كان كثر من العاملين في القلب التجاري للندن غادروا إلى منازلهم حين أعلنت وزارة المالية تراجعها عن قرارها السابق عند الساعة 5.54 مساء الثلاثاء.
وكان تراجعاً كبيراً. لا يخدعنكم العنوان الذي يبدو حميداً، "بيان في شأن تعديل صلاحية التدخل المقترحة في مشروع قانون الخدمات المالية والأسواق".
وكانت سلطات "تدخّل" مثيرة للجدل ضمّنت في مشروع القانون المدرج الآن على جدول أعمال البرلمان والتي من شأنها إعطاء الحكومة القدرة على تعديل أو إلغاء قوانين تقترحها إحدى الهيئتين الرقابيتين المشرفتين على القلب التجاري للندن – هيئة السلوك المالي Financial Conduct Authority (FCA) و/ أو بنك إنجلترا [مصرف بريطانيا المركزي] – وكذلك إصدار تعليمات بهدف "تعزيز القدرة التنافسية" وما إلى ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان ذلك جزءاً من خطط الحكومة لتحرير القلب التجاري للندن من خلال تدابير حاولت، بالاستعانة بمبالغة سخيفة، وصفها بأنها "انفجار كبير ثان" [في إشارة إلى أن "الانفجار الكبير الأول" كان تحرير الأسواق المالية في المملكة المتحدة في 1986]. والآن جرى التخلي عن سلطات "التدخل" المحتملة هذه.
وقال وزير شؤون القلب التجاري للندن أندرو غريفيث عن التراجع الجذري، "نرى أن الفقرات الراهنة في مشروع القانون كافية حالياً وستسمح لنا بالفعل باغتنام فرص بريكست من خلال تكييف التنظيمات المفروضة على الخدمات المالية مع أسواق المملكة المتحدة لتعزيز قدرتنا التنافسية". ومن الصعب إخفاء بسمة متكلفة رداً على الجزء الثاني من ذلك البيان.
كان أول من طرح سلطة التدخل ريشي سوناك الذي أصبح الآن رئيس الوزراء. وأظن أن إسقاط هذه الخطة، في مواجهة المعارضة الشرسة والعلنية جداً من جانب كل من بنك إنجلترا وهيئة السلوك المالي، يشكل علامة إيجابية أخرى في تقييم أداء وزير المالية جيريمي هانت.
فلنواجه الحقيقة: إن عدداً أكبر مما ينبغي من زملائه الوزراء لا يحسنون في الحقيقة العمل كوزراء. فلنتخيل معاً الفوضى إذا ما حاولوا التدخل في التنظيم المالي، ذلك أنها مهمة صعبة وحساسة في أفضل الأوقات.
وأضاف السيد غريفيث، "نظل ملتزمين بالاستقلال التشغيلي للجهات المنظمة للخدمات المالية".
فلنتنفس الصعداء!
باستثناء أن الملاحظات أسفل البيان الصحافي الذي أصدره وزير شؤون القلب التجاري للندن تبيّن، في شكل مقلق، أن ثمة أسباباً لا تزال تدعو إلى الخوف.
بداية، لم يرفع التهديد في شكل كامل، "ستبقي الحكومة هذه المسألة قيد المراجعة وستعود إلى المسألة في تشريع يخص الخدمات المالية في المستقبل إذا تبيّن أن الإطار التنظيمي غير قادر على دعم رؤية الحكومة لقطاع الخدمات المالية في المملكة المتحدة في شكل كامل".
ويحتوي مشروع القانون أيضاً على "سلطة لمراجعة القواعد" تستطيع وزارة المالية بموجبها أن تطلب من الجهات التنظيمية أن تنظر مرة أخرى في القواعد "حيث يصب ذلك في المصلحة العامة" وفق أي تحديد تضعه الحكومة لذلك. ومن ثم سيوضع تقرير أمام البرلمان. وستظل الكلمة الأخيرة للهيئات التنظيمية.
لكن هل يصل الأمر إلى هذا الحد؟
يتضمن مشروع القانون مجالاً واسعاً للتدخل عن بعد – وليس البعد حقاً بعيداً كثيراً.
يبدو أن السيد سوناك والسيد هانت أدركا أن وظيفة الجهة التنظيمية المالية هي وظيفة جاحدة، ولاحظا إمكانية تعرض الحكومة لهجوم شامل إذا تدخلت في عمل الجهة في شكل مباشر. لكن يبدو أن الحكومة تريد أن تتمكن من فرض رأيها على الجهات التنظيمية من دون أن تتعرض لانتقادات جراء عواقب ذلك.
وهذا ليس أمراً سهلاً عندما يتعلق ببنك إنجلترا. يستحق نفوذه أن تتوقف الحكومة عنده. يبدي حاكمه أندرو بايلي استعداداً لمواجهة الحكومة في المجالات حيث يرى ذلك ضرورياً.
وهناك حجة مفادها بأن السيد بايلي هو الذي دمر في نهاية المطاف ليز تراس بأن رفض أن يدعم إلى ما لا نهاية السندات الحكومية التي كانت في سقوط حر بفضل الموازنة المصغرة المأساوية التي وضعتها هي وكواسي كوارتنغ. ومن المؤكد أن رفض السيد بايلي الخضوع ساعد في وضع الأمور في نصابها.
هذا ويجتذب عادة العمل التنظيمي الذي يضطلع به بنك إنجلترا قدراً أقل من الاهتمام مقارنة بعمل هيئة السلوك المالي. تتولى هيئة التنظيم التحوطي التابعة للمصرف معالجة المسائل المتعلقة بالسلامة المالية. ويتجاوز عملها التقني قدرة الوزير العادي على الفهم.
أما عمل نيخيل راثي، رئيس هيئة السلوك المالي، فأصعب. ذلك أن هيئته الرقابية تتمتع بقدر أقل من الوجاهة. فقراراتها أكثر ميلاً إلى اجتذاب التدقيق العام، لا سيما عندما تسوء الأمور.
يؤمل أن يتمتع السيد راثي أيضاً بالقوة اللازمة ليقول للحكومة "لا". وأخشى أن عليه أن يستعد لذلك.
© The Independent