بين الفينة والأخرى تأتي الأخبار باعتقال أو تفكيك عصابة أو شبكة متخصصة في الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت، أبطالها شباب في عمر الزهور، وضحاياها مواطنون عاديون وأحياناً شخصيات سياسية أو رياضية.
شبكات ابتزاز إلكترونية
قبل أيام خلت اعتقلت الشرطة بمدينة أيت ملول القريبة من مدينة أغادير السياحية جنوب البلاد، أربعة شباب تتراوح أعمارهم بين 20 و29 سنة، بينهم امرأة، بسبب تورطهم في تشكيل شبكة إجرامية تنشط في الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت.
وكان الضحية مواطناً أجنبياً تقدم بشكوى إلى الأمن بعد تعرضه للنصب والابتزاز الجنسي باستخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي، بينما تم ضبط المتهمين داخل إحدى الشقق وبحوزتهم معدات إلكترونية وهواتف محمولة لتسهيل ارتكاب أفعالهم الإجرامية.
قبل هذه الحادثة ببضعة أسابيع تعرض مواطن قطري لابتزاز جنسي من طرف عصابة مشكلة من أربعة شبان ينحدرون من مدينتي بني ملال ووادي زم (الهامشيتين)، حيث استدرجوا الرجل الخليجي لتصويره في "أوضاع مخلة".
وفي مدينة طنجة أوقفت الشرطة خمسة أشخاص بتهمة التورط في الابتزاز الجنسي بواسطة الأنظمة المعلوماتية، حيث كانوا يعمدون إلى "اصطياد" ضحاياهم وتصويرهم في وضعيات ساخنة قبل ابتزازهم عبر التهديد بفضحهم ونشر صورهم على الملأ.
أرقام رسمية وقوانين
تفيد أرقام رسمية كشفت عنها سابقاً مديرية الأمن الوطني بأن قضايا الجريمة المعلوماتية والابتزاز عبر الإنترنت شهدت ارتفاعاً خلال النصف الأول من عام 2022، بنسبة أربعة في المئة.
ووفق المصدر ذاته، زاد عدد قضايا الجريمة المعلوماتية والابتزاز عبر الإنترنت التي تم تسجيلها ومتابعتها من طرف الأمن والقضاء، في الفترة الزمنية ذاتها، من 2773 إلى 2874 قضية، وعلا عدد الإعلانات والمنشورات من 1856 إلى 1951.
وتبعاً للمصدر، فقد تم تسجيل ومعالجة 2870 طلب خبرة من طرف المصالح المتخصصة في الأدلة والمحتويات الرقمية ومختبرات تحليل الآثار الرقمية، انصبت على 7856 دعامة إلكترونية، بزيادة فاقت 20 في المئة مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021.
وفي تقرير أمني لعام 2020 أحيل 300 شخص إلى النيابة العامة بتهم الابتزاز الجنسي على شبكة الإنترنت، بعد أن استهدفوا 458 ضحية، من بينهم 107 أجانب.
وعلى رغم عدم تخصيص القانون الجنائي المغربي فصولاً خاصة بتهمة "الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت" فإنه أشار في أكثر من مادة قانونية إلى هذه الجرائم، من قبيل الفصل رقم 447 الذي ينص على أن "يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية من 2000 إلى 20 ألف درهم (200 دولار إلى 2000 دولار)، كل من قام عبر أية وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته من دون موافقته، أو قام ببث أو توزيع ادعاءات أو وقائع كاذبة بقصد المس بحياة الأشخاص أو التشهير بهم".
ويورد الفصل 538 من القانون الجنائي أيضاً أن "من حصل على مبلغ من المال أو على توقيع أو على تسليم ورقة، وكان ذلك بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، سواء أكان التهديد شفوياً أو كتابياً، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات".
