي سوناك وجيريمي هنت فرصة لإعادة الاستقرار المالي والاقتصادي بعد الكارثة التي سببتها ميزانية حكومة ليز تراس. ويتوقع أن تواجه حكومة سوناك مزيداً من التمرد والخلافات داخل أجنحة الحزب الحاكم.
وتزامن التمرد على الحكومة هذا الأسبوع وبعد نحو شهر فقط من تولي ريشي سوناك السلطة، وانضمام جونسون وتراس إليه، مع صدور كتاب للصحافي سباستيان باين بعنوان "سقوط بوريس جونسون" كشف فيه عن دعم جونسون لليز تراس في السباق بينها وبين سوناك على خلافته، بل يذكر الكتاب أن دعم جونسون لتراس استمر خلال فترة حكمها حتى إنه "كان يقوم تقريباً بدور وزير الخارجية في الحكومة".
وفي فترة الانتخابات لخلافته صيف هذا العام "قدم بوريس جونسون النصح المخلص لليز تراس في مواجهتها مع ريشي سوناك، وذلك من خلال عدة لقاءات بينهما"، كما يشير الكتاب. وكان بعض المعلقين استنتج في شهر يوليو (تموز) الماضي أن بوريس جونسون يدعم بشكل غير مباشر ليز تراس ضد ريشي سوناك في السباق على خلافته، وأرجعوا ذلك إلى أن جونسون يفكر في العودة السياسية، ومن شأن حكم تراس أن يجعل الناس "تذكر أيام حكمه بالخير".
ويتوقع كثيرون أن تستمر الخلافات داخل الحزب الحاكم وتتصاعد، ليس فقط بما يهدد فرص الحزب في الفوز بالانتخابات العامة المتوقعة في 2024، بل بما يشكل أزمة حقيقية لحكومة ريشي سوناك. ومع أن التمرد حتى الآن ليس بالحجم الذي سبق في فترة حكم جونسون أو ليز تراس، إلا أن احتمال توسع الحرب بين أجنحة الحزب الحاكم قد يؤدي إلى سقوط حكومة سوناك.