عاصمة الفقر والأزمات
اللافت في ظاهرة الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت في المغرب أن المتورطين فيها ينحدرون من مدن صغيرة أو هامشية في الغالب، خصوصاً مدينة وادي زم التي تورط فيها عديد من شبابها في هذه الشبكات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن أبرز القضايا التي ارتبطت بمدينة وادي زم المعروفة بكونها تعاني أزمات تنموية عدة، تلك التي تعرض فيها المدرب الأسبق لمنتخب المغرب والمدرب الحالي للمنتخب السعودي هيرفي رونار، قبل سنوات قليلة لمحاولات ابتزاز عبر الإنترنت من طرف بعض شبان هذه المدينة الذين طالبوه بمبالغ مالية، لكنه أبلغ السلطات الأمنية فتكفلت بتوقيف الشبان المتورطين.
في هذا الصدد يقول الناشط المحلي محمد إسماعيلي لـ"اندبندنت عربية" إن مدينة وادي زم اشتهرت بكونها "عاصمة للابتزاز الجنسي" بسبب توالي حالات الاحتيال من جانب بعض شبابها.
ووفق المتحدث ذاته، فإن المدينة تعاني التهميش الاقتصادي والاجتماعي، خصوصاً بعد انحسار هجرة أبناء مناطق وادي زم والفقيه بن صالح وبني ملال إلى بعض بلدان أوروبا بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت القارة.
ويكمل الناشط "بعد تراجع فرص الهجرة إلى إيطاليا بالخصوص، صار شباب المنطقة يبحثون عن موارد مالية أمام شبح البطالة القاتل، ما دفع عدداً منهم إلى احتراف الاحتيال من خلال ابتزاز ضحايا يسهل استدراجهم إلى الإنترنت عبر فيديوهات مفبركة".
واسترسل "يعتقد الضحايا أن هذه المحادثات الرقمية حقيقية لفتيات مغريات، قبل أن يفاجأوا بأنهم تعرضوا للاحتيال، ثم تبدأ عملية الابتزاز، فإما أن تنجح لخشية الضحية من الفضيحة، أو تنتهي بإبلاغ السلطات المتخصصة عما وقع له من ابتزاز".
عوامل انتشار الظاهرة
يقول زهير البحيري أستاذ علم الاجتماع بجامعة أغادير، إن الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت يشكل مظهراً أساسياً من مظاهر التحول القيمي في المجتمع المغربي، الذي يعبر عن تراجع واضح في أدوار مختلف المؤسسات الاجتماعية، وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة، ما أسهم بشكل واضح في تغير منظومة القيم لدى الشباب المغربي، وظهور قيم جديدة ترتبط بالثقافة الاستهلاكية والافتراضية ومجتمع العولمة.
وأبرز البحيري، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أنه يمكن تفسير هذا السلوك الذي تمارسه بالأساس فئة الشباب أولاً بالانتشار المتزايد للعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، انطلاقاً مما يتيحه المجتمع المعاصر من تطور في وسائل التواصل وأنماط متعددة للتفاعل الاجتماعي، وهو ما يجعل فئات معينة تسقط ضحية ممارسات لا تنحصر فحسب في الاستغلال الجنسي بل تتعداه إلى ابتزاز مادي وأخلاقي.
وتابع أن ضعف الاندماج الاجتماعي لفئات واسعة من أفراد المجتمع المغربي يعتبر عاملاً مفسراً لظاهرة الابتزاز الجنسي، ومعناه أن الأفراد الذين يعيشون نوعاً من العزلة وضعفاً في منظومة الروابط والعلاقات الاجتماعية، غالباً ما يبحثون عن الدفء الاجتماعي افتراضياً".
وأكمل البحيري "هذا الدفء الافتراضي إذا لم ينته بانفصال عن الواقع الاجتماعي وبالتالي حصول علل نفسية واجتماعية مختلفة، فإنه سيكون عامل ابتزاز من قبل فئة من الشباب يدفعهم الإحباط والحرمان وضعف فرص العمل إلى البحث عن كل السبل التي تمكنهم من الحصول على مدخول مادي كفيل بتلبية حاجاتهم".
ولفت المتحدث إلى أن "غياب ثقافة اجتماعية وقانونية مرتبطة باستعمال الإنترنت ووسائط التواصل يعتبر عاملاً مفسراً كذلك لهذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة التي تستفحل في ظل غياب تربية مبنية على العلم والحوار والتواصل".